أنا قد رجعنا كفارا فتب إلى الله فشاور عبيدة في ذلك فقال له إن تبت لم يقبلوا منك فقل إني استفهمت فقلت أ رجعتم بعدي كفارا فقال لهم ذلك فقبلوا منه فرجع إلى منزله
شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 204عبد ربه الصغيرو منهم عبد ربه الصغير أحد موالي قيس بن ثعلبة. لما اختلفت الخوارج على قطري بايعه منهم جمع كثير و كان قطري قد عزم على أن يبايع للمقعطر العبدي و يخلع نفسه فجعله أمير الجيش في الحرب قبل أن يعهد إليه بالخلافة فكرهه القوم و أبوه و قال صالح بن مخراق عنهم و عن نفسه ابغ لنا غير المقعطر فقال لهم قطري إني أرى طول العهد قد غيركم و أنتم بصدد عدو فاتقوا الله و أقبلوا على شأنكم و استعدوا للقاء القوم فقال صالح إن الناس قبلنا قد سألوا عثمان بن عفان أن يعزل سعيد بن العاصي عنهم ففعل و يجب على الإمام أن يعفي الرعية مما كرهت فأبى قطري أن يعزل المقعطر فقال له القوم فإنا قد خلعناك و بايعنا عبد ربه الصغير و كان عبد ربه هذا معلم كتاب و كان عبد ربه الكبير بائع رمان و كلاهما من موالي قيس بن ثعلبة فانفصل إلى عبد ربه الصغير أكثر من شطرهم و جلهم الموالي و العجم و كان منهم هناك ثمانية آلاف و هم القراء ثم ندم صالح بن مخراق و قال لقطري هذه نفخة من نفخات الشيطان فأعفنا من المقعطر و سر بنا إلى عدونا و عدوك فأبى قطري إلا للمقعطر و حمل فتى من الشراة على صالح بن مخراق فطعنه فأنفذه و أوجره الرمح. فنشبت الحرب بينهم فتهايجوا ثم انحاز كل قوم إلى صاحبهم فلما كان الغد اجتمعوا فاقتتلوا فأجلت الحرب عن ألفي قتيل فلما كان الغد عاودوا الحرب فلم ينتصف النهار حتى أخرجت العجم العرب عن المدينة فأقام عبد ربه بها و صار قطري خارجا من شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 205مدينة جيرفت بإزائهم فقال له عبيدة بن هلال يا أمير اؤمنين إن أقمت لم آمن هذه العبيد عليك إلا أن تخندق على نفسك فخندق على باب المدينة و جعل يناوشهم و ارتحل المهلب و كان(5/171)


منهم على ليلة و رسول الحجاج معه يستحثه فقال له أصلح الله الأمير عاجلهم قبل أن يصطلحوا فقال المهلب إنهم لن يصطلحوا و لكن دعهم فإنهم سيصيرون إلى حال لا يفلحون معها ثم دس رجلا من أصحابه فقال ائت عسكر قطري فقل إني لم أزل أرى قطريا يصيب الرأي حتى نزل منزله هذا فظهر خطؤه أ يقيم بين المهلب و عبد ربه يغاديه القتال هذا و يراوحه هذا فنمي الكلام إلى قطري فقال صدق تنحوا بنا عن هذا الموضع فإن اتبعنا المهلب قاتلناه و إن أقام على عبد ربه رأيتم فيه ما تحبون. فقال له الصلت بن مرة يا أمير المؤمنين إن كنت إنما تريد الله فأقدم على القوم و إن كنت إنما تريد الدنيا فأعلم أصحابك حتى يستأمنوا ثم قال(5/172)


قل للمحلين قد قرت عيونكم بفرقة القوم و البغضاء و الهرب كنا أناسا على دين فغيرنا طول الجدال و خلط الجد باللعب ما كان أغنى رجالا قل جيشهم عن الجدال و أغناهم عن الخطب إني لأهونكم في الأرض مضطربا ما لي سوى فرسي و الرمح من نثم قال أصبح المهلب يرجو منا ما كنا نطمع منه فيه. و ارتحل قطري و بلغ ذلك المهلب فقال لهزيم بن أبي طحمة المجاشعي إني لا آمن أن يكون كاذبا بترك موضعه اذهب فتعرف الخبر فمضى الهزيم في اثني عشر فارسا فلم ير في المعسكر إلا عبدا و علجا مريضين فسألهما عن قطري و أصحابه فقالا شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 206مضوا يرتادون غير هذا المنزل فرجع هزيم إلى المهلب فأخبره فارتحل حتى نزل خندق قطري فجعل يقاتل عبد ربه أحيانا بالغداة و أحيانا بالعشي فقال رجل من سدوس يقال له المعتق و كان فارساليت الحرائر بالعراق شهدننا و رأيننا بالسفح ذي الأجبال فنكحن أهل الجد من فرساننا و الضاربين جماجم الأبطالو وجه المهلب يزيد ابنه إلى الحجاج يخبره بأنه قد نزل منزل قطري و أنه مقيم على عبد ربه و يسأله أن يوجه في أثر قطري رجلا جلدا فسر بذلك الحجاج سرورا أظهره ثم كتب إلى المهلب يستحثه لمناجزة القوم مع عبيد بن موهب. أما بعد فإنك تتراخى عن الحرب حتى تأتيك رسلي فيرجعون بعذرك و ذلك أنك تمسك حتى تبرأ الجراح و تنسى القتلى و تحمل الكال ثم تلقاهم فتحمل منهم ثقل ما يحتملون منك من وحشة القتل و ألم الجراح و لو كنت تلقاهم بذلك الجد لكان الداء قد حسم و القرن قد قصم و لعمري ما أنت و القوم سواء لأن من ورائك رجالا و أمامك أموالا و ليس للقوم إلا ما نعهد و لا يدرك الوجيف بالدبيب و لا الظفر بالتعذير. فلما ورد عليه الكتاب قال لأصحابه يا قوم إن الله قد أراحكم من أمور أربعة قطري بن الفجاءة و صالح بن مخراق و عبيدة بن هلال و سعد بن الطلائع و إنما بين أيديكم عبد ربه الصغير في خشار من خشار الشيطان تقتلونهم إن شاء الله تعالى.(5/173)


شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 207فكانوا يتغادون القتال و يتراوحون فتصيبهم الجراح ثم يتحاجزون فكأنما انصرفوا عن مجلس كانوا يتحدثون فيه يضحك بعضهم إلى بعض فقال عبيد بن موهب للمهلب قد بان عذرك فاكتب فإني مخبر الأمير. فكتب إلى حجاج أما بعد فإني لم أعط رسلك على قول الحق أجرا و لم أحتج منهم عن المشاهدة إلى تلقين ذكرت إني أجم القوم و لا بد من وقت راحة يستريح فيه الغالب و يحتال فيه المغلوب و ذكرت أن في الجمام ما ينسي القتلى و تبرأ منه الجراح هيهات أن ينسى ما بيننا و بينهم تأبى ذلك قتلى لم تجن و قروح لم تتقرب و نحن و القوم على حالة و هم يرقبون منا حالات إن طمعوا حاربوا و إن ملوا وقفوا و إن يئسوا انصرفوا و علينا أن نقاتلهم إذا قاتلوا و نتحرز إذا وقفوا و نطلب إذا هربوا فإن تركتني و الرأي كان القرن مقصوما و الداء بإذن الله محسوما و إن أعجلتني لم أطعك و لم أعصك و جعلت وجهي إلى بابك و أعوذ بالله من سخط الله و مقت الناس. قال و لما اشتد الحصار على عبد ربه قال لأصحابه لا تفتقروا إلى من ذهب عنكم من الرجال فإن المسلم لا يفتقر مع الإسلام إلى غيره و المسلم إذا صح توحيده عز بربه و قد أراحكم الله من غلظة قطري و عجلة صالح بن مخراق و نخوته و اختلاط عبيدة بن هلال و وكلكم إلى بصائركم فالقوا عدوكم بصبر و نية و انتقلوا عن منزلكم هذا فمن قتل منكم قتل شهيدا و من سلم من القتل فهو المحروم. شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 208قال و ورد في ذلك الوقت على المهلب عبيد بأبي ربيعة بن أبي الصلت الثقفي من عند الحجاج يستحثه بالقتال و معه أمينان فقال للمهلب خالفت وصية الأمير و آثرت المدافعة و المطاولة فقال له المهلب و الله ما تركت جهدا. فلما كان العشي خرجت الأزارقة و قد حملوا حريمهم و أموالهم و خف متاعهم لينتقلوا فقال المهلب لأصحابه الزموا مصافكم و أشرعوا رماحكم و دعوهم و الذهاب فقال له عبيدة بن أبي ربيعة هذا لعمري أيسر عليك(5/174)


فغضب و قال للناس ردوهم عن وجههم و قال لبنيه تفرقوا في الناس و قال لعبيدة بن أبي ربيعة كن مع يزيد فخذه بالمحاربة أشد الأخذ و قال لأحد الأمينين كن مع المغيرة و لا ترخص له في الفتور. فاقتتلوا قتالا شديدا حتى عقرت الخيل و صرع الفرسان و قتلت الرجالة و جعلت الخوارج تقاتل عن القدح يؤخذ منها و السوط و العلف و الحشيش أشد قتال. و سقط رمح لرجل من مراد من الخوارج فقاتلوا عليه حتى كثر الجراح و القتل و ذلك مع المغرب و المرادي يرتجز و يقول
الليل ليل فيه ويل ويل قد سال بالقوم الشراة السيل إن جاز للأعداء فينا قول شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 209فلما عظم الخطب في ذلك الرمح بعث المهلب إلى المغيرة خل لهم عن الرمح عليهم لعنة الله فخلوا لهم عنه و مضت الخوارج فنزلت على أربعة فراسخ من جيرفت فدخلها المهلب و أمر بجمع ما كان لهم من متاع و ما خلفوه من دقيق و جثم عليه و هو و اقفي و الأمينان ثم اتبعهم فوجدهم قد نزلوا على ماء و عين لا يشرب منها أحد إلا قوي يأتي الرجل بالدلو قد شدها في طرف رمحه فيستقي بها و هناك قرية فيها أهلها فغاداهم القتال و ضم الثقفي إلى ابنه يزيد و أحد الأمينين إلى المغيرة فاقتتل القوم إلى نصف النهار. و قال المهلب لأبي علقمة العبدي و كان شجاعا و كان عاتيا هازلا أمددنا يا أبا علقمة بخيل اليحمد و قل لهم فليعيرونا جماجمهم ساعة فقال أيها الأمير إن جماجمهم ليست بفخار فتعار و لا أعناقهم كرادي فتنبت. و قال لحبيب بن أوس كر على القوم فلم يفعل و قال
يقول لي الأمير بغير علم تقدم حين جد به المراس فما لي إن أطعتك من حياة و ما لي غير هذا الرأس رأسو قال لمعن بن المغيرة بن أبي صفرة احمل فقال لا إلا أن تزوجني ابنتك أم مالك فقال قد زوجتك فحمل على الخوارج فكشفهم و طعن فيهم و قال
ليت من يشتري الحياة بمال ملكة كان عندنا فيرانا(5/175)

60 / 148
ع
En
A+
A-