شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 210نصل الكر عند ذاك بطعن إن للموت عندنا ألوانقوله ملكة أي تزويجا و نكاحا. قال ثم جال الناس جولة عند حملة حملها عليهم الخوارج فالتفت المهلب فقال للمغيرة ابنه ما فعل الأمين الذي كان معك قال قتل و هرب الثقفي فقال ليزيد ما فعل عبيد بن أبي ربيعة قال لم أره منذ كانت الجولة فقال الأمين الآخر للمغيرة أنت قتلت صاحبي فلما كان العشي رجع الثقفي فقال رجل من بني عامر بن صعصعة
ما زلت يا ثقفي تخطب بيننا و تغمنا بوصية الحجاج حتى إذا ما الموت أقبل زاخرا و سقى لنا صرفا بغير مزاج وليت يا ثقفي غير مناظر تنساب بين أحزة و فجاج ليست مقارعة الكماة لدى الوغى شرب المدامة في إناء زجفقال المهلب للأمين الآخر ينبغي أن تتوجه مع ابني حبيب في ألف رجل حتى تبيتوا عسكرهم فقال ما تريد أيها الأمير إلا أن تقتلني كما فعلت بصاحبي فضحك المهلب و قال ذاك إليك و لم يكن للقوم خنادق فكان كل حذرا من صاحبه غير أن الطعام و العدة مع المهلب و هو في زهاء ثلاثين ألفا فلما أصبح أشرف على واد فإذا هو برجل معه رمح مكسور مخضوب بالدم و هو ينشد
و إني لأعفي ذا الخمار و صنعتي إذا راح أطواء بني الأصاغر(5/176)
شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 211أخادعهم عنه ليغبق دونهم و أعلم غير الظن أني مغاوركأني و أبدان السلاح عشية يمر بنا في بطن فيحان طائفقال له أ تميمي أنت قال نعم قال أ حنظلي قال نعم قال أ يربوعي قال نعم قال أ من آل نويرة قال نعم أنا ولد مالك بن نويرة قال قد عرفتك بالشعر. قال أبو العباس و ذو الخمار فرس مالك بن نويرة. قال فمكثوا أياما يتحاربون و دوابهم مسرجة و لا خنادق لهم حتى ضعف الفريقان فلما كان الليلة التي قتل في صبيحتها عبد ربه جمع أصحابه فقال يا معشر المهاجرين إن قطريا و عبيدة هربا طلبا للبقاء و لا سبيل إلى البقاء فالقوا عدوكم غدا فإن غلبوكم على الحياة فلا يغلبنكم على الموت فتلقوا الرماح بنحوركم و السيوف بوجوهكم و هبوا أنفسكم لله في الدنيا يهبها لكم في الآخرة. فلما أصبحوا غادوا المهلب فاقتتلوا قتالا شديدا أنسى ما كان قبله و قال رجل من الأزد من أصحاب المهلب من يبايعني على الموت فبايعه أربعون رجلا من الأزد فصرع بعضهم و قتل بعضهم و جرح بعضهم. شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 212و قال عبد الله رزام الحارثي للمهلب احملوا فقال المهلب أعرابي مجنون و كان من أهل نجران فحمل وحده فاخترق القوم حتى خرج من ناحية أخرى ثم كر ثانية ففعل فعلته الأولى و تهايج الناس فترجلت الخوارج و عقروا دوابهم فناداهم عمرو القنا و لم يترجل هو و لا أصحابه و هم زهاء أربعمائة فقال موتوا على ظهور دوابكم كراما و لا تعقروها فقالوا إنا إذا كنا على الدواب ذكرنا الفرار فاقتتلوا و نادى المهلب بأصحابه الأرض الأرض و قال لبنيه تفرقوا في الناس ليروا وجوهكم و نادت الخوارج ألا إن العيال لمن غلب فصبر بنو المهلب و قاتل يزيد بين يدي أبيه قتالا شديدا أبلى فيه فقال له أبوه يا بني إني أرى موطنا لا ينجو فيه إلا من صبر و ما مر بي يوم مثل هذا منذ مارست الحروب. و كسرت الخوارج أجفان سيوفها و تجاولوا فأجلت جولتهم عن عبد ربه مقتولا. فهرب عمرو(5/177)
القنا و أصحابه و استأمن قوم و أجلت الحرب عن أربعة آلاف قتيل و جريح من الخوارج و مأسور و أمر المهلب أن يدفع كل جريح إلى عشيرته و ظفر بعسكرهم فحوى ما فيه ثم انصرف إلى جيرفت فقال الحمد لله الذي ردنا إلى الخفض و الدعة فما كان عيشنا ذلك العيش. ثم نظر المهلب إلى قوم في عسكره و لم يعرفهم فقال ما أشد عادة السلاح ناولني درعي فلبسها ثم قال خذوا هؤلاء فلما صيرهم إليه قال ما أنتم قالوا جئنا لنطلب غرتك للفتك بك فأمر بهم فقتلوا
شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 213طرف من أخبار المهلب و بينهو وجه كعب بن معدان الأشقري و مرة بن بليد الأزدي فوردا على الحجاج فلما طلعا عليه تقدم كعب فأنشده
يا حفص إني عداني عنكم السفر(5/178)
فقال الحجاج أ شاعر أم خطيب قال شاعر فأنشده القصيدة فأقبل عليه الحجاج و قال خبرني عن بني المهلب قال المغيرة سيدهم و فارسهم و كفى بيزيد فارسا شجاعا شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 214و جوادهم و سخيهم قبيصة و لا يستحي الشجاع أن يفر من مدرك و عبد الملك سم ناقع و حب موت ذعاف و محمد ليث غاب و كفاك بالفضل نجدة فقال له فكيف خلفت جماعة الناس قال خلفتهم بخير قد أدركوا ما أملوا و أمنوا ما خافوا قال فكيف كان بنو المهلب فيهم قال كانوا حماة السرح فإذا أليلوا ففرسان البيات قال فأيهم كان أنجد قال كانوا كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها قال فكيف كنتم أنتم و عدوكم قال كنا إذا أخذنا عفونا و إذا أخذوا يئسنا منهم و إذا اجتهدنا و اجتهدوا طمعنا فيهم قال الحجاج إن العاقبة للمتقين فكيف أفلتكم قطري قال كدناه و ظن أن قد كادنا بأن صرنا منه إلى التي نحب قال فهلا اتبعتموه قال كان حرب الحاضر آثر عندنا من اتباع الفل قال فكيف كان المهلب لكم و كنتم له قال كان لنا منه شفقة الوالد و له منا بر الولد قال فكيف كان اغتباط الناس به قال نشأ فيهم الأمن و شملهم النفل قال أ كنت أعددت لي هذا الجواب قال لا يعلم الغيب إلا الله قال هكذا و الله تكون الرجال المهلب كان أعلم بذلك حيث بعثك. هذه رواية أبي العباس. و روى أبو الفرج في الأغاني أن كعبا لما أوفده المهلب إلى الحجاج أنشده قصيدته التي أولها شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 21يا حفص إني عداني عنكم السفر و قد سهرت و آذى عيني السهر
يذكر فيها حروب المهلب مع الخوارج و يصف وقائعه فيهم في بلد و هي طويلة و من جملتها(5/179)
كنا نهون قبل اليوم شأنهم حتى تفاقم أمر كان يحتقرلما وهنا و قد حلوا بساحتنا و استنفر الناس تارات فما نفروانادى امرؤ لا خلاف في عشيرته عنه و ليس به عن مثله قصرخبوا كمينهم بالسفح إذ نزلوا بكازرون فما عزوا و لا نصرواباتت كتائبنا تردي مسمومة حول المهلب حتى نور القمرهناك ولوا خزايا بعد ما هزموا و حال دونهم الأنهار و الجدرتأبى علينا حزازات النفوس فما نبقي عليهم و لا يبقون إن قدروا
فضحك الحجاج و قال إنك لمنصف يا كعب ثم قال له كيف كانت حالكم مع عدوكم قال كنا إذا لقيناهم بعفونا و عفوهم يئسنا منهم و إذا لقيناهم بجدنا وجدهم طمعنا فيهم قال فكيف كان بنو المهلب قال حماة الحريم نهارا و فرسان الليل تيقظا قال فأين السماع من العيان قال السماع دون العيان قال شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 216صفهم لي رجلا رجلا قال المغيرة فارسهم و سيدهم نار ذاكية و صعدة عالية و كفى بيزيد فارسا شجاعا ليث غاب و بحر جم العباب و جوادهم قبيصة ليث المغار و حامي الذمار و لا يستحي الشجاع أن يفر من مدرك و كيف لا يفر من مدرك ويف لا يفر من الموت الحاضر و الأسد الخادر و عبد الملك سم ناقع و سيف قاطع و حبيب الموت الذعاف طود شامخ و بحر باذح و أبو عيينة البطل الهمام و السيف الحسام و كفاك بالمفضل نجدة ليث هدار و بحر مواز و محمد ليث غاب و حسام ضراب قال فأيهم أفضل قال هم كالحلقة المفرغة لا يعرف طرفاها قال فكيف جماعة الناس قال على أحسن حال أرضاهم العدل و أغناهم النفل قال فكيف رضاهم بالمهلب قال أحسن رضا لا يعدمون منه إشفاق الوالد و لا يعدم منهم بر الولد و ذكر تمام الحديث. و قال إن الحجاج أمر له بعشرين ألف درهم و حمله على فرس و أوفده على عبد الملك فأمر له بعشرين ألفا أخرى. قال أبو الفرج و كعب الأشقري من شعراء المهلب و مادحيه و هو شاعر مجيد قال عبد الملك بن مروان للشعراء تشبهونني مرة بالأسد و مرة بالبازي ألا قلتم كما قال كعب الأشقري(5/180)