قال للمهلب أشر علي برجل أجعله بيني و بين عبد الملك فقال له اذكر واحدا من ثلاثة محمد بن عمير بن عطارد الدارمي أو زياد بن عمرو بن الأشرف العتكي أو داود بن قحذم قال أ و تكفيني أنت قال أكفيك إن شاء الله فشخص فولاه الموصل فخرج إليها و صار مصعب إلى البصرة لينفر إلى أخيه بمكة فشاور الناس فيمن يستكفيه شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 160أمر الخوارج فقال قوم ول عبد الله بن أبي بكرة و قال قوم ول عمر بن عبيد الله بن معمر و قال قوم ليس لهم إلا المهلب فاردده إليهو بلغت المشورة الخوارج فأداروا الأمر بينهم فقال قطري بن الفجاءة المازني و لم يكن أمروه عليهم بعد إن جاءكم عبد الله بن أبي بكرة أتاكم سيد سمح كريم جواد مضيع لعسكره و إن جاءكم عمر بن عبيد الله أتاكم فارس شجاع بطل جاد يقاتل لدينه و لملكه و بطبيعة لم أر مثلها لأحد فقد شهدته في وقائع فما نودي في القوم لحرب إلا كان أول فارس حتى يشد على قرنه و يضربه و إن رد المهلب فهو من قد عرفتموه إذا أخذتم بطرف ثوب أخذ بطرفه الآخر يمده إذا أرسلتموه و يرسله إذا مددتموه لا يبدؤكم إلا أن تبدءوه إلا أن يرى فرصة فينتهزها فهو الليث المبر و الثعلب الرواغ و البلاء المقيم. فولى مصعب عليهم عمر بن عبيد الله بن معمر ولاه فارس و الخوارج بأرجان يومئذ و عليهم الزبير بن علي السليطي فشخص إليهم فقاتلهم و ألح عليهم حتى أخرجهم منها فألحقهم بأصبهان فلما بلغ المهلب أن مصعبا ولى حرب الخوارج عمر بن عبيد الله قال رماهم بفارس العرب و فتاها فجمع الخوارج له و أعدوا و استعدوا ثم أتوا سابور فسار إليهم حتى نزل منهم على أربعة فراسخ فقال له مالك بن أبي حسان الأزدي إن المهلب كان يذكي العيون و يخاف البيات و يرتقب الغفلة و هو على أبعد من هذه المسافة منهم. فقال عمر اسكت خلع الله قلبك أ تراك تموت قبل أجلك و أقام هناك فلما كان ذات ليلة بيته الخوارج فخرج إليهم فحاربهم حتى أصبح فلم يظفروا منه(5/136)
بشي ء فأقبل على مالك بن أبي حسان فقال كيف رأيت فقال قد سلم الله و لم يكونوا شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 161يطمعون في مثلها من المهلب فقال أما إنكم لو ناصحتموني مناصحتكم المهلب لرجوت أن أنفي هذا العدو و لكنكم تقولون قرشي حجازي بعيد الدار خيره لغيرنا فتقاتلون معي تعذيرا ثم زحف إلى الخوارج من غد ذلك اليوم فقاتلهم قتالا شديدا حتى ألجم إلى قنطرة فتكاثف الناس عليها حتى سقطت فأقام حتى أصلحها ثم عبر و تقدم ابنه عبيد الله بن عمر و أمه من بني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب فقاتلهم حتى قتل فقال قطري للخوارج لا تقاتلوا عمر اليوم فإنه موتور قد قتلتم ابنه و لم يعلم عمر بقتل ابنه حتى أفضى إلى القوم و كان مع ابنه النعمان بن عباد فصاح به عمر يا نعمان أين ابني قال أحتسبه فقد استشهد صابرا مقبلا غير مدبر فقال إنا لله و إنا إليه راجعون ثم حمل على الخوارج حملة لم ير مثلها و حمل أصحابه بحملته فقتلوا في وجههم ذلك تسعين رجلا من الخوارج و حمل على قطري فضربه على جبينه ففلقه و انهزمت الخوارج و انتهبها فلما استقروا و رأى ما نزل بهم قال أ لم أشر عليكم بالانصراف فجعلوه حينئذ من وجوههم حتى خرجوا من فارس و تلقاهم في ذلك الوقت الفزر بن مهزم العبدي فسألوه عن خبره و أرادوا قتله فأقبل على قطري و قال إني مؤمن مهاجر فسأله عن أقاويلهم فأجاب إليها فخلوا عنه ففي ذلك يقول في كلمة له(5/137)
فشدوا وثاقي ثم ألجوا خصومتي إلى قطري ذي الجبين المفلق و حاججتهم في دينهم فحججتهم و ما دينهم غير الهوى و التخلقثم رجعوا و تكانفوا و عادوا إلى ناحية أرجان فسار إليهم عمر بن عبيد الله و كتب إلى مصعب شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 162أما بعد فإني لقيت الأزارقة فرزق الله عز و جل عبيد الله بن عمر الشهادة و وهب له السعادة و رزقنا بعد عليهم الظفر فتفرقوا شذر مذر و بلغني عنهمودة فيممتهم و بالله أستعين و عليه أتوكل. فسار إليهم و معه عطية بن عمرو و مجاعة بن سعر فالتقوا فألح عليهم عمر حتى أخرجهم و انفرد من أصحابه فعمد إلى أربعة عشر رجلا من مذكوريهم و شجعانهم و في يده عمود فجعل لا يضرب رجلا منهم ضربة إلا صرعه فركض إليه قطري على فرس طمر و عمر على مهر فاستعلاه قطري بقوة فرسه حتى كاد يصرعه فبصر به مجاعة فأسرع إليه فصاحت الخوارج يا أبا نعامة إن عدو الله قد رهقك فانحط قطري على قربوسه و طعنه مجاعة و على قطري درعان فهتكهما و أسرع السنان في رأس قطري فكشط جلده و نجا و ارتحل القوم إلى أصفهان فأقاموا برهة ثم رجعوا إلى الأهواز و قد ارتحل عمر بن عبيد الله إلى إصطخر فأمر مجاعة فجبى الخراج أسبوعا فقال له كم جبيت قال تسعمائة ألف فقال هي لك. و قال يزيد بن الحكم لمجاعة
و دعاك دعوة مرهق فأجبته عمر و قد نسي الحياة و ضاعافرددت عادية الكتيبة عن فتى قد كاد يترك لحمه أوزاعا(5/138)
قال ثم عزل مصعب بن الزبير و ولى عبد الله بن الزبير العراق ابنه حمزة شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 163بن عبد الله بن الزبير فمكث قليلا ثم أعيد مصعب إلى العراق و الخوارج بأطراف أصبهان و الوالي عليها عتاب بن ورقاء الرياحي فأقام الخوارج هناك يجبون شيئا من القرى أقبلوا إلى الأهواز من ناحية فارس فكتب مصعب إلى عمر بن عبيد الله ما أنصفتنا أقمت بفارس تجبي الخراج و مثل هذا العدو يجتاز بك لا تحاربه و الله لو قاتلت ثم هزمت لكان أعذر لك. و خرج مصعب من البصرة يريدهم و أقبل عمر بن عبيد الله يريدهم فتنحى الخوارج إلى السوس ثم أتوا إلى المدائن و بسطوا في القتل فجعلوا يقتلون النساء و الصبيان حتى أتوا المذار فقتلوا أحمر طيئ و كان شجاعا و كان من فرسان عبيد الله بن الحر و في ذلك يقول الشاعر
تركتم فتى الفتيان أحمر طيئ بساباط لم يعطف عليه خليل
ثم خرجوا عامدين إلى الكوفة فلما خالطوا سوادها و واليها الحارث القباع تثاقل عن الخروج و كان جبانا فذمره إبراهيم بن الأشتر و لامه الناس فخرج متحاملا حتى أتى النخيلة ففي ذلك يقول الشاعر
إن القباع سار سيرا نكرا يسير يوما و يقيم عشرا(5/139)
و جعل يعد الناس بالخروج و لا يخرج و الخوارج يعيثون حتى أخذوا امرأة فقتلوا أباها بين يديها و كانت جميلة ثم أرادوا قتلها فقالت أ تقتلون من ينشأ في الحلية و هو في الخصام غير مبين فقال قائل منهم دعوها فقالوا قد فتنتك ثم قدموها فقتلوها. شرح نهج البلاغة ج : 4 : 164و قربوا امرأة أخرى و هم بإزاء القباع و الجسر معقود بينهم فقطعه القباع و هو في ستة آلاف و المرأة تستغيث به و هي تقبل و تقول علام تقتلونني فو الله ما فسقت و لا كفرت و لا زنيت و الناس يتفلتون إلى القتال و القباع يمنعهم. فلما خاف أن يعصوه أمر عند ذاك بقطع الجسر فأقام بين دبيرى و دباها خمسة أيام و الخوارج بقربه و هو يقول للناس في كل يوم إذا لقيتم العدو غدا فأثبتوا أقدامكم و اصبروا فإن أول الحرب الترامي ثم إشراع الرماح ثم السلة فثكلت رجلا أمه فر من الزحف. فقال بعضهم لما أكثر عليهم أما الصفة فقد سمعناها فمتى يقع الفعل. و قال الراجز
إن القباع سار سيرا ملسا بين دباها و دبيرى خمسا(5/140)