دخل دقوقاء ثم ارتفع إلى أداني آذربيجان. و خرج الحجاج من الكوفة إلى البصرة حيث بعد شبيب و استخلف على الكوفة عروة بن المغيرة بن شعبة فما شعر الناس إلا بكتاب من مادارست دهقان بابل مهروز إلى عروة بن المغيرة بن شعبة أن تاجرا من تجار الأنبار من أهل بلادي شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 246أتاني يذكر أن شبيبا يريد أن يدخل الكوفة في أول هذا الشهر المستقبل و أحببت إعلامك ذلك لترى رأيك و إني لم ألبث بعد ذلك إذ جاءني اثنان من جيراني فحدثاني أن شبيبا قد نزخانيجار. فأخذ عروة كتابه فأدرجه و سرح به إلى الحجاج إلى البصرة فلما قرأ الحجاج أقبل جادا إلى الكوفة و أقبل شبيب يسير حتى انتهى إلى قرية حربى على شاطئ دجلة فعبرها و قال لأصحابه يا هؤلاء إن الحجاج ليس بالكوفة و ليس دون أخذها شي ء إن شاء الله فسيروا بنا فخرجيبادر الحجاج إلى الكوفة و كتب عروة إلى الحجاج إن شبيبا قد أقبل مسرعا يريد الكوفة فالعجل العجل. فطوى الحجاج المنازل مسابقا لشبيب إلى الكوفة فسبقه و نزلها صلاة العصر و نزل شبيب السبخة صلاة العشاء الآخرة فأصاب هو و أصحابه من الطعام شيئا يسيرا ثم ركبوا خيولهم فدخل شبيب الكوفة في أصحابه حتى انتهى إلى السوق و شد حتى ضرب باب القصر بعموده فحدث جماعة أنهم رأوا أثر ضربة شبيب بالعمود بباب القصر ثم أقبل حتى وقف عند باب المصطبة و أنشد شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 24و كأن حافرها بكل ثنية فرق يكيل به شحيح معدم(5/201)
ثم أقحم هو و أصحابه المسجد الجامع و لا يفارقه قوم يصلون فيه فقتل منهم جماعة و مر هو بدار حوشب و كان هو على شرطة الحجاج فوقف على بابه في جماعة فقالوا إن الأمير يعنون الحجاج يدعو حوشبا و قد أخرج ميمون غلامه برذونه ليركب فكأنه أنكرهم فظنوا أنه قد اتهمهم فأراد أن يدخل إلى صاحبه فقالوا له كما أنت حتى يخرج صاحبك إليك فسمع حوشب الكلام فأنكر القوم و ذهب لينصرف فعجلوا نحوه فأغلق الباب دونه فقتلوا غلامه ميمونا و أخذوا برذونه و مضوا حتى مروا بالجحاف بن نبيط الشيباني من رهط حوشب فقال له سويد انزل إلينا فقال ما تصنع بنزولي فقال انزل إني لم أقضك ثمن البكرة التي ابتعتها منك بالبادية فقال الجحاف بئس ساعة القضاء هذه و بئس المكان لقضاء الدين هذا ويحك أ ما ذكرت أداء أمانتك إلا و الليل مظلم و أنت على متن فرسك قبح الله يا سويد دينا لا يصلح و لا يتم إلا بقتل الأنفس و سفك الدماء ثم مروا بمسجد بني ذهل فلقوا ذهل بن الحارث و كان يصلي في مسجد قومه فيطيل الصلاة إلى الليل فصادفوه منصرفا إلى منزله فقتلوه ثم خرجوا متوجهين نحو الردمة و أمر الحجاج المنادي يا خيل الله اركبي و أبشري و هو فوق باب القصر و هناك مصباح مع غلام له قائم. شرح نهج الاغة ج : 4 ص : 248و كان أول من جاء من الناس عثمان بن قطن و معه مواليه و ناس من أهله و قال أعلموا الأمير مكاني أنا عثمان بن قطن فليأمرني بأمره فناداه الغلام صاحب المصباح قف مكانك حتى يأتيك أمر الأمير و جاء الناس من كل جانب و بات عثمان مكانه فيمن اجتمع إليه من الناس حتى أصبح. و قد كان عبد الملك بن مروان بعث محمد بن موسى بن طلحة على سجستان و كتب له عهده عليها و كتب إلى الحجاج إذا قدم عليك محمد بن موسى الكوفة فجهز معه ألفي رجل و عجل سراحه إلى سجستان. فلما قدم الكوفة جعل يتجهز فقال له أصحابه و نصحاؤه تعجل أيها الرجل إلى عملك فإنك لا تدري ما يحدث و عرض أمر شبيب حينئذ و دخوله(5/202)
الكوفة فقيل للحجاج إن محمد بن موسى إن سار إلى سجستان مع نجدته و صهره لأمير المؤمنين عبد الملك فلجأ إليه أحد ممن تطلبه منعك منه قال فما الحيلة قالوا أن تذكر له أن شبيبا في طريقه و قد أعياك و أنك ترجو أن يريح الله منه على يده فيكون له ذكر ذلك و شهرته. فكتب إليه الحجاج إنك عامل على كل بلد مررت به و هذا شبيب في طريقك تجاهده و من معه و لك أجره و ذكره و صيته ثم تمضي إلى عملك فاستجاب له. و بعث الحجاج بشر بن غالب الأسدي في ألفي رجل و زياد بن قدامة في ألفين و أبا الضريس مولى تميم في ألف من الموالي و أعين صاحب حمام أعين مولى لبشر بن مروان في ألف و جماعة غيرهم فاجتمعت تلك الأمراء في أسفل الفرات و ترك شبيب الوجه الذي فيه جماعة هؤلاء القواد و أخذ نحو القادسية فوجه الحجاج زحر بن قيس شرح نهج البلاغة ج : 4 ص :49في جريدة خيل نقاوة عدتها ألف و ثمانمائة فارس و قال له اتبع شبيبا حتى تواقعه حيثما أدركته فخرج زحر بن قيس حتى انتهى إلى السيلحين و بلغ شبيبا مسيره إليه فأقبل نحوه فالتقيا و قد جعل زحر على ميمنته عبد الله بن كناز و كان شجاعا و على ميسرته عدي بن عدي بن عميرة الكندي و جمع شبيب خيله كلها كبكبة واحدة ثم اعترض بها الصف يوجف وجيفا حتى انتهى إلى زحر بن قيس فنزل زحر فقاتل حتى صرع و انهزم أصحابه و ظن أنه قد قتل. فلما كان الليل و أصابه البرد قام يمشي حتى دخل قرية فبات بها و حمل منها إلى الكوفة و بوجهه أربع عشرة ضربة فمكث أياما ثم أتى الحجاج و على وجهه و جراحه القطن فأجلسه معه على السرير و قال أصحاب شبيب لشبيب(5/203)
شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 250و هم يظنون أنهم قد قتلوا زحرا قد هزمنا جندهم و قتلنا أميرا من أمرائهم عظيما فانصرف بنا الآن موفورين فقال لهم إن قتلكم هذا الرجل و هزيمتكم هذا الجند قد أرعب هؤلاء الأمراء فاقصدوا بنا قصدهم فو الله لئن نحن قتلناهم ما دون قتل اجاج و أخذ الكوفة شي ء فقالوا له نحن طوع لأمرك و رأيك فانقض بهم جادا حتى أتى ناحية عين التمر و استخبر عن القوم فعرف اجتماعهم في روذبار في أسفل الفرات على رأس أربعة و عشرين فرسخا من الكوفة. و بلغ الحجاج مسير شبيب إليهم فبعث إليهم إن جمعكم قتال فأمير الناس زئدة بن قدامة. فانتهى إليهم شبيب و فيهم سبعة أمراء على جماعتهم زائدة بن قدامة و قد عبى كل أمير أصحابه على حدة و هو واقف في أصحابه فأشرف شبيب على الناس و هو على فرس أغر كميت فنظر إلى تعبيتهم ثم رجع إلى أصحابه و أقبل في ثلاث كتائب يزحف بها حتى إذا دنا من الناس مضت كتيبة فيها سويد بن سليم. شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 251فوقفت بإزاء ميمنة زائدة بن قدامة و فيها زياد بن عمرو العتكي و مضت كتيبة فيها مصاد أخو شبيب فوقفت بإزاء الميسرة و فيها بشر بن غالب الأسدي و جاء شبيب في كتيبة حتى وقف مقابل القوم في القلب فخرج زائ بن قدامة يسير في الناس بين الميمنة و الميسرة يحرض الناس و يقول عباد الله إنكم الطيبون الكثيرون و قد نزل بكم الخبيثون القليلون فاصبروا جعلت لكم الفداء إنما هي حملتان أو ثلاث ثم هو النصر ليس دونه شي ء أ لا ترونهم و الله لا يكونون مائتي رجل إنما هم أكلة رأسو هم السراق المراق إنما جاءوكم ليهريقوا دماءكم و يأخذوا فيئكم فلا يكونوا على أخذه أقوى منكم على منعه و هم قليل و أنتم كثير و هم أهل فرقة و أنتم أهل جماعة غضوا الأبصار و استقبلوهم بالأسنة و لا تحملوا عليهم حتى آمركم. ثم انصرف إلى موقفه فحمل سويد بن سليم على زياد بن عمرو العتكي فكشف صفه و ثبت زياد قليلا ثم ارتفع سويد عنهم(5/204)
يسيرا ثم كر عليهم ثانية. فقال فروة بن لقيط الخارجي اطعنا ذلك اليوم ساعة فصبروا لنا حتى ظننت أنهم لن يزولوا و قاتل زياد بن عمرو قتالا شديدا و لقد رأيت سويد بن سليم يومئذ و إنه لأشد العرب قتالا و أشجعهم و هو واقف لا يعرض لهم ثم ارتفعنا عنهم فإذا هم يتقوضون فقال بعض أصحابنا لبعض أ لا ترونهم يتقوضون احملوا عليهم فأرسل إلينا شبيب خلوهم لا تحملوا عليهم حتى يخفوا فتركناهم قليلا ثم حملنا عليهم الثالثة فانهزموا فنظرت إلى زياد بن عمرو و إنه ليضرب بالسيوف و ما من سيف يضرب به شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 252إلا نبا عنه و لقد اعتوره أكثر من عشرين سيفا و هو مجفف فما ضره شي ء منها ثم انهزم. و انتهينا إلى محمد بن موسى بن طلحة أمير سجستان عند المغرب و هو قائم في أصحابه فقاتلناه قتالا شديدا و صبر لنا. ثم إن مصاحمل على بشر بن غالب في الميسرة فصبر و كرم و أبلى و نزل معه رجال من أهل البصرة نحو خمسين فضاربوا بأسيافهم حتى قتلوا ثم انهزم أصحابه فشددنا على أبي الضريس فهزمناه ثم انتهينا إلى موقف أعين ثم شددنا على أعين فهزمناهم حتى انتهينا إلى زائدة بن قدامة فلما انتهوا إليه نزل و نادى يا أهل الإسلام الأرض الأرض ألا لا يكونون على كفرهم أصبر منكم على إيمانكم فقاتلوا عامة الليل إلى السحر. ثم إن شبيبا شد على زائدة بن قدامة في جماعة من أصحابه فقتله و قتل ربضة حوله من أهل الحفاظ و نادى شبيب في أصحابه ارفعوا السيف و ادعوهم إلى البيعة فدعوهم عند الفجر إلى البيعة. قال عبد الرحمن بن جندب فكنت فيمن تقدم فبايعه بالخلافة و هو واقف على(5/205)