عمر بن عبيد الله بفارس فقد تنحى عمر و إن نحيت المهلب لم تأمن على البصرة فأبى إلا عزله فقدم المهلب البصرة و خرج خالد إلى الأهواز فاستصحبه فلما صار بكربج دينار لقيه قطري فمنعه حط أثقاله و حاربه ثلاثين يوما. ثم أقام قطري بإزائه و خندق على نفسه فقال المهلب لخالد إن قطريا ليس شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 172بأحق بالخندق منك فعبر دجيلا إلى شق نهر تيرى و اتبعه قطري فصار إلى مدينة نهر تيرى فبنى سورها و خندق عليها فقال المهلب لخالد خندق على نفسك فإني لا آمن البيات فقال يابا سعيد الأمر أعجل من ذاك فقال المهلب لبعض ولده إني أرى أمرا ضائعا ثم قال لزياد بن عمرو خندق علينا فخندق المهلب على نفسه و أمر بسفنه ففرغت و أبى خالد أن يفرغ سفنه فقال المهلب لفيروز حصين صر معنا فقال يا أبا سعيد إن الحزم ما تقول غير إني أكره أن أفارق أصحابي قال فكن بقربنا قال أما هذه فنعم. و قد كان عبد الملك كتب إلى بشر بن مروان يأمره أن يمد خالدا بجيش كثيف أميره عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ففعل فقدم عليه عبد الرحمن فأقام قطري يغاديهم القتال و يراوحهم أربعين يوما فقال المهلب لمولى أبي عيينة سر إلى ذلك الناوس فبت عليه كل ليلة فمتى أحسست خبرا للخوارج أو حركة أو صهيل خيل فأعجل إلينا. فجاءه ليلة فقال قد تحرك القوم فجلس المهلب بباب الخندق و أعد قطري سفنا فيها حطب و أشعلها نارا و أرسلها على سفن خالد و خرج في أدبارها حتى خالطهم لا يمر برجل إلا قتله و لا بدابة إلا عقرها و لا بفسطاط إلا هتكه فأمر المهلب يزيد ابنه فخرج في مائة فارس فقاتل و أبلي عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث يومئذ بلاء حسنا و خرج فيروز حصين في مواليه فلم يزل يرميهم بالنشاب هو و من معه فأثر أثرا جميلا و صرع يزيد بن المهلب يومئذ و صرع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فحامى عنهما أصحابهما حتى ركبا و سقط فيروز حصين في شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 173الخندق فأخذ بيده رجل من(5/146)


الأزد فاستنقذه فوهب له فيروز عشرة آلاف و أصبح عسكر خالد كأنه حرة سوداء فجعل لا يرى إلا قتيلا أو جريحا فقال للمهلب يا أبا سعيد كدنا نفتضح فقال دق على نفسك فإن لم تفعل عادوا إليك فقال اكفني أمر الخندق فجمع له الأحماس فلم يبق شريف إلا عمل فيه فصاح بهم الخوارج و الله لو لا هذا الساحر المزوني لكان الله قد دمر عليكم و كانت الخوارج تسمى المهلب الساحر لأنهم كانوا يدبرون الأمر فيجدون المهلب قد سبق إلى نقض تدبيرهم. و قال أعشى همدان لابن الأشعث يذكره بلاء القحطانية عنده في كلمة طويلة
و يوم أهوازك لا تنسه ليس الثنا و الذكر بالبائد(5/147)


ثم مضى قطري إلى كرمان و انصرف خالد إلى البصرة و أقام قطري بكرمان شهرا ثم عمد لفارس فخرج خالد إلى الأهواز و ندب الناس للرحيل فجعلوا يطلبون المهلب فقال خالد ذهب المهلب بحظ هذا المصر إني قد وليت أخي قتال الأزارقة. فولى أخاه عبد العزيز و استخلف المهلب على الأهواز في ثلاثمائة و مضى عبد العزيز و الخوارج بدرابجرد و هو في ثلاثين ألفا فجعل عبد العزيز يقول في طريقه يزعم أهل البصرة أن هذا الأمر لا يتم إلا بالمهلب سيعلمون. قال صقعب بن يزيد فلما خرج عبد العزيز عن الأهواز جاءني كردوس شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 174حاجب اهلب فدعاني فجئت إلى المهلب و هو في سطح و عليه ثياب هروية فقال يا صقعب أنا ضائع كأني أنظر إلى هزيمة عبد العزيز و أخشى أن توافيني الأزارقة و لا جند معي فابعث رجلا من قبلك يأتيني بخبرهم سابقا إلي به فوجهت رجلا من قبلي يقال له عمران بن فلان و قلت له اصحب عسكر عبد العزيز و اكتب إلي بخبر يوم فيوم فجعلت أورده على المهلب فلما قاربهم عبد العزيز وقف وقفة فقال له الناس هذا منزل فينبغي أن تنزل فيه أيها الأمير حتى نطمئن ثم نأخذ أهبتنا فقال كلا الأمر قريب فنزل الناس عن غير أمره فلم يستتم النزول حتى ورد عليه سعد الطلائع في خمسمائة فارس كأنهم خيط ممدود فناهضهم عبد العزيز فواقفوه ساعة ثم انهزموا عنه مكيدة و اتبعهم فقال له الناس لا تتبعهم فإنا على غير تعبية فأبى فلم يزل في آثارهم حتى اقتحموا عقبة فاقتحمها وراءهم و الناس ينهونه و يأبى و كان قد جعل على بني تميم عبس بن طلق الصريمي الملقب عبس الطعان و على بكر بن وائل مقاتل بن مسمع و على شرطته رجلا من بني ضبيعة بن ربيعة بن نزار فنزلوا عن العقبة و نزل خلفهم و كان لهم في بطن العقبة كمين فلما صاروا من ورائها خرج عليهم الكمين و عطف سعد الطلائع فترجل عبس بن طلق فقتل و قتل مقاتل بن مسمع و قتل الضبيعي صاحب شرطة عبد العزيز و انحاز عبد العزيز و اتبعهم(5/148)


الخوارج فرسخين يقتلونهم كيف شاءوا و كان عبد العزيز قد أخرج معه أم حفص بنت المنذر بن الجارود امرأته فسبوا النساء يومئذ و أخذوا أسارى لا تحصى فقذفوهم في غار بعد أن شدوهم وثاقا ثم سدوا عليهم بابه حتى ماتوا فيه. و قال بعض من حضر ذلك اليوم رأيت عبد العزيز و إن ثلاثين رجلا ليضربونه شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 175بسيوفهم فما تحيك في جنبه و نودي على السبي يومئذ فغولي بأم حفص فبلغ بها رجل سبعين ألفا و كان ذلك الرجل من مجوس كانوا أسلموا و لحقوا بالخوارج فضوا لكل رجل منهم خمسمائة فكاد ذلك الرجل يأخذ أم حفص فشق ذلك على قطري و قال ما ينبغي لرجل مسلم أن يكون عنده سبعون ألفا إن هذه لفتنة فوثب عليها أبو الحديد العبدي فقتلها فأتي به قطري فقال مهيم يا أبا الحديد فقال يا أمير المؤمنين رأيت المؤمنين تزايدوا في هذه المشركة فخشيت عليهم الفتنة فقال قطري أحسنت فقال رجل من الخوارج
كفانا فتنة عظمت و جلت بحمد الله سيف أبي الحديدإهاب المسلمون بها و قالوا على فرط الهوى هل من مزيدفزاد أبو الحديد بنصل سيف رقيق الحد فعل فتى رشيد
و كان العلاء بن مطرف السعدي ابن عم عمرو القنا و كان يحب أن يلقاه في صدر مبارزة فلحقه عمرو القنا يومئذ و هو منهزم فضحك منه و قال متمثلا
تمناني ليلقاني لقيط أعام لك ابن صعصعة بن سعد(5/149)


ثم صاح به أنج يا أبا المصدي و كان العلاء بن مطرف قد حمل معه امرأتين شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 176إحداهما من بني ضبة يقال لها أم جميل و الأخرى بنت عمه يقال لها فلانة بنت عقيل فطلق الضبية و حملها أولا و تخلص بابنة عمه فقال في ذلكأ لست كريما إذ أقول لفتيتي قفوا فاحملوها قبل بنت عقيل و لو لم يكن عودي نضارا لأصبحت تجر على المتنين أم جميلقال الصقعب بن يزيد و بعثني المهلب لآتيه بالخبر فصرت إلى قنطرة أربك على فرس اشتريته بثلاثة آلاف درهم فلم أحس خبرا فسرت مهجرا إلى أن أمسيت فلما أمسينا و أظلمنا سمعت كلام رجل عرفته من الجهاضم فقلت ما وراءك قال الشر قلت فأين عبد العزيز قال أمامك فلما كان آخر الليل إذا أنا بزهاء خمسين فارسا معهم لواء فقلت لواء من هذا قالوا لواء عبد العزيز فتقدمت إليه فسلمت عليه و قلت أصلح الله الأمير لا يكبرن عليك ما كان فإنك كنت في شر جند و أخبثه قال لي أ و كنت معنا قلت لا و لكن كأني شاهد أمرك ثم أقبلت إلى المهلب و تركته فقال لي ما وراءك قلت ما يسرك هزم الرجل و فل جيشه فقال ويحك و ما يسرني من هزيمة رجل من قريش و فل جيش من المسلمين قلت قد كان ذلك ساءك أو سرك فوجه رجلا إلى خالد يخبره بسلامة أخيه قال الرجل فلما خبرت خالدا قال كذبت و لؤمت و دخل رجل من قريش فكذبني فقال لي خالد و الله لقد هممت أن أضرب عنقك فقلت أصلح الله الأمير إن كنت كاذبا فاقتلني و إن كنت صادقا فأعطني مطرف هذا المتكلم فقال خالد لبئس ما أخطرت به دمك فما برحت حتى دخل عليه بعض الفل و قدم عبد العزيز سوق الأهواز فأكرمه المهلب و كساه و قدم معه على خالد و استخلف المهلب ابنه حبيبا و قال له شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 177تجسس الأخبار فإن أحسست بخيل الأزارقة قريبا منك فانصرف إلى البصرة على نهر تيرى فلما أحس حبيب بهم دخل البصرة و أعلم خالدا بدخوله فغضب و خاف حبيب منه فاستتر في بني عامر بن صعصعة و تزوج هناك في(5/150)

55 / 148
ع
En
A+
A-