و أبلى مع المغيرة يومئذ عطية بن عمرو العنبري من فرسان تميم و شجعانهم و من شعر عطية
يدعى رجال للعطاء و إنما يدعى عطية للطعان الأجرد
و قال فيه شاعر من بني تميم
و ما فارس إلا عطية فوقه إذا الحرب أبدت عن نواجذها الفمابه هزم الله الأزارق بعد ما أباحوا من المصرين حلا و محرما
فأقام المهلب أربعين ليلة يجبي الخراج بكور دجلة و الخوارج بنهر تيرى و الزبير بن علي منفرد بعسكره عن عسكر ابن الماحوز فقضى المهلب التجار و أعطى أصحابه شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 147فأسرع الناس إليه رغبة في مجاهدة العدو و طمعا في الغنائم و التجارات فكان فيمنتاه محمد بن واسع الأزدي و عبد الله بن رباح و معاوية بن قرة المزني و كان يقول لو جاءت الديلم من هاهنا و الحرورية من هاهنا لحاربت الحرورية و جاءه أبو عمران الجوني و كان يروى عن كعب أن قتيل الحرورية يفضل قتيل غيرهم بعشرة أبواب. ثم أتى المهلب إلى نهر تيرى فتنحوا عنه إلى الأهواز و أقام المهلب يجبي ما حواليه من الكور و قد دس الجواسيس إلى عسكر الخوارج يأتونه بأخبارهم و من في عسكرهم و إذا حشوه ما بين قصاب و حداد و داعر فخطب المهلب الناس و ذكر لهم ذلك و قال أ مثل هؤلاء يغلبونكم على فيئكم و لم يزل مقيما حتى فهمهم و أحكم أمرهم و قوى أصحابه و كثرت الفرسان في عسكره و تتام أصحابه عشرين ألفا. ثم مضى يؤم كور الأهواز فاستخلف أخاه المعارك بن أبي صفرة على نهر تيرى و جعل المغيرة على مقدمته فسار حتى قاربهم فناوشهم و ناوشوه فانكشف عن المغيرة بعض أصحابه و ثبت المغيرة نفسه بقية يومه و ليلته يوقد النيران ثم غاداهم فإذا القوم قد أوقدوا النيران في بقية متاعهم و ارتحلوا عن سوق الأهواز فدخلها المغيرة و قد جاءت أوائل خيل المهلب فأقام بسوق الأهواز و كتب بذلك إلى الحارث القباع كتابا يقول فيه. أما بعد فإنا مذ خرجنا نؤم العدو في نعم من فضل الله متصلة علينا و نقم متتابعة عليهم نقدم و يحجمون(5/126)


و نحل و يرتحلون إلى أن حللنا سوق الأهواز و الحمد لله رب العالمين الذي من عنده النصر و هو العزيز الحكيم شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 148فكتب إليه الحارث هنيئا لك أخا الأزد الشرف في الدنيا و الأجر في الآخرة إن ء الله. فقال المهلب لأصحابه ما أجفى أهل الحجاز أ ما ترونه عرف اسمي و كنيتي و اسم أبي قالوا و كان المهلب يبث الأحراس في الأمن كما يبثهم في الخوف و يذكي العيون في الأمصار كما يذكيها في الصحاري و يأمر أصحابه بالتحرز و يخوفهم البيات و إن بعد منه العدو و يقول احذروا أن تكادوا كما تكيدون و لا تقولوا هزمناهم و غلبناهم و القوم خائفون وجلون فإن الضرورة تفتح باب الحيلة. ثم قام فيهم خطيبا فقال أيها الناس قد عرفتم مذهب هؤلاء الخوارج و أنهم إن قدروا عليكم فتنوكم في دينكم و سفكوا دماءكم فقاتلوهم على ما قاتلهم عليه أولكم علي بن أبي طالب لقد لقيهم الصابر المحتسب مسلم بن عبيس و العجل المفرط عثمان بن عبيد الله و المعصي المخالف حارثة بن بدر فقتلوا جميعا و قتلوا فالقوهم بحد و جد فإنما هم مهنتكم و عبيدكم و عار عليكم و نقص في أحسابكم و أديانكم أن يغلبكم هؤلاء على فيئكم و يطئوا حريمكم. ثم سار يريدهم و هم بمناذر الصغرى فوجه عبيد الله بن بشير بن الماحوز رئيس الخوارج رجلا يقال له واقد مولى لآل أبي صفرة من سبي الجاهلية في خمسين رجلا فيهم صالح بن مخراق إلى نهر تيرى و بها المعارك بن أبي صفرة فقتلوه و صلبوه فنمي(5/127)


شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 149الخبر إلى المهلب فوجه ابنه المغيرة فدخل نهر تيرى و قد خرج واقد منها فاستنزل عمه فدفنه و سكن الناس و استخلف بها و رجع إلى أبيه و قد نزل بسولاف و الخوارج بها فواقعهم و جعل على بني تميم الحريش بن هلال فخرج رجل من أصحاب المهلب يل له عبد الرحمن الإسكاف فجعل يحض الناس و يهون أمر الخوارج و يختال بين الصفين فقال رجل من الخوارج لأصحابه يا معشر المهاجرين هل لكم في قتلة فيها الجنة فحمل جماعة منهم على الإسكاف فقاتلهم وحده فارسا ثم كبا به فرسه فقاتلهم راجلا قائما و باركا ثم كثرت به الجراحات فذبب بسيفه ثم جعل يحثو في وجوههم التراب و المهلب غير حاضر فقتل ثم حضر المهلب فأعلم فقال للحريش و لعطية العنبري أ سلمتما سيد أهل العراق لم تعيناه و لم تستنقذاه حسدا له لأنه رجل من الموالي و وبخهما. و حمل رجل من الخوارج على رجل من أصحاب المهلب فقلته فحمل عليه المهلب فطعنه فقتله و مال الخوارج بأجمعهم على العسكر فانهزم الناس و قتل منهم سبعون رجلا و ثبت المهلب و ابنه المغيرة يومئذ و عرف مكانه. و يقال حاص المهلب يومئذ حيصة و يقول الأزد بل كان يرد المنهزمة و يحمي أدبارهم و بنو تميم تزعم أنه فر و قال شاعرهم
بسولاف أضعت دماء قومي و طرت على مواشكة درور
و قال آخر من بني تميم
تبعنا الأعور الكذاب طوعا يزجي كل أربعة حمارا
شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 150فيا ندمى على تركي عطائي معاينة و أطلبه ضماراإذا الرحمن يسر لي قفولا فحرق في قرى سولاف نارقوله الأعور الكذاب يعني به المهلب كانت عينه عارت بسهم أصابها و سموه الكذاب لأنه كان فقيها و كان يتأول ما ورد في الأثر من أن كل كذب يكتب كذبا إلا ثلاثة الكذب في الصلح بين رجلين و كذب الرجل لامرأته بوعد و كذب الرجل في الحرب بتوعد و تهدد
قالوا و جاء عنه ص إنما أنت رجل فخذل عنا ما استطعت
و قال إنما الحرب خدعة(5/128)


فكان المهلب ربما صنع الحديث ليشد به من أمر المسلمين ما ضعف و يضعف به من أمر الخوارج ما اشتد و كان حي من الأزد يقال لهم الندب إذا رأوا المهلب رائحا إليهم قالوا راح ليكذب و فيه يقول رجل منهم
أنت الفتى كل الفتى لو كنت تصدق ما تقول
فبات المهلب في ألفين فلما أصبح رجع بعض المنهزمة فصاروا في أربعة آلاف فخطب أصحابه فقال و الله ما بكم من قلة و ما ذهب عنكم إلا أهل الجبن و الضعف و الطبع و الطمع فإن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله فسيروا إلى عدوكم على بركة الله. فقام إليه الحريش بن هلال فقال أنشدك الله أيها الأمير أن تقاتلهم إلا أن يقاتلوك فإن في أصحابك جراحا و قد أثخنتهم هذه الجولة. فقبل منه و مضى المهلب في عشرة فأشرف على عسكر الخوارج فلم ير منهم أحدا شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 151يتحرك فقال له الحريش ارتحل عن هذا المنزل فارتحل فعبر دجيلا و صار إلى عاقول لا يؤتى إلا من جهة واحدة فأقام به و أقام الناس ثلاثا مستريحين. و في يقوم سولاف يقول ابن قيس الرقياتأ لا طرقت من آل مية طارقه على أنها معشوقة الدل عاشقه تراءت و أرض السوس بيني و بينها و رستاق سولاف حمته الأزارقه إذا نحن شئنا صادفتنا عصابة حرورية فيها من الموت بارقه أجازت عيلنا العسكرين كليهما فباتت لنا دون اللحاف معانفأقام المهلب في ذلك العاقول ثلاثة أيام ثم ارتحل و الخوارج بسلى و سلبرى فنزل قريبا منهم فقال ابن الماحوز لأصحابه ما تنتظرون بعدوكم و قد هزمتموهم بالأمس و كسرتم حدهم فقال له واقد مولى أبي صفرة يا أمير المؤمنين إنما تفرق عنهم أهل الضعف و الجبن و بقي أهل النجدة و القوة فإن أصبتهم لم يكن ظفرا هينا لأني أراهم لا يصابون حتى يصيبوا و إن غلبوا ذهب الدين فقال أصحابه نافق واقد فقال ابن الماحوز لا تعجلوا على أخيكم فإنه إنما قال هذا نظرا لكم. ثم وجه الزبير بن علي إلى عسكر المهلب لينظر ما حالهم فأتاهم في مائتين فحزرهم و رجع و أمر(5/129)


المهلب أصحابه بالتحارس حتى إذا أصبح ركب إليهم في تعبئة فالتقوا بسلى و سلبرى فتصافوا فخرج من الخوارج مائة فارس فركزوا رماحهم بين الصفين و اتكئوا عليها و أخرج إليهم المهلب أعدادهم ففعلوا مثل ما فعلوا لا يرعون إلا الصلاة حتى إذا أمسوا رجع كل قوم إلى معسكرهم ففعلوا هكذا ثلاثة أيام. شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 152ثم إن الخوارج تطاردوا لهم في اليوم الثالث فحمل عليهم هؤلاء الفرسان فجالوا ساعة ثم إن رجلا من الخوارج حمل على رجل فطعنه فحمل عليه المهلب فطعنه فحمل الخوارج بأجمعهم كما صنعوا يوم سولاف فضعضعوا ااس و فقد المهلب و ثبت المغيرة في جمع أكثرهم أهل عمان. ثم نجم المهلب في مائة و قد انغمس كماه في الدم و على رأسه قلنسوة مربعة فوق المغفر محشوة قزا و قد تمزقت و إن حشوها ليتطاير و هو يلهث و ذلك في وقت الظهر فلم يزل يحاربهم حتى أتى الليل و كثر القتلى في الفريقين فلما كان الغد غاداهم و قد كان وجه بالأمس رجلا من طاحية بن سود بن مالك بن فهم من الأزد من ثقاته و أصحابه يرد المنهزمين فمر به عامر بن مسمع فرده فقال إن الأمير أذن لي في الانصراف فبعث إلى المهلب فأعلمه فقال دعه فلا حاجة لي في مثله من أهل الجبن و الضعف ثم غاداهم المهلب في ثلاثة آلاف و قد تفرق عنه أكثر الناس و قال لأصحابه ما بكم من قلة أ يعجز أحدكم أن يلقي رمحه ثم يتقدم فيأخذه ففعل ذلك رجل من كندة و اتبعه قوم ثم قال المهلب لأصحابه أعدوا مخالي فيها حجارة و ارموا بها في وقت الغفلة فإنها تصد الفارس و تصرع الراجل ففعلوا ثم أمر مناديا ينادي في أصحابه يأمرهم بالجد و الصبر و يطمعهم في العدو ففعل ذلك حتى مر ببني العدوية من بني مالك بن حنظلة فنادى فيهم فضربوه فدعا المهلب بسيدهم و هو معاوية بن عمرو فجعل يركله برجله فقال أصلح الله الأمير اعفني من أم كيسان و الأزد تسمى الركبة أم كيسان ثم حمل المهلب و حملوا و اقتتلوا قتالا شديدا فجهد الخوارج و(5/130)

51 / 148
ع
En
A+
A-