و أخذ الخوارج حاجتهم و كان شأن القباع التحصن منهم ثم انصرفوا و رجع إلى الكوفة و ساروا من فورهم إلى أصبهان فبعث عتاب بن ورقاء الرياحي إلى الزبير بن علي أنا ابن عمك و لست أراك تقصد في انصرافك من كل حرب غيري فبعث إليه الزبير إن أدنى الفاسقين و أبعدهم في الحق سواء. فأقام الخوارج يغادون عتاب بن ورقاء القتال و يراوحونه حتى طال عليهم المقام و لم يظفروا بكبير شي ء فلما كثر عليهم ذلك انصرفوا لا يمرون بقرية بين أصبهان و الأهواز إلا استباحوها و قتلوا من فيها و شاور المصعب الناس فيهم فأجمع رأيهم على شرح نهج البلاغة 4 ص : 165المهلب فبلغ الخوارج مشاورتهم فقال لهم قطري إن جاءكم عتاب بن ورقاء فهو فاتك يطلع في أول المقنب و لا يظفر بكثير و إن جاءكم عمر بن عبيد الله ففارس يقدم إما عليه و إما له و إن جاءكم المهلب فرجل لا يناجزكم حتى تناجزوه و يأخذ منكم و لا يعطيكم فهو البلاء الملازم و المكروه الدائم. و عزم مصعب على توجيه المهلب و أن يشخص هو لحرب عبد الملك فلما أحس به الزبير خرج إلى الري و بها يزيد بن الحارث بن رويم فحاربه ثم حصره فلما طال عليه الحصار خرج إليه فكان الظفر للخوارج فقتل يزيد بن الحارث بن رويم و نادى يزيد ابنه حوشبا ففر عنه و عن أمه لطيفة و كان علي بن أبي طالب ع دخل على الحارث بن رويم يعود ابنه يزيد فقال عندي جارية لطيفة الخدمة أبعث بها إليك فسماها يزيد لطيفة فقتلت مع بعلها يزيد يومئذ و قال الشاعر
مواقفنا في كل يوم كريهة أسر و أشفى من مواقف حوشب دعاه أبوه و الرماح شوارع فلم يستجب بل راغ ترواغ ثعلب و لو كان شهم النفس أو ذا حفيظة رأى ما رأى في الموت عيسى بن مصعو قال آخر
نجا حليلته و أسلم شيخه نصب الأسنة حوشب بن يزيد(5/141)
شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 166قال ثم انحط الزبير على أصفهان فحصر بها عتاب بن ورقاء سبعة أشهر و عتاب يحاربه في بعضهن فلما طال به الحصار قال لأصحابه ما تنتظرون و الله ما تؤتون من قلة و إنكم لفرسان عشائركم و لقد حاربتموهم مرارا فانتصفتم منهم و ما بقي مع هذالحصار إلا أن تفنى ذخائركم فيموت أحدكم فيدفنه أخوه ثم يموت أخوه فلا يجد من يدفنه فقاتلوا القوم و بكم قوة من قبل أن يضعف أحدكم عن أن يمشي إلى قرنه. فلما أصبح صلى بهم الصبح ثم خرج إلى الخوارج و هم غارون و قد نصب لواء لجارية له يقال لها ياسمين فقال من أراد البقاء فليلحق بلواء ياسمين و من أراد الجهاد فليخرج معي فخرج في ألفين و سبعمائة فارس فلم يشعر بهم الخوارج حتى غشوهم فقاتلوهم بجد لم تر الخوارج منهم مثله فعقروا منهم خلقا كثيرا و قتل الزبير بن علي و انهزمت الخوارج فلم يتبعهم عتاب ففي ذلك يقول القائل
و يوم بجي تلافيته و لو لاك لاصطلم العسكر
و قال آخر
خرجت من المدينة مستميتا و لم أك في كتيبة ياسمينا
شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 167أ ليس من الفضائل أن قومي غدوا مستلئمين مجاهدينقال و تزعم الرواة أنهم في أيام حصارهم كانوا يتواقفون و يحمل بعضهم على بعض و ربما كانت مواقفة بغير حرب و ربما اشتدت الحرب بينهم و كان رجل من أصحاب عتاب يقال له شريح و يكنى أبا هريرة إذا تحاجز القوم مع المساء نادى بالخوارج و الزبير بن علي
يا ابن أبي الماحوز و الأشرار كيف ترون يا كلاب النارشد أبي هريرة الهرار يهركم بالليل و النهارأ لم تروا جيا على المضمار تمسي من الرحمن في جوار
فغاظهم ذلك فكمن له عبيدة بن هلال فضربه بالسيف و احتمله أصحابه و ظنت الخوارج أنه قد قتل فكانوا إذا تواقفوا نادوهم ما فعل الهرار فيقولون ما به من بأس حتى أبل من علته فخرج إليهم فقال يا أعداء الله أ ترون بي بأسا فصاحوا به قد كنا نرى أنك قد لحقت بأمك الهاوية إلى النار الحامية(5/142)
قطري بن الفجاءة المازني
و منهم قطري بن الفجاءة المازني قال أبو العباس لما قتل الزبير بن علي أدارت الخوارج أمرها فأرادوا تولية عبيدة بن هلال فقال أدلكم على من هو خير لكم مني من يطاعن في قبل و يحمي في دبر عليكم شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 168بقطري بن الفجاءة المازني فبايعوه و قالواا أمير المؤمنين امض بنا إلى فارس فقال إن بفارس عمر بن عبيد الله بن معمر و لكن نسير إلى الأهواز فإن خرج مصعب من البصرة دخلناها فأتوا الأهواز ثم ترفعوا عنها على إيذج و كان المصعب قد عزم على الخروج إلى باجميرا و قال لأصحابه إن قطريا لمطل علينا و إن خرجنا عن البصرة دخلها فبعث إلى المهلب فقال اكفنا هذا العدو فخرج إليهم المهلب فلما أحس به قطري يمم نحو كرمان و أقام المهلب بالأهواز ثم كر عليه قطري و قد استعد و كانت الخوارج في حالاتهم أحسن عدة ممن يقاتلهم بكثرة السلاح و كثرة الدواب و حصانة الجنن فحاربهم المهلب فدفعهم فصاروا إلى رامهرمز و كان الحارث بن عميرة الهمداني قد صار إلى المهلب مراغما لعتاب بن ورقاء و يقال إنه لم يرضه عن قتله الزبير بن علي و كان الحارث بن عميرة هو الذي قتله و خاض إليه أصحابه ففي ذلك يقول أعشى همدان(5/143)
إن المكارم أكملت أسبابها لابن الليوث الغر من همدان للفارس الحامي الحقيقة معلما زاد الرفاق و فارس الفرسان شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 169الحارث بن عميرة الليث الذي يحمي العراق إلى قرى نجران ود الأزراق لو يصاب بطعنة و يموت من فرسانهم مائتقال أبو العباس و خرج مصعب إلى باجميرا ثم أتى الخوارج خبر مقتله بمسكن و لم يأت المهلب و أصحابه فتواقفوا يوما برامهرمز على الخندق فناداهم الخوارج ما تقولون في مصعب قالوا إمام هدى قالوا فما تقولون في عبد الملك قالوا ضال مضل فلما كان بعد يومين أتى المهلب قتل المصعب و إن أهل العراق قد اجتمعوا على عبد الملك و ورد عليه كتاب عبد الملك بولايته فلما تواقفوا ناداهم الخوارج ما تقولون في المصعب قالوا لا نخبركم قالوا فما تقولون في عبد الملك قالوا إمام هدى قالوا يا أعداء الله بالأمس ضال مضل و اليوم إمام هدى يا عبيد الدنيا عليكم لعنة الله. و روى أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني الكبير قال كان الشراة و المسلمون في حرب المهلب و قطري يتواقفون و يتساءلون بينهم عن أمر الدين و غير ذلك على أمان و سكون لا يهيج بعضهم بعضا فتواقف يوما عبيدة بن هلال اليشكري و أبو حزابة التميمي فقال عبيدة يا أبا حزابة إني أسألك عن أشياء أ فتصدقني عنها في الجواب قال نعم إن ضمنت لي مثل ذلك قال قد فعلت قال فسل عما بدا لك قال ما تقولون في أئمتكم قال يبيحون الدم الحرام قال ويحك فكيف فعلهم في المال قال يحبونه من غير حله و ينفقونه في غير وجهه قال فكيف فعلهم في اليتيم قال يظلمونه ماله و يمنعونه حقه و ينيكون أمه قال ويحك يا أبا حزابة أ مثل هؤلاء تتبع قال قد أجبتك فاسمع سؤالي و دع عتابي على رأيي شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 170قال سل قال أي الخمر أطيب خمر السهل أم خمر الجبل قال ويحك أ مثلي يسأل عن هذا قال قد أوج على نفسك أن تجيب قال أما إذ أبيت فإن خمر الجبل أقوى و أسكر و خمر السهل أحسن و أسلس قال(5/144)
فأي الزواني أفره أ زواني رامهرمز أم زواني أرجان قال ويحك إن مثلي لا يسأل عن هذا قال لا بد من الجواب أو تغدر. قال أما إذ أبيت فزواني رامهرمز أرق أبشارا و زواني أرجان أحسن أبدانا قال فأي الرجلين أشعر جرير أم الفرزدق قال عليك و عليهما لعنة الله قال لا بد أن تجيب قال أيهما الذي يقول
و طوى الطراد مع القياد بطونها طي التجار بحضرموت برودا
قال جرير قال فهو أشعرهما. قال أبو الفرج و قد كان الناس تجادلوا في أمر جرير و الفرزدق في عسكر المهلب حتى تواثبوا و صاروا إليه محكمين له في ذلك فقال أ تريدون أن أحكم بين هذين الكلبين المتهارشين فيمضغاني ما كنت لأحكم بينهما و لكني أدلكم على من يحكم بينهما ثم يهون عليه سبابهما عليكم بالشراة فاسألوهم إذا تواقفتم فلما تواقفوا سأل أبو حزابة عبيدة بن هلال عن ذلك فأجابه بهذا الجواب. و روى أبو الفرج أن امرأة من الخوارج كانت مع قطري بن الفجاءة يقال لها أم حكيم و كانت من أشجع الناس و أجملهم وجها و أحسنهم بالدين تمسكا و خطبها شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 171جماعة منهم فردتهم و لم تجبهم فأخبر من شاهدها في الحرب أنها كانت تحمل على الناس و ترتجز فتقولأحمل رأسا قد سئمت حمله و قد مللت دهنه و غسله أ لا فتى يحمل عني ثقلهو الخوارج يفدونها بالآباء و الأمهات فما رأينا قبلها و لا بعدها مثلها. و روى أبو الفرج قال كان عبيدة بن هلال إذا تكاف الناس ناداهم ليخرج إلي بعضكم فيخرج إليه فتيان من عسكر المهلب فيقول لهم أيما أحب إليكم أقرأ عليكم القرآن أم أنشدكم الشعر فيقولون له أما القرآن فقد عرفناه مثل معرفتك و لكن تنشدنا فيقول يا فسقة قد و الله علمت أنكم تختارون الشعر على القرآن ثم لا يزال ينشدهم و يستنشدهم حتى يملوا و يفترقوا. قال أبو العباس و ولى خالد بن عبد الله بن أسيد فقدم فدخل البصرة فأراد عزل المهلب فأشير عليه بألا يفعل و قيل له إنما أمن أهل هذا المصر لأن المهلب بالأهواز و(5/145)