فجاء شاب من الكوفة فجلس إليه فقال يا أبا هريرة أنشدك الله أ سمعت
رسول الله ص يقول لعلي بن أبي طالب اللهم وال من والاه و عاد من عاداه
فقال اللهم نعم قال فأشهد بالله لقد واليت عدوه و عاديت وليه ثم قام عنه. شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 69و روت الرواة أن أبا هريرة كان يؤاكل الصبيان في الطريق و يلعب معهم و كان يخطب و هو أمير المدينة فيقول الحمد لله الذي جعل الدين قياما و أبا هريرة إماما يضحك ناس بذلك و كان يمشي و هو أمير المدينة في السوق فإذا انتهى إلى رجل يمشي أمامه ضرب برجليه الأرض و يقول الطريق الطريق قد جاء الأمير يعني نفسه. قلت قد ذكر ابن قتيبة هذا كله في كتاب المعارف في ترجمة أبي هريرة و قوله فيه حجة لأنه غير متهم عليه. قال أبو جعفر و كان المغيرة بن شعبة يلعن عليا ع لعنا صريحا على منبر الكوفة و كان بلغه عن علي ع في أيام عمر أنه قال لئن رأيت المغيرة لأرجمنه بأحجاره يعني واقعة الزناء بالمرأة التي شهد عليه فيها أبو بكرة و نكل زياد عن الشهادة فكان يبغضه لذاك و لغيره من أحوال اجتمعت في نفسه. قال و قد تظاهرت الرواية عن عروة بن الزبير أنه كان يأخذه الزمع عند ذكر علي ع فيسبه و يضرب بإحدى يديه على الأخرى و يقول و ما يغني أنه لم يخالف إلى ما نهي عنه و قد أراق من دماء المسلمين ما أراق. قال و قد كان في المحدثين من يبغضه ع و يروي فيه الأحاديث المنكرة منهم حريز بن عثمان كان يبغضه و ينتقصه و يروي فيه أخبارا مكذوبة و قد روى شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 70المحدثون أن حريزا رؤي في المنام بعد موته فقيل له ما فعل الله بك قال كاد يغفر لي لو لا بغض علي. قلت قد روى أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفقال حدثني أبو جعفر بن الجنيد قال حدثني إبراهيم بن الجنيد قال حدثني محفوظ بن المفضل بن عمر قال حدثني أبو البهلول يوسف بن يعقوب قال حدثنا حمزة بن حسان و كان مولى لبني أمية و كان مؤذنا عشرين(5/61)


سنة و حج غير حجة و أثنى أبو البهلول عليه خيرا قال حضرت حريز بن عثمان و ذكر علي بن أبي طالب فقال ذاك الذي أحل حرم رسول الله ص حتى كاد يقع. قال محفوظ قلت ليحيي بن صالح الوحاظي قد رويت عن مشايخ من نظراء حريز فما بالك لم تحمل عن حريز قال إني أتيته فناولني كتابا فإذا فيه
حدثني فلان عن فلان إن النبي ص لما حضرته الوفاة أوصى أن تقطع يد علي بن أبي طالب ع
فرددت الكتاب و لم أستحل أن أكتب عنه شيئا. قال أبو بكر و حدثني أبو جعفر قال حدثني إبراهيم قال حدثني محمد بن عاصم صاحب الخانات قال قال لنا حريز بن عثمان أنتم يا أهل العراق تحبون علي بن أبي طالب ع و نحن نبغضه قالوا لم قال لأنه قتل أجدادي. قال محمد بن عاصم و كان حريز بن عثمان نازلا علينا. قال أبو جعفر رحمه الله تعالى و كان المغيرة بن شعبة صاحب دنيا يبيع دينه بالقليل النزر منها و يرضي معاوية بذكر علي بن أبي طالب ع قال يوما في مجلس معاوية إن عليا لم ينكحه رسول الله ابنته حبا و لكنه أراد أن يكافئ بذلك إحسان أبي طالب إليه. شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 71قال و قد صح عندنا أن المغيرة لعنه على منبر العراق مرات لا تحصى و يروى أنه لما مات و دفنوه أقبل رجل راكب ظليما فوقف قريبا منه ثم قالأ من رسم دار من مغيرة تعرف عليها زواني الإنس و الجن تعزف فإن كنت قد لاقيت فرعون بعدنا و هامان فاعلم أن ذا العرش منصفقال فطلبوه فغاب عنهم و لم يروا أحدا فعلموا أنه من الجن. قال فأما مروان بن الحكم فأحقر و أقل من أن يذكر في الصحابة الذين قد غمصناهم و أوضحنا سوء رأينا فيهم لأنه كان مجاهرا بالإلحاد هو و أبوه الحكم بن أبي العاص و هما الطريدان اللعينان كان أبوه عدو رسول الله ص يحكيه في مشيه و يغمز عليه عينه و يدلع له لسانه و يتهكم به و يتهانف عليه هذا و هو في قبضته و تحت يده و في دار دعوته بالمدينة و هو يعلم أنه قادر على قتله أي وقت شاء من ليل أو نهار فهل يكون هذا إلا(5/62)


من شانئ شديد البغضة و مستحكم العداوة حتى أفضى أمره إلى أن طرده رسول الله ص عن المدينة و سيره إلى الطائف. و أما مروان ابنه فأخبث عقيدة و أعظم إلحادا و كفرا و هو الذي خطب يوم وصل إليه رأس الحسين ع إلى المدينة و هو يومئذ أميرها و قد حمل الرأس على يديه فقال
يا حبذا بردك في اليدين و حمرة تجري على الخدين كأنما بت بمسجدين شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 72ثم رمى بالرأس نحو قبر النبي و قال يا محمد يوم بيوم بدر و هذا القول مشتق من الشعر الذي تمثل به يزيد بن معاوية و هو شعر ابن الزبعري يوم وصل الرأس إليه. و الخبر مشهور. قلت هكذا قال شيخنا أبو جعفر و الصحيح أن مروان لم يكن أمير الينة يومئذ بل كان أميرها عمرو بن سعيد بن العاص و لم يحمل إليه الرأس و إنما كتب إليه عبيد الله بن زياد يبشره بقتل الحسين ع فقرأ كتابه على المنبر و أنشد الرجز المذكور و أومأ إلى القبر قائلا يوم بيوم بدر فأنكر عليه قوله قوم من الأنصار. ذكر ذلك أبو عبيدة في كتاب المثالب. قال و روى الواقدي أن معاوية لما عاد من العراق إلى الشام بعد بيعة الحسن ع و اجتماع الناس إليه خطب فقال أيها الناس
إن رسول الله ص قال لي إنك ستلي الخلافة من بعدي فاختر الأرض المقدسة فإن فيها الأبدال(5/63)


و قد اخترتكم فالعنوا أبا تراب فلعنوه فلما كان من الغد كتب كتابا ثم جمعهم فقرأه عليهم و فيه هذا كتاب كتبه أمير المؤمنين معاوية صاحب وحي الله الذي بعث محمدا نبيا و كان أميا لا يقرأ و لا يكتب فاصطفى له من أهله وزيرا كاتبا أمينا فكان الوحي ينزل على محمد و أنا أكتبه و هو لا يعلم ما أكتب فلم يكن بيني و بين الله أحد من خلقه فقال له الحاضرون كلهم صدقت يا أمير المؤمنين. شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 73قال أبو جعفر و قد روي أن معاوية بذل لسمرة بن جندب مائة ألف درهم حتى يروي أن هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب وَ مِنَ نَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَ هُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ وَ إِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَ يُهْلِكَ الْحَرْثَ وَ النَّسْلَ وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ و أن الآية الثانية نزلت في ابن ملجم و هي قوله تعالى وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ فلم يقبل فبذل له مائتي ألف درهم فلم يقبل فبذل له ثلاثمائة ألف فلم يقبل فبذل له أربعمائة ألف فقبل و روى ذلك. قال و قد صح أن بني أمية منعوا من إظهار فضائل علي ع و عاقبوا على ذلك الراوي له حتى أن الرجل إذا روى عنه حديثا لا يتعلق بفضله بل بشرائع الدين لا يتجاسر على ذكر اسمه فيقول عن أبي زينب. و روى عطاء عن عبد الله بن شداد بن الهاد قال وددت أن أترك فأحدث بفضائل علي بن أبي طالب ع يوما إلى الليل و أن عنقي هذه ضربت بالسيف. قال فالأحاديث الواردة في فضله لو لم تكن في الشهرة و الاستفاضة و كثرة النقل إلى غاية بعيدة لانقطع نقلها للخوف و التقية من بني مروان مع طول المدة و شدة العداوة. و لو لا أن لله تعالى في هذا الرجل سرا يعلمه من يعلمه لم يرو في فضله حديث و لا عرفت له منقبة أ لا ترى أن رئيس قرية لو سخط على واحد من أهلها و منع(5/64)


الناس أن يذكروه بخير و صلاح لخمل ذكره و نسي اسمه و صار و هو موجود معدوما و هو حي ميتا هذه خلاصة ما ذكره شيخنا أبو جعفر رحمه الله تعالى في هذا المعنى في كتاب التفضيل
شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 74فصل في ذكر المنحرفين عن عليو ذكر جماعة من شيوخنا البغداديين أن عدة من الصحابة و التابعين و المحدثين كانوا منحرفين عن علي ع قائلين فيه السوء و منهم من كتم مناقبه و أعان أعداءه ميلا مع الدنيا و إيثارا للعاجلة فمنهم أنس بن مالك
ناشد علي ع الناس في رحبة القصر أو قال رحبة الجامع بالكوفة أيكم سمع رسول الله ص يقول من كنت مولاه فعلي مولاه
فقام اثنا عشر رجلا فشهدوا بها و أنس بن مالك في القوم لم يقم فقال له يا أنس ما يمنعك أن تقوم فتشهد و لقد حضرتها فقال يا أمير المؤمنين كبرت و نسيت
فقال اللهم إن كان كاذبا فارمه بها بيضاء لا تواريها الغمامة
قال طلحة بن عمير فو الله لقد رأيت الوضح به بعد ذلك أبيض بين عينيه.
و روى عثمان بن مطرف أن رجلا سأل أنس بن مالك في آخر عمره عن علي بن أبي طالب فقال إني آليت ألا أكتم حديثا سئلت عنه في علي بعد يوم الرحبة ذاك رأس المتقين يوم القيامة سمعته و الله من نبيكم
و روى أبو إسرائيل عن الحكم عن أبي سليمان المؤذن أن عليا ع نشد الناس من سمع رسول الله ص يقول من كنت مولاه فعلي مولاه فشهد له قوم و أمسك زيد بن أرقم فلم يشهد و كان يعلمها فدعا علي ع عليه بذهاب البصر فعمي
فكان يحدث الناس بالحديث بعد ما كف بصره. قالوا و كان الأشعث بن قيس الكندي و جرير بن عبد الله البجلي يبغضانه و هدم علي ع دار جرير بن عبد الله. قال إسماعيل بن جرير هدم علي دارنا مرتين. شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 7 و روى الحارث بن حصين أن رسول الله ص دفع إلى جرير بن عبد الله نعلين نعاله و قال احتفظ بهما فإن ذهابهما ذهاب دينك(5/65)

38 / 148
ع
En
A+
A-