ثم قال الحمد لله الذي لم أكن عنده منسيا الحمد لله الذي ذكرني عنده في كتب الأبرار
فمضى الراهب معه فكان فيما ذكروا يتغدى مع أمير المؤمنين و يتعشى حتى أصيب يوم صفين فلما خرج الناس يدفنون قتلاهم
قال ع اطلبوه فلما وجدوه صلى عليه و دفنه و قال هذا منا أهل البيت و استغفر له مرارا
روى هذا الخبر نصر بن مزاحم في كتاب صفين عن عمر بن سعد عن مسلم الأعور عن حبة العرني و رواه أيضا إبراهيم بن ديزيل الهمداني بهذا الإسناد عن حبة أيضا في كتاب صفين.
و روى ابن ديزيل في هذا الكتاب قال حدثني يحيى بن سليمان حدثني يحيى بن عبد الملك بن حميد بن عتيبة عن أبيه عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه و محمد شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 207بن فضيل عن الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أبي سعيد الخدري رحمه الله قال كنا مع رسول الله فانقطع شسع نعله فألقاها إلى علي ع يصلحها ثم قال إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله فقال أبو بكر الصديق أنا هو يا رسول الله فقال لا فقال عمر بن الخطاب أنا هو يا رسول الله قال لا و لكنه ذاكم خاصف النعل
و يد علي ع على نعل النبي ص يصلحها. قال أبو سعيد فأتيت عليا ع فبشرته بذلك فلم يحفل به كأنه شي ء قد كان علمه من قبل. و روى ابن ديزيل في هذا الكتاب أيضا عن يحيى بن سليمان عن ابن فضيل عن إبراهيم الهجري عن أبي صادق قال قدم علينا أبو أيوب الأنصاري العراق فأهدت ه الأزد جزرا فبعثوها معي فدخلت إليه فسلمت عليه و قلت له يا أبا أيوب قد كرمك الله عز و جل بصحبة نبيه ص و نزوله عليك فما لي أراك تستقبل الناس بسيفك تقاتلهم هؤلاء مرة و هؤلاء مرة قال إن رسول الله ص عهد إلينا أن نقاتل مع علي الناكثين فقد قاتلناهم و عهد إلينا أن نقاتل معه القاسطين فهذا وجهنا إليهم يعني معاوية و أصحابه و عهد إلينا أن نقاتل معه المارقين و لم أرهم بعد.(4/177)
و روى ابن ديزيل أيضا في هذا الكتاب عن يحيى عن يعلى بن عبيد الحنفي عن إسماعيل السدي عن زيد بن أرقم قال كنا مع رسول الله ص و هو شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 208في الحجرة يوحى إليه و نحن ننتظره حتى اشتد الحر فجاء علي بن أبي طالب و معه فاطمة و حسن و حسين ع فقعا في ظل حائط ينتظرونه فلما خرج رسول الله ص رآهم فأتاهم و وقفنا نحن مكاننا ثم جاء إلينا و هو يظلهم بثوبه ممسكا بطرف الثوب و علي ممسك بطرفه الآخر و هو يقول اللهم إني أحبهم فأحبهم اللهم إني سلم لمن سالمهم و حرب لمن حاربهم قال فقال ذلك ثلاث مرات
قال إبراهيم في الكتاب المذكور و حدثنا يحيى بن سليمان قال حدثنا ابن فضيل قال حدثنا الحسن بن الحكم النخعي عن رباح بن الحارث النخعي قال كنت جالسا عند علي ع إذ قدم عليه قوم متلثمون فقالوا السلام عليك يا مولانا فقال لهم أ و لستم قوما عربا قالوا بلى و لكنا سمعنا رسول الله ص يقول يوم غدير خم من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه و انصر من نصره و اخذل من خذله قال فلقد رأيت عليا ع ضحك حتى بدت نواجذه ثم قال اشهدوا
ثم إن القوم مضوا إلى رحالهم فتبعتهم فقلت لرجل منهم من القوم قالوا نحن رهط من الأنصار و ذاك يعنون رجلا منهم أبو أيوب صاحب منزل رسول الله ص قال فأتيته فصافحته.
قال نصر و حدثني عمر بن سعد عن نمير بن وعلة عن أبي الوداك أن عليا ع بعث من المدائن معقل بن قيس الرياحي في ثلاث آلاف و قال له خذ على شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 209الموصل ثم نصيبين ثم القنى بالرقة فإني موافيها و سكن الناس و أمنهم و لا تقاتل إلا من قاتلك و سالبردين و غور بالناس أقم الليل و رفه في السير و لا تسر أول الليل فإن الله جعله سكنا أرح فيه بدنك و جندك و ظهرك فإذا كان السحر أو حين يتبلج الفجر فسر(4/178)
فسار حتى أتى الحديثة و هي إذ ذاك منزل الناس و إنما بنى مدينة الموصل بعد ذلك محمد بن مروان فإذا بكبشين ينتطحان و مع معقل بن قيس رجل من خثعم يقال له شداد بن أبي ربيعة قتل بعد ذلك مع الحرورية فأخذ يقول إيه إيه فقال معقل ما تقول فجاء رجلان نحو الكبشين فأخذ كل واحد منهما كبشا و انصرفا فقال الخثعمي لمعقل لا تغلبون و لا تغلبون فقال معقل من أين علمت قال أ ما أبصرت الكبشين أحدهما مشرق و الآخر مغرب التقيا فاقتتلا و انتطحا فلم يزل كل واحد من مصاحبه منتصفا حتى أتى كل واحد منهما صاحبه فانطلق به فقال معقل أ و يكون خيرا مما تقول يا أخا خثعم ثم مضى حتى وافى عليا ع بالرقة. قال نصر و قالت طائفة من أصحاب علي ع له يا أمير المؤمنين اكتب إلى معاوية و من قبله من قومك فإن الحجة لا تزداد عليهم بذلك إلا عظما(4/179)
فكتب إليهم ع بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية و من قبله من قريش شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 210سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإن لله عبادا آمنوا بالتنزيل و عرفوا التأويل و فقهوا في الدين و بين ال فضلهم في القرآن الحكيم و أنتم في ذلك الزمان أعداء للرسول تكذبون بالكتاب مجمعون على حرب المسلمين من ثقفتم منهم حبستموه أو عذبتموه أو قتلتموه حتى أراد الله تعالى إعزاز دينه و إظهار أمره فدخلت العرب في الدين أفواجا و أسلمت له هذه الأمة طوعا و كرها فكنتم فيمن دخل في هذا الدين إما رغبة و إما رهبة على حين فاز أهل السبق بسبقهم و فاز المهاجرون الأولون بفضلهم و لا ينبغي لمن ليست له مثل سوابقهم في الدين و لا فضائلهم في الإسلام أن ينازعهم الأمر الذي هم أهله و أولى به فيجور و يظلم و لا ينبغي لمن كان له عقل أن يجهل قدره و يعدو طوره و يشقى نفسه بالتماس ما ليس بأهله فإن أولى الناس بأمر هذه الأمة قديما و حديثا أقربها من الرسول و أعلمها بالكتاب و أفقهها في الدين أولها إسلاما و أفضلها جهادا و أشدها بما تحمله الأئمة من أمر الأمة اضطلاعا فاتقوا الله الذي إليه ترجعون و لا تلبسوا الحق بالباطل و تكتموا الحق و أنتم تعلمون و اعلموا أن خيار عباد الله الذين يعملون بما يعلمون و أن شرارهم الجهال الذين ينازعون بالجهل أهل العلم فإن للعالم بعلمه فضلا و إن الجاهل لا يزداد بمنازعته العالم إلا جهلا ألا و إني أدعوكم إلى كتاب الله و سنة نبيه و حقن دماء هذه الأمة فإن قبلتم أصبتم رشدكم و اهتديتم لحظكم و إن أبيتم إلا الفرقة و شق عصا هذه الأمة لم تزدادوا من الله إلا بعدا و لا يزداد الرب عليكم إلا سخطا و السلام
فكتب إليه معاوية جواب هذا الكتاب سطرا واحدا و هو أما بعد فإنه شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 21ليس بيني و بين قيس عتاب غير طعن الكلي و ضرب الرقاب(4/180)
فقال علي ع لما أتاه هذا الجواب إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ
قال نصر و قال علي ع لأهل الرقة جسروا لي جسرا أعبر عليه من هذا المكان إلى الشام
فأبوا و قد كانوا ضموا السفن إليهم فنهض من عندهم ليعبر على جسر منبج و خلف عليهم الأشتر فقال يا أهل هذا الحصن إني أقسم بالله إن مضى أمير المؤمنين ع و لم تجسروا له عند مدينتكم حتى يعبر منها لأجردن فيكم السيف فلأقتلن مقاتلكم و لأخربن أرضكم و لآخذن أموالكم. فلقي بعضهم بعضا فقالوا إن الأشتر يفي بما حلف عليه و إنما خلفه علي عندنا ليأتينا بشر فبعثوا إليه إنا ناصبون لكم جسرا فأقبلوا فأرسل الأشتر إلى علي ع فجاء و نصبوا له الجسر فعبر الأثقال و الرجال و أمر الأشتر فوقف في ثلاثة آلاف فارس حتى لم يبق من الناس أحد إلا عبر ثم عبر آخر الناس رجلا. قال نصر و ازدحمت الخيل حين عبرت فسقطت قلنسوة عبد الله بن أبي الحصين فنزل فأخذها و ركب ثم سقطت قلنسوة عبد الله بن الحجاج فنزل فأخذها ثم ركب فقال لصاحبه
فإن يك ظن الزاجري الطير صادقا كما زعموا أقتل وشيكا و تقتل(4/181)