خافوا العطب إذ لم يكن لهم رئيس ثم أجمعوا على الحجاج بن رباب الحميري فأباها فقيل له أ لا ترى رؤساء العرب قد اختاروك من بينهم فقال إنها مشئومة لا يأخذها أحد إلا قتل ثم أخذها فلم يزل يقاتل القوم بدولاب حتى التقى بعمران بن الحارث الراسبي و ذلك بعد أن اقتتلوا زهاء شهر فاختلفا ضربتين فخرا ميتين. و قام حارثة بن بدر الغداني بأمر أهل البصرة بعده و ثبت بإزاء الخوارج يناوشهم القتال مناوشة خفيفة و يزجي الأوقات انتظارا لقدوم أمير من قبل ببة يلي حرب الخوارج و هذه الحرب تسمى حرب دولاب و هي من حروب الخوارج المشهورة انتصف فيها الخوارج من المسلمين و انتصف المسلمون منهم فلم يكن فيها غالب و لا مغلوب
عبيد الله بن بشير بن الماحوز اليربوعي(5/121)


و منهم عبيد الله بن بشير بن الماحوز اليربوعي قام بأمر الخوارج يوم دولاب بعد قتل نافع بن الأزرق و قام بأمر أهل البصرة عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي ولاه عبد الله بن الزبير ذلك و لقيه كتابه بالإمارة و هو يريد الحج و قد صار إلى بعض الطريق فرجع فأقام بالبصرة و ولى أخاه عثمان بن عبيد الله بن معمر محاربة الأزارقة فخرج إليهم في اثني عشر ألفا فلقيه أهل البصرة الذين كانوا في وجه الأزارقة و معهم حارثة بن بدر الغداني يقوم بأمرهم عن غير ولاية و كان ابن الماحوز حينئذ في سوق الأهواز فلما عبر شرح نهج البلاغة ج : 4 ص :42عثمان إليهم دجيلا نهضت إليه الخوارج فقال عثمان لحارثه ما الخوارج إلا ما أرى فقال حارثة حسبك بهؤلاء قال لا جرم لا أتغدى حتى أناجزهم فقال حارثة إن هؤلاء القوم لا يقاتلون بالتعسف فأبق على نفسك و جندك فقال أبيتم يا أهل العراق إلا جبنا و أنت يا حارثة ما علمك بالحرب أنت و الله بغير هذا أعلم يعرض له بالشراب و كان حارثة بن بدر صاحب شراب فغضب حارثة فاعتزل و حاربهم عثمان يومه إلى أن غربت الشمس فأجلت الحرب عنه قتيلا و انهزم الناس و أخذ حارثة بن بدر الراية و صاح بالناس أنا حارثة بن بدر فثاب إليه قوم فعبر بهم دجيلا و بلغ قتل عثمان البصرة فقال شاعر من بني تميم
مضى ابن عبيس صابرا غير عاجز و أعقبنا هذا الحجازي عثمان فأرعد من قبل اللقاء ابن معمر و أبرق و البرق اليماني خوان فضحت قريشا غثها و سمينها و قيل بنو تيم بن مرة عزلان فلو لا ابن بدر للعراقين لم يقم بما قام فيه للعراقين إنسان إذا قيل من حامي الحقيقة أومأت معد بالأكف و قحطان(5/122)


و وصل الخبر إلى عبد الله بن الزبير بمكة فكتب إلى عمر بن عبيد الله بن معمر بعزله و ولى الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي المعروف بالقباع البصرة فقدمها فكتب إليه حارثة بن بدر يسأله الولاية و المدد فأراد توليته فقال له رجل من بكر بن شرح نهج البلاغة ج 4 ص : 143وائل إن حارثة ليس بذلك إنما هو صاحب شراب و كان حارثة مستهترا بالشراب معاقرا للخمر و فيه يقول رجل من قومه
أ لم تر أن حارثة بن بدر يصلي و هو أكفر من حمارأ لم تر أن للفتيان حظا و حظك في البغايا و العقار
فكتب إليه القباع تكفى حربهم إن شاء الله فأقام حارثة يدافعهم حتى تفرق أصحابه عنه و بقي في خف منهم فأقام بنهر تيري فعبرت إليه الخوارج فهرب من تخلف معه من أصحابه و خرج يركض حتى أتى دجيلا فجلس في سفينة و اتبعه جماعة من أصحابه فكانوا معه فيها و وافاه رجل من بني تميم عليه سلاحه و الخوارج وراءه و قد توسط حارثة دجيلا فصاح به يا حارثة ليس مثلي يضيع فقال للملاح قرب فقرب إلى جرف و لا فرضة هناك فطفر بسلاحه في السفينة فساخت بالقوم جميعا و هلك حارثة. و روى أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني الكبير أن حارثة لما عقدوا له الرئاسة و سلموا إليه الراية أمرهم بالثبات و قال لهم إذا فتح الله عليكم فللعرب زيادة فريضتين و للموالي زيادة فريضة و ندب الناس فالتقوا و ليس بأحد منهم طرق قد فشت فيهم الجراحات و ما تطأ الخيل إلا على القتلى فبينا هم كذلك إذ أقبل جمع شرح نهج البلاغة ج : 4 ص 144من الشراة من جهة اليمامة يقول المكثر إنهم مائتان و المقلل إنهم أربعون فاجتمعوا و هم مريحون مع أصحابهم فصاروا كوكبة واحدة فلما رآهم حارثة بن بدر ركض برايته منهزما و قال لأصحابه
كرنبوا و دولبوا أو حيث شئتم فاذهبوا
و قال
أير الحمار فريضة لعبيدكم و الخصيتان فريضة الأعراب(5/123)


قال كرنبوا أي اطلبوا كرنبى و هي قرية قريبة من الأهواز و دولبوا اطلبوا دولاب و هي ضيعة بينها و بين الأهواز أربعة فراسخ. قال فتتابع الناس على أثره منهزمين و تبعتهم الخوارج فألقى الناس أنفسهم في الماء فغرق منهم بدجيل الأهواز خلق كثير
الزبير بن علي السليطي و ظهور أمر المهلب
و منهم الزبير بن علي السليطي التميمي كان على مقدمة ابن الماحوز و كان ابن الماحوز يخاطب بالخلافة و يخاطب الزبير بالإمارة و وصل الزبير بعد هلاك حارثة بن بدر و هرب أصحابه إلى البصرة فخافه الناس خوفا شديدا و ضج أهل البصرة إلى الأحنف فأتى القباع فقال أصلح الله الأمير إن هذا العدو قد غلبنا على سوادنا و فيئنا فلم يبق إلا أن يحصرنا في بلدنا حتى نموت هزالا قال فسموا إلى رجلا يلي الحرب فقال الأحنف لا أرى لها رجلا إلا المهلب بن أبي صفرة فقال أ و هذا رأي شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 145جميع أهل البصرة اجتمعوا إلي في غد نظر و جاء الزبير حتى نزل على البصرة و عقد الجسر ليعبر إليها فخرج أكثر أهل البصرة إليه و انضم إلى الزبير جميع كور الأهواز و أهلها رغبة و رهبة فوافاه البصريون في السفن و على الدواب فاسودت بهم الأرض فقال الزبير لما رآهم أبى قومنا إلا كفرا و قطع الجسر و أقام الخوارج بإزائهم و اجتمع الناس عند القباع و خافوا الخوارج خوفا شديدا و كانوا ثلاث فرق سمى قوم المهلب و سمى قوم مالك بن مسمع و سمى قوم زياد بن عمرو بن أشرف العتكي فاختبر القباع ما عند مالك و زياد فوجدهما متثاقلين عن الحرب و عاد إليه من أشار بهما و قالوا قد رجعنا عن رأينا ما نرى لها إلا المهلب فوجه إليه القباع فأتاه فقال له يا أبا سعيد قد ترى ما قد رهقنا من هذا العدو و قد أجمع أهل مصرك عليك و قال له الأحنف يا أبا سعيد أنا و الله ما آثرناك و لكنا لم نر من يقوم مقامك. ثم قال القباع و أومأ إلى الأحنف أن هذا الشيخ لم يسمك إلا إيثارا للدين و البقيا و كل من في(5/124)


مصرك ماد عينه إليك راج أن يكشف الله عنه هذه الغمة بك فقال المهلب لا حول و لا قوة إلا بالله إني عند نفسي لدون ما وصفتم و لست آبى ما دعوتم إليه لكن لي شروطا أشترطها قالوا قل قال على أن أنتخب من أحببت قال الأحنف ذاك لك قال و لي إمرة كل بلد أغلب عليه قالوا لك ذلك قال و لي في ء كل بلد أظفر به قال الأحنف ليس ذاك لك و لا لنا إنما هو في ء للمسلمين فإن سلبتهم إياه كنت عليهم كعدوهم و لكن لك أن تعطي أصحابك من في ء كل بلد تغلب عليه ما أحببت و تنفق منه على محاربة عدوك فما عنكم كان للمسلمين فقال المهلب لا حول و لا قوة إلا بالله فمن لي بذلك قال الأحنف نحن و أميرك و جماعة أهل مصرك قال قد قبلت فكتبوا بينهم بذلك كتابا و وضع على يدي الصلت بن حريث بن جابر الجعفي و انتخب المهلب من جميع الأخماس فبلغت نخبته اثني عشر ألفا و نظروا في بيت المال شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 146فلم يكن إلا مائتي ألف درهم فعجزت فبعث المهلب إلى التجار فقال إن تجاراتكم منذ حول قد فسدت بانقطاع مواد الأهواز و فارس عنكم فهلموا فبايعوني و اخرجوا معي أوفكم حقوقكم فبايعوه و تاجروه فأخذ منهم من المال ما أصلح به عسكرو اتخذ لأصحابه الخفاتين و الرانات المحشوة بالصوف ثم نهض و كان أكثر أصحابه رجالة حتى إذا صار بحذاء القوم أمر بسفن فأصلحت و أحضرت فما ارتفع النهار حتى فرغ منها ثم أمر الناس بالعبور و أمر عليهم ابنه المغيرة فخرج الناس فلما قاربوا الشط خاضت إليهم الخوارج فحاربوهم و حاربهم المغيرة و نضحهم بالسهام حتى تنحوا و صار هو و أصحابه على الشط فحاربوا الخوارج فكشفوهم و شغلوهم حتى عقد المهلب الجسر و عبر و الخوارج منهزمون فنهى الناس عن اتباعهم ففي ذلك يقول شاعر من الأزد
إن العراق و أهله لم يخبروا مثل المهلب في الحروب فسلمواأمضى و أيمن في اللقاء نقيبة و أقل تهليلا إذا ما أحجموا(5/125)

50 / 148
ع
En
A+
A-