و ذكر شيخنا أبو جعفر الإسكافي رحمه الله تعالى و كان من المتحققين بموالاة علي ع و المبالغين في تفضيله و إن كان القول بالتفضيل عاما شائعا في البغداديين من أصحابنا كافة إلا أن أبا جعفر أشدهم في ذلك قولا و أخلصهم فيه اعتقادا أن معاوية وضع قوما من الصحابة و قوما من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي ع تقتضي الطعن فيه و البراءة منه و جعل لهم على ذلك جعلا يرغب في مثله فاختلقوا ما أرضاه منهم أبو هريرة و عمرو بن العاص و المغيرة بن شعبة و من التابعين عروة بن الزبير.
روى الزهري أن عروة بن الزبير حدثه قال حدثتني عائشة قالت كنت عند شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 64رسول الله إذ أقبل العباس و علي فقال يا عائشة إن هذين يموتان على غير ملتي أو قال دينيو روى عبد الرزاق عن معمر قال كان عند الزهري حديثان عن عروة عن عائشة في علي ع فسألته عنهما يوما فقال ما تصنع بهما و بحديثهما الله أعلم بهما إني لأتهمهما في بني هاشم. قال فأما الحديث الأول فقد ذكرناه و أما الحديث الثاني فهو أن عروة زعم أن عائشة حدثته
قالت كنت عند النبي ص إذ أقبل العباس و علي فقال يا عائشة إن سرك أن تنظري إلى رجلين من أهل النار فانظري إلى هذين قد طلعا فنظرت فإذا العباس و علي بن أبي طالب
و أما عمرو بن العاص فروي عنه الحديث الذي أخرجه البخاري و مسلم في صحيحيهما مسندا متصلا بعمرو بن العاص
قال سمعت رسول الله ص يقول إن آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء إنما وليي الله و صالح المؤمنين
و أما أبو هريرة فروي عنه الحديث الذي معناه أن عليا ع خطب ابنة أبي جهل في حياة رسول الله ص فأسخطه فخطب على المنبر و قال لاها الله لا تجتمع ابنة ولي الله و ابنة عدو الله أبي جهل إن فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها فإن كان علي يريد ابنة أبي جهل فليفارق ابنتي و ليفعل ما يريد(5/56)
أو كلاما هذا معناه و الحديث مشهور من رواية الكرابيسي. قلت هذا الحديث أيضا مخرج في صحيحي مسلم و البخاري عن المسور بن مخرمة الزهري و قد ذكره المرتضى في كتابه المسمى تنزيه الأنبياء و الأئمة و ذكر أنه رواية شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 65حسين الكرابيسي و أنه مشر بالانحراف عن أهل البيت ع و عداوتهم و المناصبة لهم فلا تقبل روايته. و لشياع هذا الخبر و انتشاره ذكره مروان بن أبي حفصة في قصيدة يمدح بها الرشيد و يذكر فيها ولد فاطمة ع و ينحي عليهم و يذمهم و قد بالغ حين ذم عليا ع و نال منه و أولها
سلام على جمل و هيهات من جمل و يا حبذا جمل و إن صرمت حبلي
يقول فيها(5/57)
علي أبوكم كان أفضل منكم أباه ذوو الشورى و كانوا ذوي الفضل و ساء رسول الله إذ ساء بنته بخطبته بنت اللعين أبي جهل فذم رسول الله صهر أبيكم على منبر بالمنطق الصادع الفضل و حكم فيها حاكمين أبوكم هما خلعاه خلع ذي النعل للنعل و قد باعها من بعده الحسن ابنه فقدلت دعواكم الرثة الحبل و خليتموها و هي في غير أهلها و طالبتموها حين صارت إلى أهلو قد روي هذا الخبر على وجوه مختلفة و فيه زيادات متفاوتة فمن الناس من يروي فيه مهما ذممنا من صهر فإنا لم نذم صهر أبي العاص بن الربيع و من الناس من يروي فيه ألا إن بني المغيرة أرسلوا إلى علي ليزوجوه كريمتهم و غير ذلك. و عندي أن هذا الخبر لو صح لم يكن على أمير المؤمنين فيه غضاضة و لا قدح لأن شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 66الأمة مجمعة على أنه لو نكح ابنة أبي جهل مضافا إلى نكاح فاطمة ع لجاز لأنه داخل تحت عموم الآية المبيحة للنساء الأربع فابنة أبي جهل المشار إليها كانت مسلمة لأن هذه القصة كانت بعد فتح مكة و إسلام لها طوعا و كرها و رواة الخبر موافقون على ذلك فلم يبق إلا أنه إن كان هذا الخبر صحيحا فإن رسول الله ص لما رأى فاطمة ع قد غارت و أدركها ما يدرك النساء عاتب عليا ع عتاب الأهل و كما يستثبت الوالد رأي الولد و يستعطفه إلى رضا أهله و صلح زوجته و لعل الواقع كان بعض هذا الكلام فحرف و زيد فيه و لو تأملت أحوال النبي ص مع زوجاته و ما كان يجري بينه و بينهن من الغضب تارة و الصلح أخرى و السخط تارة و الرضا أخرى حتى بلغ الأمر إلى الطلاق مرة و إلى الإيلاء مرة و إلى الهجر و القطيعة مرة و تدبرت ما ورد في الروايات الصحيحة مما كن يلقينه ع به و يسمعنه إياه لعلمت أن الذي عاب الحسدة و الشائنون عليا ع به بالنسبة إلى تلك الأحوال قطرة من البحر المحيط و لو لم يكن إلا قصة مارية و ما جرى بين رسول الله ص و بين تينك الامرأتين من الأحوال و الأقوال حتى أنزل فيهما قرآن يتلى في(5/58)
المحاريب و يكتب في المصاحف و قيل لهما ما لا يقال للإسكندر ملك الدنيا لو كان حيا منابذا لرسول الله ص وَ إِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَ جِبْرِيلُ وَ صالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ ثم أردف بعد ذلك بالوعيد و التخويف عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ الآيات بتمامها ثم ضرب لهما مثلا امرأة نوح و امرأة لوط اللتين خانتا بعليهما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً و تمام الآية معلوم فهل ما روي في الخبر من تعصب فاطمة على علي ع شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 67و غيرتها من تعريض ي المغيرة له بنكاح عقيلتهم إذا قويس إلى هذه الأحوال و غيرها مما كان يجري إلا كنسبة التأفيف إلى حرب البسوس و لكن صاحب الهوى و العصبية لا علاج له. ثم نعود إلى حكاية كلام شيخنا أبي جعفر الإسكافي رحمه الله تعالى قال أبو جعفر و روى الأعمش قال لما قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة جاء إلى مسجد الكوفة فلما رأى كثرة من استقبله من الناس جثا على ركبتيه ثم ضرب صلعته مرارا و قال يا أهل العراق أ تزعمون أني أكذب على الله و على رسوله و أحرق نفسي بالنار
و الله لقد سمعت رسول الله ص يقول إن لكل نبي حرما و إن حرمي بالمدينة ما بين عير إلى ثور فمن أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين(5/59)
و أشهد بالله أن عليا أحدث فيها فلما بلغ معاوية قوله أجازه و أكرمه و ولاه أمارة المدينة. قلت أما قوله ما بين عير إلى ثور فالظاهر أنه غلط من الراوي لأن ثورا بمكة و هو جبل يقال له ثور أطحل و فيه الغار الذي دخله النبي ص و أبو بكر و إنما قيل أطحل لأن أطحل بن عبد مناف بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن عدنان كان يسكنه و قيل اسم الجبل أطحل فأضيف ثور إليه و هو ثور بن عبد مناف و الصواب ما بين عير إلى أحد. فأما قول أبي هريرة أن عليا ع أحدث في المدينة فحاش لله كان علي ع أتقى لله من ذلك و الله لقد نصر عثمان نصرا لو كان المحصور جعفر بن أبي طالب لم يبذل له إلا مثله. قال أبو جعفر و أبو هريرة مدخول عند شيوخنا غير مرضي الرواية ضربه عمر شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 68بالدرة و قال قد أكثرت من الرواية و أحر بك أن تكون كاذبا على رسول الله ص. و روى سفيان الثوري عن منصور عن راهيم التيمي قال كانوا لا يأخذون عن أبي هريرة إلا ما كان من ذكر جنة أو نار. و روى أبو أسامة عن الأعمش قال كان إبراهيم صحيح الحديث فكنت إذا سمعت الحديث أتيته فعرضته عليه فأتيته يوما بأحاديث من حديث أبي صالح عن أبي هريرة فقال دعني من أبي هريرة إنهم كانوا يتركون كثيرا من حديثه. و قد روي عن علي ع أنه قال ألا إن أكذب الناس أو قال أكذب الأحياء على رسول الله ص أبو هريرة الدوسي. و روى أبو يوسف قال قلت لأبي حنيفة الخبر يجي ء عن رسول الله ص يخالف قياسنا ما تصنع به قال إذا جاءت به الرواة الثقات عملنا به و تركنا الرأيفقلت ما تقول في رواية أبي بكر و عمر فقال ناهيك بهما فقلت علي و عثمان قال كذلك فلما رآني أعد الصحابة قال و الصحابة كلهم عدول ما عدا رجالا ثم عد منهم أبا هريرة و أنس بن مالك. و روى سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن القاسم عن عمر بن عبد الغفار أن أبا هريرة لما قدم الكوفة مع معاوية كان يجلس بالعشيات بباب كندة و يجلس الناس إليه(5/60)