فقال عبد الله بن أبي الحصين ما شي ء أحب إلي مما ذكرت فقتلا معا يوم صفين. شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 212قال نصر فلما قطع علي ع الفرات دعا زياد بن النضر و شريح بن هانئ فسرحهما أمامه نحو معاوية على حالهما الذي كانا عليه حين خرجا من الكوفة في اثني عشر ألفا و كانا حيث سرحهما من الكوفة مقدمة له أخذا على شاطئ الفرات من قبل البر مما يلي الكوفة حتى بلغا عانات فبلغهم أخذ علي ع طريق الجزيرة و علما أن معاوية قد أقبل في جنود الشام من دمشق لاستقباله فقالا و الله ما هذا برأي أن نسير و بيننا و بين أمير المؤمنين هذا البحر و ما لنا خير في أن نلقى جموع الشام في قلة من العدد منقطعين عن المدد فذهبوا ليعبروا من عانات فمنعهم أهلها و حبسوا عنهم السفن فأقبلوا راجعين حتى عبروا من هيت و لحقوا عليا ع بقرية دون قرقيسيا فلما لحقوا عليا ع عجب و قال مقدمتي تأتي من ورائي فقام له زياد و شريح و أخبراه بالرأي الذي رأيا فقال قد أصبتما رشدكما فلما عبروا الفرات قدمهما أمامه نحو معاوية فلما انتهيا إلى معاوية لقيهما أبو الأعور السلمي في جنود من أهل الشام و هو على مقدمة معاوية فدعواه إلى الدخول في طاعة أمير المؤمنين ع فأبى فبعثوا إلى علي ع إنا قد لقينا أبا الأعور السلمي بسور الروم في جند من أهل الشام فدعوناه و أصحابه إلى الدخول في طاعتك فأبى علينا فمرنا بأمرك. فأرسل علي ع إلى الأشتر(4/182)
فقال يا مال إن زيادا و شريحا أرسلا إلي يعلمانني أنهما لقيا أبا الأعور السلمي في جند من أهل الشام بسور الروم و نبأني الرسول أنه تركهم متواقفين فالنجاء النجاء إلى أصحابك فإذا أتيتهم فأنت عليهم و إياك أن تبدأ القوم بقتال إن لم يبدءوك و ألقهم و اسمع منهم و لا يجرمنك شنآنهم على قتالهم قبل شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 213دعائهم و الإعذار إليهم مرة بعد مرة و اجعل على ميمنتك زيادا و على ميسرتك شريحا و قف من أصحابك وسطا و لا تدن منهم دنو من يريد أن ينشب الحرب و لا تتباعد عنهم تباعد من يهاب الناس حتى أقدم عليك فإني حث السير إليك إن شاء الله
قال و كتب علي ع إليهما و كان الرسول الحارث بن جمهان الجعفي
أما بعد فإني قد أمرت عليكما مالكا فاسمعا له و أطيعا أمره و هو ممن لا يخاف رهقه و لا سقاطه و لا بطؤه عما الإسراع إليه أحزم و لا إسراعه إلى ما البطء عنه أمثل و قد أمرته بمثل الذي أمرتكما ألا يبدأ القوم بقتال حتى يلقاهم و يدعوهم و يعذر إليهم إن شاء الله(4/183)
قال فخرج الأشتر حتى قدم على القوم فاتبع ما أمره به علي ع و كف عن القتال فلم يزالوا متواقفين حتى إذا كان عند المساء حمل عليهم أبو الأعور فثبتوا له و اضطربوا ساعة ثم إن أهل الشام انصرفوا ثم خرج هاشم بن عتبة في خيل و رجال حسن عدتها و عددها فخرج إليهم أبو الأعور السلمي فاقتتلوا يومهم ذلك تحمل الخيل على الخيل و الرجال على الرجال و صبر بعضهم لبعض ثم انصرفوا و بكر عليهم الأشتر فقتل من أهل الشام عبد الله بن المنذر التنوخي قتله ظبيان بن عمارة التميمي و ما هو يومئذ إلا فتى حديث السن و إن كان الشامي لفارس أهل الشام و أخذ الأشتر يقول ويحكم أروني أبا الأعور. ثم إن أبا الأعور دعا الناس فرجعوا نحوه فوقف على تل من وراء المكان الذي كان فيه أول مرة و جاء الأشتر حتى صف أصحابه في المكان الذي كان فيه أبو الأعور أول مرة فقال الأشتر لسنان بن مالك النخعي انطلق إلى أبو الأعور فادعه إلى المبارزة شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 214فقال إلى مبارزتي أم إلى مبارزتك فقال أ و لو أمرتك بمبارزته فعلت قال نعم و الذي لا إله إلا هو لو أمرتني أن أعترض صفهم بسيفي لفعلت حتى أضربه بالسيف فقال يا ابن أخي أطال الله بقاءك قد و الله ازددت فيك رغبة لا ما أمر بمبارزته إنما أمرتك أن تدعوه لمبارزتي فإنه لا يبارز إن كان ذلك من شأنه إلا ذوي الأسنان و الكفاءة و الشرف و أنت بحمد الله من أهل الكفاءة و الشرف و لكنك حديث السن و ليس يبارز الأحداث فاذهب فادعه إلى مبارزتي. فأتاهم فقال أنا رسول فآمنوني فجاء حتى انتهى إلى أبي الأعور. قال نصر فحدثني عمر بن سعد عن أبي زهير العبسي عن صالح بن سنان عن أبيه قال فقلت له إن الأشتر يدعوك إلى المبارزة قال فسكت عني طويلا ثم قال إن خفة الأشتر و سوء رأيه و هوانه دعاه إلى إجلاء عمال عثمان و افترائه عليه يقبح محاسنه و يجهل حقه و يظهر عداوته و من خفة الأشتر و سوء رأيه أنه سار إلى عثمان في داره و قراره(4/184)
فقتله فيمن قتله و أصبح متبعا بدمه لا حاجة لي في مبارزته. فقلت إنك قد تكلمت فاسمع حتى أجيبك فقال لا حاجة لي في جوابك و لا الاستماع منك اذهب عني و صاح بي أصحابه فانصرفت عنه و لو سمع لأسمعته عذر صاحبي و حجته. فرجعت إلى الأشتر فأخبرته أنه قد أبى المبارزة فقال لنفسه نظر. قال فتواقفنا فإذا هم قد انصرفوا قال و صبحنا علي ع غدوة سائرا نحو معاوية فإذا أبو الأعور قد سبق إلى سهولة الأرض و سعة المنزل و شريعة الماء مكان
شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 215أفيح و كان أبو الأعور على مقدمة معاوية و اسمه سفيان بن عمرو و قد جعل على ساقته بسر بن أرطاة العامري و على الخيل عبيد الله بن عمر بن الخطاب و دفع اللواء إلى عبد الرحمن بن خالد بن الوليد و جعل على ميمنته حبيب بن مسلمة الفهري ولى رجالته من الميمنة يزيد بن زحر الضبي و على الميسرة عبد الله بن عمرو بن العاص و على الرجالة من الميسرة حابس بن سعيد الطائي و على خيل دمشق الضحاك بن قيس الفهري و على رجالة أهل دمشق يزيد بن أسد بن كرز البجلي و على أهل حمص ذا الكلاع و على أهل فلسطين مسلمة بن مخلد و كان وصول علي ع إلى صفين لثمان بقين من المحرم من سنة سبع و ثلاثين(4/185)
شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 49216- و من خطبة له عالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بَطَنَ خَفِيَّاتِ الْأَمُوُرِ وَ دَلَّتْ عَلَيْهِ أَعْلَامُ الظُّهُورِ وَ امْتَنَعَ عَلَى عَيْنِ الْبَصِيرِ فَلَا عَيْنُ مَنْ لَمْ يَرَهُ تُنْكِرُهُ وَ لَا قَلْبُ مَنْ أَثْبَتَهُ يُبْصِرُهُ سَبَقَ فِي الْعُلُوِّ فَلَا شَيْ ءَ أَعلَى مِنْهُ وَ قَرُبَ فِي الدُّنُوِّ فَلَا شَيْ ءَ أَقْرَبُ مِنْهُ فَلَا اسْتِعْلَاؤُهُ بَاعَدَهُ عَنْ شَيْ ءٍ مِنْ خَلْقِهِ وَ لَا قُرْبُهُ سَاوَاهُمْ فِي الْمَكَانِ بِهِ لَمْ يُطْلِعِ الْعُقُولَ عَلَى تَحْدِيدِ صِفَتِهِ وَ لَمْ يَحْجُبْهَا عَنْ وَاجِبِ عْرِفَتِهِ فَهُوَ الَّذِي تَشْهَدُ لَهُ أَعْلَامُ الْوُجُودِ عَلَى إِقْرَارِ قَلْبِ ذِي الْجُحُودِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُهُ الْمُشَبِّهُونَ بِهِ وَ الْجَاحِدُونَ لَهُ عُلُوّاً كَبِيراً(4/186)