ثم ارتفع في أداني أرض الموصل ثم ارتفع إلى نحو آذربيجان يجبي الخراج و كان سفيان بن أبي العالية قد أمر أن يحارب صاحب طبرستان فأمر بالقفول نحو شبيب و أن يصالح صاحب طبرستان فصالحه فأقبل في ألف فارس و قد ورد عليه كتاب من الحجاج. أما بعد فأقم بالدسكرة فيمن معك حتى يأتيك جيش الحارث بن عميرة قاتل صالح بن مسرح ثم سر إلى شبيب حتى تناجزه. ففعل سفيان ذلك و نزل إلى الدسكرة حتى أتوه و خرج مرتحلا في طلب شبيب فارتفع شبيب عنهم كأنه يكره قتالهم و لقاءهم و قد أكمن لهم أخاه مصادا في خمسين رجلا في هضم من الأرض فلما رأوا شبيبا جمع أصحابه و مضى في سفح من الجبل شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 233مشرقا قالوا هرب عدو الله و اتبعوه فقال لهم عدي بن عميرة الشيباني أيها الناس لا تعجلوا عليهم حتى نضرب في الأرض و نستبرئها فإن يكونوا أكمنوا كمينا حذرناه و إلا كان طلبهم بين أيدينا لن يفوتنا فلم معوا منه فأسرعوا في آثارهم. فلما رأى شبيب أنهم قد جازوا الكمين عطف عليهم فحمل من أمامهم و خرج الكمين من ورائهم فلم يقاتل أحد و إنما كانت الهزيمة و ثبت سفيان بن أبي العالية في مائتي رجل فقاتل قتالا شديدا حتى انتصف من شبيب فقال سويد بن سليم لأصحابه أ منكم أحد يعرف أمير القوم ابن أبي العالية فقال له شبيب أنا من أعرف الناس به أ ما ترى صاحب الفرس الأغر الذي دونه المرامية فإنه هو فإن كنت تريده فأمهله قليلا. ثم قال يا قعنب اخرج في عشرين فأتهم من ورائهم فخرج قعنب في عشرين فارتفع عليهم فلما رأوه يريد أن يأتيهم من ورائهم جعلوا ينتقصون و يتسللون و حمل سويد بن سليم على سفيان بن أبي العالية يطاعنه فلم تصنع رماحهما شيئا ثم اضطربا بسيفهما ثم اعتنق كل واحد منهما صاحبه فوقعا إلى الأرض يعتركان ثم تحاجزا و حمل عليهم شبيب فانكشف من كان مع سفيان و نزل غلام له يقال له غزوان عن برذونه و قال لسفيان اركب يا مولاي فركب سفيان و أحاط به أصحاب شبيب(5/191)


فقاتل دونه غزوان حتى قتل و كان معه رايته و أقبل سفيان منهزما حتى انتهى شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 234إلى بابل مهروذ فنزل بها و كتب إلى الحجاج و كان الحجاج أمر سورة بن أبجر أن يلحق بسفيان فكاتسورة سفيان و قال له انتظرني فلم يفعل و عجل نحو الخوارج فلما عرف الحجاج خبر سفيان و قرأ كتابه قال للناس من صنع كما صنع هذا و أبلى كما أبلى فقد أحسن ثم كتب إليه يعذره و يقول إذا خف عليك الوجع فأقبل مأجورا إلى أهلك و كتب إلى سورة بن أبجر. أما بعد يا ابن أم سورة فما كنت خليقا أن تجترئ على ترك عهدي و خذلان جندي فإذا أتاك كتابي فابعث رجلا ممن معك صليبا إلى المدائن فلينتخب من جندها خمسمائة رجل ثم ليقدم بهم عليك ثم سر بهم حتى تلقى هذه المارقة و احزم أمرك و كد عدوك فإن أفضل أمر الحروب حسن المكيدة و السلام. فلما أتى سورة كتاب الحجاج بعث عدي بن عمير إلى المدائن و كان بها ألف فارس فانتخب منهم خمسمائة ثم رحل بهم حتى قدم على سورة ببابل مهروذ(5/192)


شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 235فخرج بهم في طلب شبيب و خرج شبيب يجول في جوخى و سورة في طلبه فجاء شبيب إلى المدائن فتحصن منه أهلها فانتهب المدائن الأولى و أصاب دواب من دواب الجند و قتل من ظهر له و لم يدخل البيوت ثم أتى فقيل له هذا سورة قد أقبل إليك فخرج في حابه حتى انتهى إلى النهروان فنزلوا به و توضئوا و صلوا ثم أتوا مصارع إخوانهم الذين قتلهم علي بن أبي طالب فاستغفروا لهم و تبرءوا من علي و أصحابه و بكوا فأطالوا البكاء ثم عبروا جسر النهروان فنزلوا جانبه الشرقي و جاء سورة حتى نزل بنفطرانا و جاءته عيونه فأخبروه بمنزل شبيب بالنهروان فدعا سورة رءوس أصحابه فقال لهم إن الخوارج قلما يلقون في صحراء أو على ظهر إلا انتصفوا و قد حدثت أنهم لا يزيدون على مائة رجل و قد رأيت أن انتخبكم و أسير في ثلاثمائة رجل منكم من أقويائكم و شجعانكم فأبيتهم فإنهم آيسون من بياتكم و إني و الله أرجو أن يصرعهم الله مصارع إخوانهم في النهروان من قبل فقالوا اصنع ما أحببت. فاستعمل على عسكره حازم بن قدامة و انتخب ثلاثمائة من شجعان أصحابه ثم أقبل بهم حتى قرب من النهروان و بات و قد أذكى الحرس ثم بيتهم فلما دنا أصحاب سورة منهم نذروا بهم فاستووا على خيولهم و تعبوا تعبيتهم فلما انتهى إليهم سورة و أصحابه أصابوهم و قد نذروا فحمل عليهم سورة فصاح شبيب بأصحابه فحمل عليهم شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 236حتى تركوا له العرصة و حمل شبيب و جعل يضرب و يقولمن ينك العير ينك نياكا(5/193)


فرجع سورة مفلولا قد هزم فرسانه و أهل القوة من أصحابه و أقبل نحو المدائن و تبعه شبيب حتى انتهى سورة إلى بيوت المدائن و انتهى شبيب إليهم و قد دخل الناس البيوت و خرج ابن أبي عصيفير و هو أمير المدائن يومئذ في جماعة فلقيهم في شوارع المدائن و رماهم الناس بالنبل و الحجارة من فوق البيوت. ثم سار شبيب إلى تكريت فبينا ذلك الجند بالمدائن إذ أرجف الناس فقالوا هذا شبيب قد أقبل يريد أن يبيت أهل المدائن فارتحل عامة الجند فلحقوا بالكوفة و إن شبيبا بتكريت فلما أتى الحجاج الخبر قال قبح الله سورة ضيع العسكر و خرج يبيت الخوارج و الله لأسوءنه. شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 237ثم دعا الحجاج بالجزل و هو عثمان بن سعيد فقال له تيسر للخروج إلى هذه المارقة فإذا لقيتهم فلا تعجل عجلة الخرق النزق و لا تحجم إحجام الواني الفرق أ فهمت قال نعم أصلح الله الأمير قد فهمت قال فاخرج و عسكر بدير عبد رحمن حتى يخرج الناس إليك فقال أصلح الله الأمير لا تبعث معي أحدا من الجند المهزوم المفلول فإن الرعب قد دخل قلوبهم و قد خشيت ألا ينفعك و المسلمين منهم أحد قال ذلك لك و لا أراك إلا قد أحسنت الرأي و وفقت ثم دعا أصحاب الدواوين فقال اضربوا على الناس البعث و أخرجوا أربعة آلاف من الناس و عجلوا فجمعت العرفاء و جلس أصحاب الدواوين و ضربوا البعث فأخرجوا أربعة آلاف فأمرهم باللحاق بالعسكر ثم نودي فيهم بالرحيل فارتحلوا و نادى منادي الحجاج أن برئت الذمة من رجل أصبناه من بعث الجزل متخلفا. فمضى بهم الجزل و قد قدم بين يديه عياض بن أبي لينة الكندي على مقدمته فخرج حتى أتى المدائن فأقام بها ثلاثا ثم خرج و بعث إليه ابن أبي عصيفير بفرس و برذون و ألفي درهم و وضع للناس من الحطب و العلف ما كفاهم ثلاثة أيام و أصاب الناس ما شاءوا من ذلك. ثم إن الجزل خرج بالناس أثر شبيب فطلبه في أرض جوخى فجعل شبيب يريه الهيبة فيخرج من رستاق إلى رستاق و من طسوج إلى(5/194)


طسوج و لا يقيم له شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 238يريد بذلك أن يفرق الجزل أصحابه و يتعجل إليه فيلقاه في عدد يسير على غير تعبئة فجعل الجزل لا يسير إلا على تعبئة و لا ينزل إلا خندق على نفسه و أصحابفلما طال ذلك على شبيب دعا يوما أصحابه و هم مائة و ستون رجلا هو في أربعين و مصاد أخوه في أربعين و سويد بن سليم في أربعين و المحلل بن وائل في أربعين و قد أتته عيونه فأخبرته أن الجزل بن سعيد قد نزل ببئر سعيد فقال لأخيه و للأمراء الذين ذكرناهم إني أريد أن أبيت الليلة هذا العسكر فأتهم أنت يا مصاد من قبل حلوان و سآتيهم أنا من أمامهم من قبل الكوفة و ائتهم أنت يا سويد من قبل المشرق و ائتهم أنت يا محلل من قبل المغرب و ليلج كل امرئ منكم على الجانب الذي يحمل عليه و لا تقلعوا عنهم حتى يأتيكم أمري. قال فروة بن لقيط و كنت أنا في الأربعين الذين كانوا معه فقال لجماعتنا تيسروا و ليسر كل امرئ منكم مع أميره و لينظر ما يأمره به أميره فليتبعه فلما قضمت دوابنا و ذلك أول ما هدأت العيون خرجنا حتى انتهينا إلى دير الخرارة فإذا القوم عليهم مسلحة ابن أبي لينة فما هو إلا أن رآهم مصاد أخو شبيب حتى حمل عليهم في أربعين رجلا و كان شبيب أراد أن يرتفع عليهم حتى يأتيهم من ورائهم كما أمره.(5/195)

64 / 148
ع
En
A+
A-