شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 191فقال بلى قد سمعت و لكن قولي أحب إلي منهو لما وقفتم غدوة و عدوكم إلى مهجتي وليت أعداءكم ظهري و طرت و لم أحفل ملامة جاهل يساقي المنايا بالردينية السمرفقال المهلب بئس حشو الكتيبة أنت و الله يا أبا حرملة إن شئت أذنت لك فانصرفت إلى أهلك قال بل أقيم معك أيها الأمير فوهب له المهلب و أعطاه فقال يمدحه
يرى حتما عليه أبو سعيد جلاد القوم في أولى النفيرإذا نادى الشراة أبا سعيد مشى في رفل محكمة القتير(5/161)
قال و كان المهلب يقول ما يسرني أن في عسكري ألف شجاع مكان بيهس بن صهيب فيقال له أيها الأمير بيهس ليس بشجاع فيقول أجل و لكنه سديد الرأي محكم العقل و ذو الرأي حذر سئول فأنا آمن أن يغتفل و لو كان مكانه ألف شجاع لخلت أنهم ينشامون حيث يحتاج إليهم. قال و مطرت السماء مطرا شديدا و هم بسابور و بين المهلب و بين الشراة عقبة فقال المهلب من يكفينا أمر هذه العقبة الليلة فلم يقم أحد فلبس المهلب سلاحه و قام إلى العقبة و اتبعه ابنه المغيرة فقال رجل من أصحابه دعانا الأمير إلى ضبط العقبة و الحظ شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 192فذلك لنا فلم نطعه و لبس سلاحه و اتبعه جماعة من العسكر فصاروا إليه فإذا المهلب و المغيرة و لا ثالث لهما فقالوا انصرف أيها الأمير فنحن نكفيك إن شاء الله فلما أصبحوا إذا هم بالشراة على العقبة فخرج إليهم غلام من أهل عمان على فرس فجعل يحمل و فرسه تزلق و يلقاه مدرك في جماعة معه حتى ردوهم عن العقبة فلما كان يوم النحر و المهلب على المنبر يخطب الناس إذ الشراة قد أكبوا فقال المهلب سبحان الله أ في مثل هذا اليوم يا مغيرة اكفنيهم فخرج إليهم المغيرة و أمامه سعد بن نجد القردوسي و كان سعد مقدما في شجاعته و كان الحجاج إذا ظن برجل أن نفسه قد أعجبته قال له لو كنت سعد بن نجد القردوسي ما عدا فخرج أمام المغيرة و مع المغيرة جماعة من فرسان المهلب فالتقوا و أمام الخوارج غلام جامع السلاح مديد القامة كريه الوجه شديد الحملة صحيح الفروسية فأقبل يحمل على الناس و يرتجز فيقول
نحن صبحناكم غداة النحر بالخيل أمثال الوشيج تجري(5/162)
فخرج إليه سعد بن نجد القردوسي من الأزد فتجاولا ساعة ثم طعنه سعد فقتله و التقى الناس فصرع المغيرة يومئذ فحامى عليه سعد بن نجد و دينار السجستاني و جماعة من الفرسان حتى ركب و انكشف الناس عند سقطة المغيرة حتى صاروا إلى المهلب فقالوا قتل المغيرة فأتاه دينار السجستاني فأخبره بسلامته فأعتق كل مملوك كان بحضرته. شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 193قال و وجه الحجاج الجراح بن عبد الله إلى المهلب يستبطئه في مناجزة القوم و كتب إليه أما بعد فإنك جبيت الخراج بالعلل و تحصنت بالخنادق و طاولت القوم و أنت أعز ناصرا و أكثر عددا و مأظن بك مع هذا معصية و لا جبنا و لكنك اتخذتهم أكلا و كان بقاؤهم أيسر عليك من قتالهم فناجزهم و إلا أنكرتني و السلام. فقال المهلب للجراح يا أبا عقبة و الله ما تركت حيلة إلا احتلتها و لا مكيدة إلا أعملتها و ما العجب من إبطاء النصرة و تراخي الظفر و لكن العجب أن يكون الرأي لمن يملكه دون من يبصره. ثم ناهضهم ثلاثة أيام يغاديهم القتال فلا يزالون كذلك إلى العصر و ينصرف أصحابه و بهم قرح و بالخوارج قرح و قتل فقال له الجراح قد أعذرت. فكتب المهلب إلى الحجاج أتاني كتابك تستبطئني في لقاء القوم على أنك لا تظن بي معصية و لا جبنا و قد عاتبتني معاتبة الجبان و أوعدتني وعيد العاصي فسل الجراح و السلام. فقال الحجاج للجراح كيف رأيت أخاك قال و الله أيها الأمير ما رأيت مثله قط و لا ظننت أن أحدا يبقى على مثل ما هو عليه و لقد شهدت أصحابه أياما ثلاثة يغدون إلى الحرب ثم ينصرفون عنها و هم يتطاعنون بالرماح و يتجالدون بالسيوف شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 194و يتخابطون بالعمد ثم يروحون كأن لم يصنعوا شيئا رواح قوم تلك عادتهم و تجارتهم. فقال الحجاج لشد ما مدحته أبا عقبة فقال الحق أولى. و كانت ركب الناس قديما من الخشب فكان الرجل يضرب ركابه فينقطع ذا أراد الضرب أو الطعن لم يكن له معتمد فأمر المهلب بضرب الركب من(5/163)
الحديد فهو أول من أمر بطبعها و في ذلك يقول عمران بن عصام العنزي
ضربوا الدراهم في إمارتهم و ضربت للحدثان و الحرب حلقا ترى منها مرافقهم كمناكب الجمالة الجربقال و كتب الحجاج إلى عتاب بن ورقاء الرياحي من بني رياح بن يربوع و هو والي أصفهان يأمره بالمسير إلى المهلب و أن يضم إليه جند عبد الرحمن بن مخنف فكل بلد يدخلانه من فتوح أهل البصرة فالمهلب أمير الجماعة فيه و أنت على أهل الكوفة فإذا دخلتم بلدا فتحه أهل الكوفة فأنت أمير الجماعة و المهلب على أهل البصرة. فقدم عتاب في إحدى جماديين من سنة ست و سبعين على المهلب و هو بسابور و هي من فتوح أهل البصرة فكان المهلب أمير الناس و عتاب على أصحاب ابن مخنف و الخوارج بأيديهم كرمان و هم بإزاء المهلب بفارس يحاربونه من جميع النواحي. شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 195قال و وجه الحجاج إلى المهلب رجلين يستحثانه لمناجزة القوم أحدهما يقال له زياد بن عبد الرحمن من بني عامر بن صعصعة و الآخر من آل أبي عقيل من رهط الحجاج فضم المهلب زيادا إلى ابنه حبيب و ضم الثقفي إلى ابنه يزيد و قال لهما خذا يزيو حبيبا بالمناجزة و غادوا الخوارج فاقتتلوا أشد قتال فقتل زياد بن عبد الرحمن العامري و فقد الثقفي ثم باكروهم في اليوم الثاني و قد وجد الثقفي فدعا به المهلب و دعا بالغداء فجعل النبل يقع قريبا منهم و يتجاوزهم و الثقفي يعجب من أمر المهلب فقال الصلتان العبدي(5/164)
ألا يا أصبحاني قبل عوق العوائق و قبل اختراط القوم مثل العقائق غداة حبيب في الحديد يقودنا يخوض المنايا في ظلال الخوافق حرون إذا ما الحرب طار شرارها و هاج عجاج النقع فوق المفارق فمن مبلغ الحجاج أن أمينه زيادا أطاحته رماح الأزافلم يزل عتاب بن ورقاء مع المهلب ثمانية أشهر حتى ظهر شبيب بن يزيد فكتب الحجاج إلى عتاب يأمره بالمصير إليه ليوجهه إلى شبيب و كتب إلى المهلب يأمره أن يرزق الجند فرزق أهل البصرة و أبى أن يرزق أهل الكوفة فقال له عتاب ما أنا ببارح حتى ترزق أهل الكوفة فأبى فجرت بينهما غلظة فقال له عتاب قد كان يبلغني أنك شجاع فرأيتك جبانا و كان يبلغني أنك جواد فرأيتك بخيلا فقال له المهلب يا ابن اللخناء فقال له عتاب لكنك معم مخول. شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 196فغضبت بكر بن وائل للمهلب للحلف و وثب نعيم بن هبيرة ابن أخي مصقلة بن هبيرعلى عتاب فشتمه و قد كان المهلب كارها للحلف فلما رأى نصرة بكر بن وائل له سره و اغتبط به فلم يزل يؤكده و غضبت تميم البصرة لعتاب و غضبت أزد الكوفة للمهلب فلما رأى ذلك المغيرة مشى بين أبيه و بين عتاب و قال لعتاب يا أبا ورقاء إن الأمير يصير إلى كل ما تحب و سأل أباه أن يرزق أهل الكوفة ففعل فصلح الأمر فكانت تميم قاطبة و عتاب بن ورقاء يحمدون المغيرة بن المهلب و كان عتاب يقول إني لأعرف فضله على أبيه. و قال رجل من الأزد من بني أياد بن سود
ألا أبلغ أبا ورقاء عنا فلو لا أننا كنا غضاباعلى الشيخ المهلب إذ جفانا للاقت خيلكم منا ضرابا(5/165)