قال شيخنا أبو القاسم البلخي من المعلوم الذي لا ريب فيه لاشتهار الخبر به و إطباق الناس عليه أن الوليد بن عقبة بن أبي معيط كان يبغض عليا و يشتمه و أنه هو الذي لاحاه في حياة رسول الله ص و نابذه و قال له أنا أثبت منك جنانا و أحد سنانا فقال له علي ع اسكت يا فاسق فأنزل الله تعالى فيهما أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ الآيات المتلوة و سمي الوليد بحسب ذلك في حياة رسول الله ص الفاسق فكان لا يعرف إلا بالوليد الفاسق. شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 81و هذه الآية من الآيات التي نزل فيها القرآن بافقة علي ع كما نزل في مواضع بموافقة عمر و سماه الله تعالى فاسقا في آية أخرى و هو قوله تعالى إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا و سبب نزولها مشهور و هو كذبه على بني المصطلق و ادعاؤه أنهم منعوا الزكاة و شهروا السيف حتى أمر النبي ص بالتجهز للمسير إليهم فأنزل الله تعالى في تكذيبه و براءة ساحة القوم هذه الآية. و كان الوليد مذموما معيبا عند رسول الله ص يشنؤه و يعرض عنه و كان الوليد يبغض رسول الله ص أيضا و يشنؤه و أبوه عقبة بن أبي معيط هو العدو الأزرق بمكة و الذي كان يؤذي رسول الله ص في نفسه و أهله و أخباره في ذلك مشهورة فلما ظفر به يوم بدر ضرب عنقه و ورث ابنه الوليد الشنئان و البغضة لمحمد و أهله فلم يزل عليهما إلى أن مات. قال الشيخ أبو القاسم و هو أحد الصبية الذين قال أبو عقبة فيهم و قد قدم ليضرب عنقه من للصبية يا محمد فقال النار اضربوا عنقه. قال و للوليد شعر يقصد فيه الرد على رسول الله ص حيث
قال إن تولوها عليا تجدوه هاديا مهديا(5/71)


قال و ذلك أن عليا ع لما قتل قصد بنوه أن يخفوا قبره خوفا من بني أمية أن يحدثوا في قبره حدثا فأوهموا الناس في موضع قبره تلك الليلة و هي ليلة دفنه إيهامات مختلفة فشدوا على جمل تابوتا موثقا بالحبال يفوح منه روائح الكافور و أخرجوه من الكوفة في سواد الليل صحبة ثقاتهم يوهمون أنهم يحملونه إلى المدينة فيدفنونه عند فاطمة ع و أخرجوا بغلا و عليه جنازة مغطاة شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 82يوهمون أنهم يدفنونه بالحيرة و حفروا حفائر عدة منها بالمسجد و منها برحبة القصر قصر الإمارة و منها في حجرة من دور آل جعدة بن هبيرة المخزي و منها في أصل دار عبد الله بن يزيد القسري بحذاء باب الوراقين مما يلي قبلة المسجد و منها في الكناسة و منها في الثوية فعمي على الناس موضع قبره و لم يعلم دفنه على الحقيقة إلا بنوه و الخواص المخلصون من أصحابه فإنهم خرجوا به ع وقت السحر في الليلة الحادية و العشرين من شهر رمضان فدفنوه على النجف بالموضع المعروف بالغري بوصاة منه ع إليهم في ذلك و عهد كان عهد به إليهم و عمي موضع قبره على الناس و اختلفت الأراجيف في صبيحة ذلك اليوم اختلافا شديدا و افترقت الأقوال في موضع قبره الشريف و تشعبت و ادعى قوم أن جماعة من طيئ وقعوا على جمل في تلك الليلة و قد أضله أصحابه ببلادهم و عليه صندوق فظنوا فيه مالا فلما رأوا ما فيه خافوا أن يطلبوا به فدفنوا الصندوق بما فيه و نحروا البعير و أكلوه و شاع ذلك في بني أمية و شيعتهم و اعتقدوه حقا فقال الوليد بن عقبة من أبيات يذكره ع فيها
فإن يك قد ضل البعير بحمله فما كان مهديا و لا كان هاديا(5/72)


و روى الشيخ أبو القاسم البلخي أيضا عن جرير بن عبد الحميد عن مغيرة الضبي قال مر ناس بالحسن بن علي ع و هم يريدون عيادة الوليد بن عقبة و هو في علة له شديدة فأتاه الحسن ع معهم عائدا فقال للحسن أتوب إلى الله تعالى مما كان بيني و بين جميع الناس إلا ما كان بيني و بين أبيك فإني لا أتوب منه. قال شيخنا أبو القاسم البلخي و أكد بغضه له ضربه إياه الحد في ولاية عثمان و عزله عن الكوفة. شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 83و قد اتفقت الأخبار الصحيحة التي لا ريب فيها عند المحدثين على أن النبي ص قال لا يبغضك إلا منافق و لا يحبك إلا مؤمن
قال و روى حبة العرني عن علي ع أنه قال إن الله عز و جل أخذ ميثاق كل مؤمن على حبي و ميثاق كل منافق على بغضي فلو ضربت وجه المؤمن بالسيف ما أبغضني و لو صببت الدنيا على المنافق ما أحبني
و روى عبد الكريم بن هلال عن أسلم المكي عن أبي الطفيل قال سمعت عليا ع و هو يقول لو ضربت خياشيم المؤمن بالسيف ما أبغضني و لو نثرت على المنافق ذهبا و فضة ما أحبني إن الله أخذ ميثاق المؤمنين بحبي و ميثاق المنافقين ببغضي فلا يبغضني مؤمن و لا يحبني منافق أبدا(5/73)


قال الشيخ أبو القاسم البلخي و قد روى كثير من أرباب الحديث عن جماعة من الصحابة قالوا ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله ص إلا ببغض علي بن أبي طالب. ذكر إبراهيم بن هلال صاحب كتاب الغارات فيمن فارق عليا ع و التحق بمعاوية يزيد بن حجية التيمي من بني تيم بن ثعلبة بن بكر بن وائل و كان ع قد استعمله على الري و دستبني فكسر الخوارج و احتجن المال لنفسه فحبسه علي ع و جعل معه سعدا مولاه فقرب يزيد ركائبه و سعد نائم فالتحق بمعاوية و قال شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 8خادعت سعدا و ارتمت بي ركائبي إلى الشام و اخترت الذي هو أفضل و غادرت سعدا نائما في عباءة و سعد غلام مستهام مضللثم خرج حتى أتى الرقة و كذلك كان يصنع من يفارق عليا ع يبدأ بالرقة حتى يستأذن معاوية في القدوم عليه و كانت الرقة و الرها و قرقيسيا و حران من حيز معاوية و عليها الضحاك بن قيس و كانت هيت و عانات و نصيبين و دارا و آمد و سنجار من حيز علي ع و عليها الأشتر و كانا يقتتلان في كل شهر. و قال يزيد بن حجية و هو بالرقة يهجو عليا ع
يا طول ليلي بالرقات لم أنم من غير عشق صبت نفسي و لا سقم لكن لذكر أمور جمة طرقت أخشى على الأصل منها زلة القدم أخشى عليا عليهم أن يكون لهم مثل العقور الذي عفى على إرو بعد ذلك ما لا نذكره. قال إبراهيم بن هلال و قد كان زياد بن خصفة التيمي قال لعلي ع يوم هرب يزيد بن حجية ابعثني يا أمير المؤمنين في أثره أرده إليك فبلغ قوله يزيد بن حجية فقال في ذلك(5/74)


أبلغ زيادا أنني قد كفيته أموري و خليت الذي هو عاتبه و باب شديد موثق قد فتحته عليك و قد أعيت عليك مذاهبه هبلت أ ما ترجو غنائي و مشهدي إذ الخصم لم يوجد له من يجاذب شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 85فأقسم لو لا أن أمك أمنا و أنك مولى ما طفقت أعاتبه و أقسم لو أدركتني ما رددتني كلانا قد اصطفت إليه جلائقال ابن هلال و كتب إلى العراق شعرا يذم فيه عليا ع و يخبره أنه من أعدائه فدعا عليه و قال لأصحابه عقيب الصلاة ارفعوا أيديكم فادعوا عليه فدعا عليه و أمن أصحابه.
قال أبو الصلت التيمي كان دعاؤه عليه اللهم إن يزيد بن حجية هرب بمال المسلمين و لحق بالقوم الفاسقين فاكفنا مكره و كيده و اجزه جزاء الظالمين
قال و رفع القوم أيديهم يؤمنون و كان في المسجد عفاق بن شرحبيل بن أبي رهم التيمي شيخا كبيرا و كان يعد ممن شهد على حجر بن عدي حتى قتله معاوية فقال عفاق على من يدعو القوم قالوا على يزيد بن حجية فقال تربت أيديكم أ على أشرافنا تدعون فقاموا إليه فضربوه حتى كاد يهلك و قام زياد بن خصفة و كان من شيعة علي ع فقال دعوا لي ابن عمي فقال علي ع دعوا للرجل ابن عمه فتركه الناس فأخذ زياد بيده فأخرجه من المسجد و جعل يمشي معه يمسح التراب عن وجهه و عفاق يقول و الله لا أحبكم ما سعيت و مشيت و الله لا أحبكم ما اختلفت الدرة و الجرة و زياد يقول ذلك أضر لك ذلك شر لك. و قال زياد بن خصفة يذكر ضرب الناس عفاقا
دعوت عفاقا للهدى فاستغشني و ولى فريا قوله و هو مغضب و لو لا دفاعي عن عفاق و مشهدي هوت بعفاق عوض عنقاء مغرب شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 86أنبئه أن الهدى في اتباعنا فيأبى و يضريه المراء فيشغب فإن لا يشايعنا عفاق فإننا على الحق ما غنى الحمام المطرب سيغني الإله عن عفاق و سعيه إذا بعثت للناس جأواء تحرب قبائل من حيي معد و مثلها يمانية لا تنثني حين تندب لهم عدد مراب و طاعة تود و بأس في الوغى لا يؤنب(5/75)

40 / 148
ع
En
A+
A-