المدائني عن ابن جعدة عن نافع عن ابن عمر قال أسلم علي و هو ابن ثلاث عشرة سنة. قال و أخبرنا إبراهيم بن المنذر الحرامي قال حدثنا محمد بن طلحة قال حدثني جدي إسحاق بن يحيى عن طلحة قال كان علي بن أبي طالب ع و الزبير بن العوام و طلحة بن عبيد الله و سعد بن أبي وقاص أعمارا واحدة. قال و أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا إسماعيل بن علي الخطبي قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا حجين أبو عمر قال حدثنا حبان عن معروف عن أبي معشر قال كان علي ع و طلحة و الزبير في سن واحدة. شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 122قال و روى عبد الرزاق عن الحسن و غيره أن أول من أسلم بعد خجة علي بن أبي طالب ع و هو ابن خمس عشرة سنة أو ست عشرة. قال أبو عمر و روى أبو زيد عمر بن شبة قال حدثنا شريح بن النعمان قال حدثنا الفرات بن السائب عن ميمون بن مهران عن ابن عمر قال أسلم علي و هو ابن ثلاث عشرة سنة و توفي و هو ابن ثلاث و ستين سنة. قال أبو عمر هذا أصح ما قيل في ذلك و الله أعلم. انتهى حكاية كلام أبي عمر في كتاب الإستيعاب. و اعلم أن شيوخنا المتكلمين لا يكادون يختلفون في أن أول الناس إسلاما علي بن أبي طالب ع إلا من عساه خالف في ذلك من أوائل البصريين فأما الذي تقررت المقالة عليه الآن فهو القول بأنه أسبق الناس إلى الإيمان لا تكاد تجد اليوم في تصانيفهم و عند متكلميهم و المحققين منهم خلافا في ذلك. و اعلم أن أمير المؤمنين ع ما زال يدعي ذلك لنفسه و يفتخر به و يجعله في أفضليته على غيره و يصرح بذلك و قد قال غير مرة أنا الصديق الأكبر و الفاروق الأول أسلمت قبل إسلام أبي بكر و صليت قبل صلاته. و روى عنه هذا الكلام بعينه أبو محمد بن قتيبة في كتاب المعارف و هو غير متهم في أمره.
و من الشعر المروي عنه ع في هذا المعنى الأبيات التي أولها
محمد النبي أخي و صهري و حمزة سيد الشهداء عمي
و من جملتها(5/106)
سبقتكم إلى الإسلام طرا غلاما ما بلغت أوان حلمي
شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 123و الأخبار الواردة في هذا الباب كثيرة جدا لا يتسع هذا الكتاب لذكرها فلتطلب من مظانها. و من تأمل كتب السير و التواريخ عرف من ذلك ما قلناه. فأما الذاهبون إلى أن أبا بكر أقدمهما إسلاما فنفر قليلون و نحن نذكر ما أورده ابن عبد البأيضا في كتاب الإستيعاب في ترجمة أبي بكر. قال أبو عمر حدثني خالد بن القاسم قال حدثنا أحمد بن محبوب قال حدثنا محمد بن عبدوس قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا شيخ لنا قال أخبرنا مجالد عن الشعبي قال سألت ابن عباس أو سئل أي الناس كان أول إسلاما فقال أ ما سمعت قول حسان بن ثابت
إذا تذكرت شجوا من أخي ثقة فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلاخير البرية أتقاها و أعدلها بعد النبي و أوفاها بما حملاو الثاني التالي المحمود مشهده و أول الناس منهم صدق الرسلا
و يروى أن النبي ص قال لحسان هل قلت في أبي بكر شيئا قال نعم و أنشده هذه الأبيات و فيها بيت رابع
و ثاني اثنين في الغار المنيف و قد طاف العدو به إذ صعدوا الجبلا
فسر بذلك رسول الله ص و قال أحسنت يا حسان و قد روي فيها بيت خامس
و كان حب رسول الله قد علموا من البرية لم يعدل به رجلا
شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 124و قال أبو عمر و روى شعبة عن عمرو بن مرة عن إبراهيم النخعي قال أول من أسلم أبو بكر. قال و روى الجريري عن أبي نصر قال قال أبو بكر لعلي ع أنا أسلمت قبلك في حديث ذكره فلم ينكره عليه. قال أبو عمر و قال فيه أبو محجن الثقفيو سميت صديقا و كل مهاجر سواك يسمى باسمه غير منكرسبقت إلى الإسلام و الله شاهد و كنت جليسا بالعريش المشهرو بالغار إذ سميت خلا و صاحبا و كنت رفيقا للنبي المطهر(5/107)
قال أبو عمر و روينا من وجوه عن أبي أمامة الباهلي قال حدثني عمرو بن عبسة قال أتيت رسول الله ص و هو نازل بعكاظ فقلت يا رسول الله ص من اتبعك على هذا الأمر فقال حر و عبد أبو بكر و بلال قال فأسلمت عند ذلك
و ذكر الحديث. هذا مجموع ما ذكره أبو عمر بن عبد البر في هذا الباب في ترجمة أبي بكر و معلوم أنه لا نسبة لهذه الروايات إلى الروايات التي ذكرها في ترجمة علي ع الدالة على سبقه و لا ريب أن الصحيح ما ذكره أبو عمر أن عليا ع كان هو السابق و أن أبا بكر هو أول من أظهر إسلامه فظن أن السبق له. و أما زيد بن حارثة فإن أبا عمر بن عبد البر رضي الله تعالى عنه ذكر في كتاب الإستيعاب أيضا في ترجمة زيد بن حارثة قال ذكر معمر بن شبة في جامعه عن الزهري أنه قال ما علمنا أحدا أسلم قبل زيد بن حارثة. شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 125قال د الرزاق و ما أعلم أحدا ذكره غير الزهري. و لم يذكر صاحب الإستيعاب ما يدل على سبق زيد إلا هذه الرواية و استغربها فدل مجموع ما ذكرناه أن عليا ع أول الناس إسلاما و أن المخالف في ذلك شاذ و الشاذ لا يعتد به
فصل فيما ذكر من سبق علي إلى الهجرة(5/108)
المسألة السابعة أن يقال كيف قال إنه سبق إلى الهجرة و معلوم أن جماعة من المسلمين هاجروا قبله منهم عثمان بن مظعون و غيره و قد هاجر أبو بكر قبله لأنه هاجر في صحبة النبي ص و تخلف علي ع عنهما فبات على فراش رسول الله ص و مكث أياما يرد الودائع التي كانت عنده ثم هاجر بعد ذلك. و الجواب أنه ع لم يقل و سبقت كل الناس إلى الهجرة و إنما قال و سبقت فقط و لا يدل ذلك على سبقه للناس كافة و لا شبهة أنه سبق معظم المهاجرين إلى الهجرة و لم يهاجر قبله أحد إلا نفر يسير جدا. و أيضا فقد قلنا إنه علل أفضليته و تحريم البراءة منه مع الإكراه بمجموع أمور منها ولادته على الفطرة و منها سبقه إلى الإيمان و منها سبقه إلى الهجرة و هذه الأمور الثلاثة لم تجتمع لأحد غيره فكان بمجموعها متميزا عن كل أحد من الناس. و أيضا فإن اللام في الهجرة يجوز ألا تكون للمعهود السابق بل تكون للجنس و أمير المؤمنين ع سبق أبا بكر و غيره إلى الهجرة التي قبل هجرة المدينة فإن النبي ص هاجر عن مكة مرارا يطوف على أحياء العرب و ينتقل من شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 126أرض قوم إلى غيرها و كان علي ع معه دون غيره. أما هجرته إلى بني شيبان فما اختلف أحد من أهل السيرة أن عليا ع كان ه هو و أبو بكر و أنهم غابوا عن مكة ثلاثة عشر يوما و عادوا إليها لما لم يجدوا عند بني شيبان ما أرادوه من النصرة. و روى المدائني في كتاب الأمثال عن المفضل الضبي أن رسول الله ص لما خرج عن مكة يعرض نفسه على قبائل العرب خرج إلى ربيعة و معه علي ع و أبو بكر فدفعوا إلى مجلس من مجالس العرب فتقدم أبو بكر و كان نسابة فسلم فردوا عليه السلام فقال ممن القوم قالوا من ربيعة قال أ من هامتها أم من لهازمها قالوا من هامتها العظمى فقال من أي هامتها العظمى أنتم قالوا من ذهل الأكبر قال أ فمنكم عوف الذي يقال له لا حر بوادي عوف قالوا لا قال أ فمنكم بسطام ذو اللواء و منتهى الأحياء قالوا لا قال أ(5/109)
فمنكم جساس حامي الذمار و مانع الجار قالوا لا قال أ فمنكم الحوفزان قاتل الملوك و سالبها أنفسها قالوا لا قال أ فمنكم المزدلف صاحب العمامة الفردة قالوا لا قال أ فأنتم أخوال الملوك من كندة قالوا لا قال فلستم إذن ذهلا الأكبر أنتم ذهل الأصغر فقام إليه غلام قد بقل وجهه اسمه دغفل فقال
إن على سائلنا أن نسأله و العب ء لا تعرفه أو تحمل شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 127يا هذا إنك قد سألتنا فأجبناك و لم نكتمك شيئا فممن الرجل قال من قريش قال بخ بخ أهل الشرف و الرئاسة فمن أي قريش أنت قال من تيم بن مرة قال أمكنت و الله الرامي من الثغرة أ منكم قصي بن كلاب الذي جمع القبائل من فهر فكان يدعى مجمعاال لا قال أ فمنكم هاشم الذي هشم لقومه الثريد قال لا قال أ فمنكم شيبة الحمد مطعم طير السماء قال لا قال أ فمن المفيضين بالناس أنت قال لا قال أ فمن أهل الندوة أنت قال لا قال أ فمن أهل الرفادة أنت قال لا قال أ فمن أهل الحجابة أنت قال لا قال أ فمن أهل السقاية قال لا قال فاجتذب أبو بكر زمام ناقته و رجع إلى رسول الله ص هاربا من الغلام فقال دغفل
صادف درء السيل درء يصدعه
أما و الله لو ثبت لأخبرتك أنك من زمعات قريش فتبسم رسول الله ص
و قال علي ع لأبي بكر لقد وقعت يا أبا بكر من الأعرابي على باقعة(5/110)