نادى مناد منهم ألا إن المهلب قد قتل شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 153فركب المهلب برذونا وردا و أقبل يركض بين الصفين و إن إحدى يديه لفي القباء و ما يشعر لها و هو يصيح أنا المهلب فسكن الس بعد أن كانوا قد ارتاعوا و ظنوا أن أميرهم قد قتل و كل الناس مع العصر فصاح المهلب بابنه المغيرة تقدم ففعل و صاح بذكوان مولاه قدم رايتك ففعل فقال له رجل من ولده إنك تغرر بنفسك فزبره و زجره و صاح يا بني سلمة آمركم فتعصونني فتقدم و تقدم الناس فاجتلدوا أشد جلاد حتى إذا كان مع المساء قتل ابن الماحوز و انصرف الخوارج و لم يشعر المهلب بقتله فقال لأصحابه ابغوا لي رجلا جلدا يطوف في القتلى فأشاروا عليه برجل من جرم و قالوا إنا لم نر قط رجلا أشد منه فجعل يطوف و معه النيران فجعل إذا مر بجريح من الخوارج قال كافر و رب الكعبة فأجهز عليه و إذا مر بجريح من المسلمين أمر بسقيه و حمله و أقام المهلب يأمرهم بالاحتراس حتى إذا كان في نصف الليل وجه رجلا من اليحمد في عشرة فصاروا إلى عسكر الخوارج فإذا هم قد تحملوا إلى أرجان فرجع إلى المهلب فأعلمه فقال لهم أنا الساعة أشد خوفا احذروا البيات. و يروى عن شعبة بن الحجاج أن المهلب قال لأصحابه يوما إن هؤلاء الخوارج قد يئسوا من ناحيتكم إلا من جهة البيات فإن يكن ذلك فاجعلوا شعاركم حم لا ينصرون فإن رسول الله ص كان يأمر بها. و يروى أنه كان شعار أصحاب علي بن أبي طالب ع. فلما أصبح القوم غدوا على القتلى فأصابوا ابن الماحوز قتيلا ففي ذلك يقول رجل من الخوارج شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 15بسلى و سلبرى مصارع فتية كرام و عقرى من كميت و من ورد
و قال آخر
بسلى و سلبرى جماجم فتية كرام و صرعى لم توسد خدودها
و قال رجل من موالي المهلب لقد صرعت يومئذ بحجر واحد ثلاثة رميت به رجلا فصرعته ثم رميت به رجلا فأصبت به أصل أذنه فصرعته ثم أخذت الحجر و صرعت به ثالثا و في ذلك يقول رجل من الخوارج(5/131)
أتانا بأحجار ليقتلنا بها و هل يقتل الأبطال ويحك بالحجر
و قال رجل من أصحاب المهلب في يوم سلى و سلبرى و قتل ابن الماحوز
و يوم سلى و سلبرى أحاط بهم منا صواعق لا تبقي و لا تذرحتى تركنا عبيد الله منجدلا كما تجدل جذع مال منقعر
و يروى أن رجلا من الخوارج يوم سلى حمل على رجل من أصحاب المهلب فطعنه فلما خالطه الرمح صاح يا أمتاه فصاح به المهلب لا كثر الله منك في المسلمين فضحك الخارجي و قال
أمك خير لك مني صاحبا تسقيك محضا و تعل رائبا
و كان المغيرة بن المهلب إذا نظر إلى الرماح قد تشاجرت في وجهه نكس على شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 155قربوس السرج و حمل من تحتها فبرأها بسيفه و أثر في أصحابها فتحوميت الميمنة من أجله و كان أشد ما تكون الحرب استعارا أشد ما يكون تبسما و كان المهلب يقول ما شهد ي حربا قط إلا رأيت البشرى في وجهه. و قال رجل من الخوارج في هذا اليوم(5/132)
فإن تك قتلى يوم سلى تتابعت فكم غادرت أسيافنا من قماقم غداة نكر المشرقية فيهم بسولاف يوم المأزق المتلاحمفكتب المهلب إلى الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة القباع. أما بعد فإنا لقينا الأزارقة المارقة بحد و جد فكانت في الناس جولة ثم ثاب أهل الحفاظ و الصبر بنيات صادقة و أبدان شداد و سيوف حداد فأعقب الله خير عاقبة و جاوز بالنعمة مقدار الأمل فصاروا دريئة رماحنا و ضرائب سيوفنا و قتل الله أميرهم ابن الماحوز و أرجو أن يكون آخر هذه النعمة كأولها و السلام. فكتب إليه القباع قد قرأت كتابك يا أخا الأزد فرأيتك قد وهب لك شرف الدنيا و عزها و ذخر لك إن شاء الله ثواب الآخرة و أجرها و رأيتك أوثق حصون المسلمين و هاد شرح نهج البلا ج : 4 ص : 156أركان المشركين و ذا الرئاسة و أخا السياسة فاستدم الله بشكره يتمم عليكم نعمه و السلام. و كتب إليه أهل البصرة يهنئونه و لم يكتب إليه الأحنف و لكن قال اقرءوا عليه السلام و قولوا إنا لك على ما فارقتك عليه فلم يزل يقرأ الكتب و ينظر في تضاعيفها و يلتمس كتاب الأحنف فلا يراه فلما لم يره قال لأصحابه أ ما كتب أبو بحر فقال له الرسول إنه حملني إليك رسالة فأبلغه فقال هذا أحب إلي من هذه الكتب. و اجتمعت الخوارج بأرجان فبايعوا الزبير بن علي و هو من بني سليط بن يربوع من رهط ابن الماحوز فرأى فيهم انكسارا شديدا و ضعفا بينا فقال لهم اجتمعوا فاجتمعوا فحمد الله و أثنى عليه و صلى على محمد رسوله ص ثم أقبل عليهم فقال إن البلاء للمؤمنين تمحيص و أجر و هو على الكافرين عقوبة و خزي و إن يصب منكم أمير المؤمنين فما صار إليه خير مما خلف و قد أصبتم منهم مسلم بن عبيس و ربيعا الأجذم و الحجاج بن رباب و حارثة بن بدر و أشجيتم المهلب و قتلتم أخاه المعارك و الله يقول لإخوانكم المؤمنين إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَ تِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ(5/133)
فيوم سلى كان لكم بلاء و تمحيصا و يوم سولاف كان لهم عقوبة و نكالا فلا تغلبن علي الشكر في حينه و الصبر في وقته و ثقوا بأنكم المستخلفون في الأرض و العاقبة للمتقين. ثم تحمل للمحاربة نحو المهلب فنفحهم المهلب نفحة فرجعوا و أكمنوا للمهلب في غمض من غموض الأرض يقرب من عسكره مائة فارس ليغتالوه فسار المهلب شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 157يوما يطيف بعسكره و يتفقد سواده فوقف على جبل فقال إن من التدبير لهذه المارقة أن تكون قد أكمنت في سفح هذا الجبل كمينا فبعث المهلب عشرة فوارس فاطلعوا على المائة فلما علموا بهم قطعوا القنطرة و نجوا و انكشفت الشمس فصاحوا يا أعداءلله لو قامت القيامة لجددنا و نحن في جهادكم. ثم يئس الزبير من ناحية المهلب فضرب إلى ناحية أصبهان ثم كر راجعا إلى أرجان و قد جمع جموعا و كان المهلب يقول كأني بالزبير و قد جمع لكم فلا ترهبوهم فتنخب قلوبكم و لا تغفلوا الاحتراس فيطمعوا فيكم فجاءوه من أرجان فلقوه مستعدا آخذا بأفواه الطرق فحاربهم فظهر عليهم ظهورا بينا ففي ذلك يقول رجل من بني يربوع
سقى الله المهلب كل غيث من الوسمي ينتحر انتحارافما وهن المهلب يوم جاءت عوابس خيلهم تبغي الغوارا
و قال المهلب يومئذ ما وقفت في مضيق من الحرب إلا رأيت أمامي رجالا من بني الهجيم بن عمرو بن تميم يجالدون و كان لحاهم أذناب العقاعق و كانوا صبروا معه في غير مواطن. و قال رجل من أصحاب المهلب من بني تميم شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 15ألا يا من لصب مستهام قريح القلب قد مل المزونالهان على المهلب ما لقينا إذا ما راح مسرورا بطينايجر السابري و نحن شعث كأن جلودنا كسيت طحينا
و حمل يومئذ الحارث بن هلال على قيس الإكاف و كان من أنجد فرسان الخوارج فطعنه فدق صلبه و قال
قيس الإكاف غداة الروع يعلمني ثبت المقام إذا لاقيت أقراني(5/134)
و قد كان بعض جيش المهلب يوم سلى و سلبرى صاروا إلى البصرة فذكروا أن المهلب قد أصيب فهم أهل البصرة بالنقلة إلى البادية حتى ورد كتابه بظفره فأقام الناس و تراجع من كان ذهب منهم فعند ذلك قال الأحنف البصرة بصرة المهلب و قدم رجل من كندة يعرف بابن أرقم فنعى ابن عم له و قال إني رأيت رجلا من الخوارج و قد مكن رمحه من صلبه فلم ينشب أن قدم المنعي سالما فقيل له ذلك فقال صدق ابن أرقم لما أحسست برمحه بين كتفي صحت به البقية فرفعه و تلا بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ و وجه المهلب بعقب هذه الوقعة رجلا من الأزد برأس عبيد الله بن بشير بن الماحوز إلى الحارث بن عبد الله فلما صار بكربج دينار لقيته إخوة عبيد الله حبيب و عبد الملك و علي بنو بشير بن الماحوز شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 159فقالوا ما الخبر و هو لا يعرفهم فقال قتل الله ابن الماحوز المارق و هذا ره معي فوثبوا عليه فقتلوه و صلبوه و دفنوا رأس أخيهم عبيد الله فلما ولي الحجاج دخل عليه علي بن بشير و كان وسيما جسيما فقال من هذا فخبره فقتله و وهب ابنه الأزهر و ابنته لأهل الأزدي المقتول و كانت زينب بنت بشير لهم مواصلة فوهبوهما لها. قال أبو العباس محمد بن يزيد المبرد في كتاب الكامل و لم يزل المهلب يقاتل الخوارج في ولاية الحارث القباع حتى عزل و ولي مصعب بن الزبير فكتب إلى المهلب أن أقدم علي و استخلف ابنك المغيرة ففعل بعد أن جمع الناس و قال لهم إني قد استخلفت المغيرة عليكم و هو أبو صغيركم رقة و رحمة و ابن كبيركم طاعة و برا و تبجيلا و أخو مثله مواساة و مناصحة فلتحسن له طاعتكم و ليلن له جانبكم فو الله ما أردت صوابا قط إلا سبقني إليه. ثم مضى إلى مصعب فكتب مصعب إلى المغيرة بولايته و كتب إليه أنك إن لم تكن كأبيك فإنك كاف لما وليت فشمر و ائتزر و جد و اجتهد. ثم شخص المصعب إلى المزار فقتل أحمر بن شميط ثم أتى الكوفة فقتل المختار و(5/135)