قال أجل إن لكل طامة طامة و البلاء موكل بالمنطق فذهبت مثلا. و أما هجرته ص إلى الطائف فكان معه علي ع و زيد بن شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 128حارثة في رواية أبي الحسن المدائني و لم يكن معهم أبو بكر و أما رواية محمد بن إسحاق فإنه قال كان معه زيد بن حارثة وحده غاب رسول الله ص عن مكة في هذه الهجرة أربعين يوما و دخل إليها في جوار مطعم بن عدي. و أما هجرته ص إلى بني عامر بن صعصعة و إخوانهم من قيس عيلان فإنه لم يكن معه إلا علي ع وحده و ذلك عقيب وفاة أبي طالب أوحي إليه ص أخرج منها فقد مات ناصرك فخرج إلى بني عامر بن صعصعة و معه علي ع وحده فعرض نفسه عليهم و سألهم النصر و تلا عليهم القرآن فلم يجيبوه فعادا ع إلى مكة و كانت مدة غيبته في هذه الهجرة عشرة أيام و هي أول هجرة هاجرها ص بنفسه. فأما أول هجرة هاجرها أصحابه و لم يهاجر بنفسه فهجرة الحبشة هاجر فيها كثير من أصحابه ع إلى بلاد الحبشة في البحر منهم جعفر بن أبي طالب ع فغابوا عنه سنين ثم قدم عليه منهم من سلم و طالت أيامه و كان قدوم جعفر عليه عام فتح خيبر
فقال ص ما أدري بأيهما أنا أسر أ بقدوم جعفر أم بفتح خيبر
شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 57129- و من كلام له ع كلم به الخوارجأَصَابَكُمْ حَاصِبٌ وَ لَا بَقِيَ مِنْكُمْ آبِرٌ أَ بَعْدَ إِيمَانِي بِاللَّهِ وَ جِهَادِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ص أَشْهَدُ عَلَى نَفْسِي بِالْكُفْرِ لَقَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَ مَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ فَأُوبُوا شَرَّ مَآبٍ وَ ارْجِعُوا عَلَى أَثَرِ الْأَعْقَابِ أَمَا إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي ذُلًّا شَامِلًا وَ سَيْفاً قَاطِعاً وَ أَثَرَةً يَتَّخِذُهَا الظَّالِمُونَ فِيكُمْ سُنَّةً(5/111)
قال الرضي رحمه الله قوله ع و لا بقي منكم آبر يروى على ثلاثة أوجه أحدها أن يكون كما ذكرناه آبر بالراء من قولهم رجل آبر للذي يأبر النخل أي يصلحه. و يروى آثر بالثاء بثلاث نقط يراد به الذي يأثر الحديث أي يرويه و يحكيه و هو أصح الوجوه عندي كأنه ع قال لا بقي منكم مخبر. و يروى آبز بالزاي المعجمة و هو الواثب و الهالك أيضا يقال له آبز
شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 130الحاصب الريح الشديدة التي تثير الحصباء و هو صغار الحصى و يقال لها أيضا حصبة قال لبيدجرت عليها إذ خوت من أهلها أذيالها كل عصوف حصبه
فأما التفسيرات التي فسر بها الرضي رحمه الله تعالى قوله ع آبر فيمكن أن يزاد فيها فيقال يجوز أن يريد بقوله و لا بقي منكم آبر أي نمام يفسد ذات البين و المئبرة النميمة و أبر فلان أي نم و الآبر أيضا من يبغي القوم الغوائل خفية مأخوذ من أبرت الكلب إذا أطعمته الإبرة في الخبز
و في الحديث المؤمن كالكلب المأبور
و يجوز أن يكون أصله هابر أي من يضرب بالسيف فيقطع و أبدلت الهاء همزة كما قالوا في آل أهل و إن صحت الرواية الأخرى آثر بالثاء بثلاث نقط فيمكن أن يريد به ساجي باطن خف البعير و كانوا يسجون باطن الخف بحديدة ليقتص أثره رجل آثر و بعير مأثور. و قوله ع فأوبوا شر مآب أي ارجعوا شر مرجع و الأعقاب جمع عقب بكسر القاف و هو مؤخر القدم و هذا كله دعاء عليهم قال لهم أولا أصابكم حاصب و هذا من دعاء العرب قال تميم بن أبي مقبل
فإذا خلت من أهلها و قطينها فأصابها الحصباء و السفان(5/112)
ثم قال لهم ثانيا لا بقي منكم مخبر ثم قال لهم ثالثا ارجعوا شر مرجع ثم قال لهم رابعا عودوا على أثر الأعقاب و هو مأخوذ من قوله تعالى وَ نُرَدُّ شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 131عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللَّهُ و المراد انعكاس حالهم و عودهم من العز إلالذل و من الهداية إلى الضلال. و قوله ع و أثرة يتخذها الظالمون فيكم سنة فالأثرة هاهنا الاستبداد عليهم بالفي ء و الغنائم و اطراح جانبهم و قال النبي ص للأنصار ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني
شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 132أخبار الخوارج و ذكر رجالهم و حروبهمو اعلم أن الخوارج على أمير المؤمنين ع كانوا أصحابه و أنصاره في الجمل و صفين قبل التحكيم و هذه المخاطبة لهم و هذا الدعاء عليهم و هذا الإخبار عن مستقبل حالهم و قد وقع ذلك فإن الله تعالى سلط على الخوارج بعده الذل الشامل و السيف القاطع و الأثرة من السلطان و ما زالت حالهم تضمحل حتى أفناهم الله تعالى و أفنى جمهورهم و لقد كان لهم من سيف المهلب بن أبي صفرة و بنيه الحتف القاضي و الموت الزؤام. و نحن نذكر من أخبار الخوارج و حروبهم هاهنا طرفا
عروة بن حدير
فمنهم عروة بن حدير أحد بني ربيعة بن حنظلة من بني تميم و يعرف بعروة بن أدية و أدية جدة له جاهلية و كان له أصحاب و و أتباع و شيعة فقتله زياد في خلافة معاوية صبرا
نجدة بن عويمر الحنفي(5/113)
و منهم نجدة بن عويمر الحنفي كان من رؤسائهم و له مقالة مفردة من مقالة الخوارج شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 133و له أتباع و أصحاب و إليهم أشار الصلتان العبدي بقولهأرى أمة شهرت سيفها و قد زيد في سوطها الأصبحي بنجدية أو حررية و أزرق يدعو إلى أزرقي فملتنا أننا مسلمون على دين صديقنا و النبي أشاب الصغير و أفنى الكبير مر الغداة و كر العشي إذا ليلة أهرمت يومها أتى بعد ذلك يوم فتي نروح و نغدو لحاجاتنا و حاجة من عاش لا تموت مع المرء حاجاته و تبقى له حاجة ما بقو كان نجدة يصلي بمكة بحذاء عبد الله بن الزبير في جمعة ]في كل جمعة[ و عبد الله يطلب الخلافة فيمسكان عن القتال من أجل الحرم. و قال الراعي يخاطب عبد الملك
إني حلفت على يمين برة لا أكذب اليوم الخليفة قيلاما إن أتيت أبا خبيب وافدا يوما أريد لبيعتي تبديلاو لما أتيت نجيدة بن عويمر أبغي الهدى فيزيدني تضليلامن نعمة الرحمن لا من حيلتي أنى أعد له علي فضولا
و استولى نجدة على اليمامة و عظم أمره حتى ملك اليمن و الطائف و عمان و البحرين و وادي تميم و عامر ثم إن أصحابه نقموا عليه أحكاما أحدثها في مذهبهم منها قوله إن شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 134المخطئ بعد الاجتهاد معذور و إن الدين أمران معرفة الله و معرفة رسوله ما سوى ذلك فالناس معذورون بجهله إلى أن تقوم عليهم الحجة فمن استحل محرما من طريق الاجتهاد فهو معذور حتى أن من تزوج أخته أو أمه مستحلا لذلك بجهالة فهو معذور و مؤمن فخلعوه و جعلوا اختيار الإمام إليه فاختار لهم أبا فديك أحد بني قيس بن ثعلبة فجعله رئيسهم ثم إن أبا فديك أنفذ إلى نجدة بعد من قتله ثم تولاه بعد قتله طوائف من أصحابه بعد أن تفرقوا عليه و قالوا قتل مظلوما
المستورد بن سعد التميمي(5/114)
و منهم المستورد بن سعد أحد بني تميم كان ممن شهد يوم النخيلة و نجا بنفسه فيمن نجا من سيف علي ع ثم خرج بعد ذلك بمدة على المغيرة بن شعبة و هو والي الكوفة لمعاوية بن أبي سفيان في جماعة من الخوارج فوجه المغيرة إليه معقل بن قيس الرياحي فلما تواقفا دعاه المستورد إلى المبارزة و قال له علام تقتل الناس بيني و بينك فقال معقل النصف سألت فأقسم عليه أصحابه فقال ما كنت لآبى عليه فخرج إليه فاختلفا ضربتين خر كل واحد منهما من ضربة صاحبه قتيلا. و كان المستورد ناسكا كثير الصلاة و له آداب و حكم مأثارة
حوثرة الأسدي
و منهم حوثرة الأسدي خرج على معاوية في عام الجماعة في عصابة من الخوارج فبعث إليه معاوية جيشا من أهل الكوفة فلما نظر حوثرة إليهم قال لهم يا أعداء الله أنتم بالأمس تقاتلون معاوية لتهدوا سلطانه و أنتم اليوم تقاتلون معه لتشدوا سلطانه فلما شرح نهج البلاغة ج : ص : 135التحمت الحرب قتل حوثرة قتله رجل من طيئ و فضت جموعه
قريب بن مرة و زحاف الطائي
و منهم قريب بن مرة الأزدي و زحاف الطائي كانا عابدين مجتهدين من أهل البصرة فخرجا في أيام معاوية في إمارة زياد و اختلف الناس أيهما كان الرئيس فاعترضا الناس فلقيا شيخا ناسكا من بني ضبيعة من ربيعة بن نزار فقتلاه و كان يقال له رؤبة الضبعي و تنادى الناس فخرج رجل من بني قطيعة من الأزد و في يده السيف فناداه الناس من ظهور البيوت الحرورية أنج بنفسك فنادوه لسنا حرورية نحن الشرط فوقف فقتلوه فبلغ أبا بلال مرداس بن أدية خبرهما فقال قريب لا قربه الله و زحاف لا عفا الله عنه ركباها عشواء مظلمة يريد اعتراضهما الناس ثم جعلا لا يمران بقبيلة إلا قتلا من وجدا حتى مرا على بني علي بن سود من الأزد و كانوا رماة كان فيهم مائة يجيدون الرمي فرموهم رميا شديدا فصاحوا يا بني علي البقيا لا رماء بيننا فقال رجل من بني علي بن سود(5/115)