شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 42فلم ير زياد من القوم ما يطمئن إليه فبعث إلى صبرة بن شيمان الأزدي فقال يا ابن شيمان أنت سيد قومك و أحد عظماء هذا المصر فإن يكن فيه أحد هو أعظم أهله فأنت ذاك أ فلا تجيرني و تمنعني و تمنع بيت مال المسلمين فإنما أنا أمين عليه فقابلى إن تحملت حتى تنزل في داري منعتك فقال إني فاعل. فارتحل ليلا حتى نزل دار صبرة بن شيمان و كتب إلى عبد الله بن عباس و لم يكن معاوية ادعى زيادا بعد لأنه إنما ادعاه بعد وفاة علي ع. للأمير عبد الله بن عباس من زياد بن عبيد. سلام عليك أما بعد فإن عبد الله بن عامر بن الحضرمي أقبل من قبل معاوية حتى نزل في بني تميم و نعى ابن عفان و دعا إلى حرب فبايعه جل أهل البصرة فلما رأيت ذلك استجرت بالأزد بصبرة بن شيمان و قومه لنفسي و لبيت مال المسلمين و رحلت من قصر الإمارة فنزلت فيهم و إن الأزد معي و شيعة أمير المؤمنين من فرسان القبائل تختلف إلي و شيعة عثمان تختلف إلى ابن الحضرمي و القصر خال منا و منهم فارفع ذلك إلى أمير المؤمنين ليرى فيه رأيه و أعجل إلي بالذي ترى أن يكون منه فيه و السلام عليك و رحمة الله و بركاته. قال فرفع ذلك ابن عباس إلى علي ع و شاع في الناس بالكوفة ما كان من ذلك و كانت بنو تميم و قيس و من يرى رأي عثمان قد أمروا ابن الحضرمي أن يسير إلى قصر الإمارة حين خلاه زياد فلما تهيأ لذلك و دعا أصحابه ركبت الأزد و بعثت إليه و إليهم إنا و الله لا ندعكم تأتون القصر فتنزلون فيه من لا نرضى و من نحن له كارهون حتى يأتي رجل لنا و لكم رضا فأبى أصحاب ابن الحضرمي إلا أن يسيروا إلى القصر و أبت الأزد إلا أن يمنعوهم فركب الأحنف فقال لأصحاب ابن الحضرمي إنكم و الله شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 43ما أنتم أحق بقصر الإمارة من القوم و ما لكم أن تؤمروا عليهم من يكرهونه فانصرفوا عنهم ففعلوا ثم ج إلى الأزد فقال إنه لم يكن ما تكرهون و لا يؤتى إلا ما تحبون(5/36)
فانصرفوا رحمكم الله ففعلوا. قال إبراهيم و حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي سيف عن الكلبي أن ابن الحضرمي لما أتى البصرة و دخلها نزل في بني تميم في دار سنبيل و دعا بني تميم و أخلاط مضر فقال زياد لأبي الأسود الدؤلي أ ما ترى ما صغى أهل البصرة إلى معاوية و ما في الأزد لي مطمع فقال إن كنت تركتهم لم ينصروك و إن أصبحت فيهم منعوك. فخرج زياد من ليلته فأتى صبرة بن شيمان الحداني الأزدي فأجاره و قال له حين أصبح يا زياد إنه ليس حسنا بنا أن تقيم فينا مختفيا أكثر من يومك هذا فأعد له منبرا و سريرا في مسجد الحدان و جعل له شرطا و صلى بهم الجمعة في مسجد الحدان. و غلب ابن الحضرمي على ما يليه من البصرة و جباها و أجمعت الأزد على زياد فصعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال يا معشر الأزد إنكم كنتم أعدائي فأصبحتم أوليائي و أولى الناس بي و إني لو كنت في بني تميم و ابن الحضرمي فيكم لم أطمع فيه أبدا و أنتم دونه فلا يطمع ابن الحضرمي في و أنتم دوني و ليس ابن آكلة الأكباد في بقية الأحزاب و أولياء الشيطان بأدنى إلى الغلبة من أمير المؤمنين في المهاجرين و الأنصار و قد أصبحت فيكم مضمونا و أمانة مؤداة و قد رأينا وقعتكم يوم الجمل فاصبروا مع الحق صبركم مع الباطل فإنكم لا تحمدون إلا على النجدة و لا تعذرون على الجبن. فقام شيمان أبو صبرة و لم يكن شهد يوم الجمل و كان غائبا فقال يا معشر الأزد(5/37)
شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 44ما أبقت عواقب الجمل عليكم إلا سوء الذكر و قد كنتم أمس على علي ع فكونوا اليوم له و اعلموا أن إسلامكم له ذل و خذلانكم إياه عار و أنتم حي مضماركم الصبر و عاقبتكم الوفاء فإن سار القوم بصاحبهم فسيروا بصاحبكم و إن استمدوا معاوية فامدوا عليا ع و إن وادعوكم فوادعوهم. ثم قام صبرة ابنه فقال يا معشر الأزد إنا قلنا يوم الجمل نمنع مصرنا و نطيع أمنا نطلب دم خليفتنا المظلوم فجددنا في القتال و أقمنا بعد انهزام الناس حتى قتل منا من لا خير فينا بعده و هذا زياد جاركم اليوم و الجار مضمون و لسنا نخاف من علي ما نخاف من معاوية فهبوا لنا أنفسكم و امنعوا جاركم أو فأبلغوه مأمنه. فقالت الأزد إنما نحن لكم تبع فأجيروه فضحك زياد و قال يا صبرة أ تخشون ألا تقوموا لبني تميم فقال صبرة إن جاءونا بالأحنف جئناهم بأبي صبرة و إن جاءونا بالحباب جئت أنا و إن كان فيهم شباب كثير فقال زياد إنما كنت مازحا. فلما رأت بنو تميم أن الأزد قد قامت دون زياد بعثت إليهم أخرجوا صاحبكم و نحن نخرج صاحبنا فأي الأميرين غلب علي أو معاوية دخلنا في طاعته و لا نهلك عامتنا. فبعث إليهم أبو صبرة إنما كان هذا يرجى عندنا قبل أن نجيره و لعمري ما قتل زياد و إخراجه إلا سواء و إنكم لتعلمون أنا لم نجره إلا كرما فالهوا عن هذا. قال و روى أبو الكنود أن شبث بن ربعي قال لعلي ع يا أمير المؤمنين ابعث إلى هذا الحي من تميم فادعهم إلى طاعتك و لزوم بيعتك و لا تسلط عليهم أزد عمان البعداء البغضاء فإن واحدا من قومك خير لك من عشرة من غيرهم. شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 45فقال له مخنف بن سليم الأزدي إن البعيد البغيض من عصى الله و خالف أمير المؤمنين و هم قومك و إن الحبيب القريب من أطاع الله و نصر أمير المؤمنين و هم قومي و أحدهم خير لأمير المؤمنين من عشرة من قومك. فقال أمير المؤمنين ع مه تناهوا أيها الناس و ليردعكم الإسلام و وقاره عن(5/38)
التباغي و التهاذي و لتجتمع كلمتكم و الزموا دين الله الذي لا يقبل من أحد غيره و كلمة الإخلاص التي هي قوام الدين و حجة الله على الكافرين و اذكروا إذ كنتم قليلا مشركين متباغضين متفرقين فألف بينكم بالإسلام فكثرتم و اجتمعتم و تحاببتم فلا تفرقوا بعد إذ اجتمعتم و لا تتباغضوا بعد إذ تحاببتم و إذا رأيتم الناس بينهم النائرة و قد تداعوا إلى العشائر و القبائل فاقصدوا لهامهم و وجوههم بالسيف حتى يفزعوا إلى الله و إلى كتابه و سنة نبيه فأما تلك الحمية من خطرات الشياطين فانتهوا عنها لا أبا لكم تفلحوا و تنجحوا
ثم إنه ع دعا أعين بن ضبيعة المجاشعي و قال يا أعين أ لم يبلغك أن قومك وثبوا على عاملي مع ابن الحضرمي بالبصرة يدعون إلى فراقي و شقاقي و يساعدون الضلال القاسطين علي فقال لا تسأ يا أمير المؤمنين و لا يكن ما تكره ابعثني إليهم فأنا لك زعيم بطاعتهم و تفريق جماعتهم و نفي ابن الحضرمي من البصرة أو قتله قال فاخرج الساعة. فخرج من عنده و مضى حتى قدم البصرة. شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 46هذه رواية ابن هلال صاحب كتاب الغارات. و روى الواقدي أن عليا ع استنفر بني تميم أياما لينهض منهم إلى البصرة من يكفيه أمر ابن الحضرمي و يرد عادية بني تميم الذين أجاروه بها فلم يجبه أحد فخطبهم و قال أ ليس من العجب أن ينصرني الأزد و تخذلني مضر و أعجب من ذلك تقاعد تميم الكوفة بي و خلاف تميم البصرة علي و أن أستنجد بطائفة منها تشخص إلى إخوانها فتدعوهم إلى الرشاد فإن أجابت و إلا فالمنابذة و الحرب فكأني أخاطب صما بكما لا يفقهون حوارا و لا يجيبون نداء كل هذا جبنا عن البأس و حبا للحياة لقد كنا مع رسول الله ص نقتل آباءنا و أبناءنا(5/39)
الفصل إلى آخره. قال فقام إليه أعين بن ضبيعة المجاشعي فقال أنا إن شاء الله أكفيك يا أمير المؤمنين هذا الخطب و أتكفل لك بقتل ابن الحضرمي أو إخراجه عن البصرة فأمره بالتهيؤ للشخوص فشخص حتى قدم البصرة. قال إبراهيم بن هلال فلما قدمها دخل على زياد و هو بالأزد مقيم فرحب به و أجلسه إلى جانبه فأخبره بما قال له علي ع و ما رد عليه و ما الذي عليه رأيه فإنه إذ يكلمه جاءه كتاب من علي ع فيه
من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى زياد بن عبيد سلام عليك أما بعد فإني قد بعثت أعين بن ضبيعة ليفرق قومه عن ابن الحضرمي فارقب ما يكون منه فإن فعل و بلغ من ذلك ما يظن به و كان في ذلك تفريق تلك الأوباش فهو ما نحب و إن ترامت الأمور بالقوم إلى الشقاق و العصيان شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 47فانبذ بمن أطاعك إلى من عصاك فجاهدهم فإن ظهرت فهو ما ظننت و إلا فطاولهم و ماطلهم فكان كتائب المسلمين قد أطلت عليك فقتل الله المفسدين الظالمين و نصر المؤمنين المحقين و السلامفلما قرأه زياد أقرأه أعين بن ضبيعة فقال له إني لأرجو أن يكفى هذا الأمر إن شاء الله ثم خرج من عنده فأتى رحله فجمع إليه رجالا من قومه فحمد الله و أثنى عليه ثم قال يا قوم على ما ذا تقتلون أنفسكم و تهريقون دماءكم على الباطل مع السفهاء الأشرار و إني و الله ما جئتكم حتى عبيت إليكم الجنود فإن تنيبوا إلى الحق يقبل منكم و يكف عنكم و إن أبيتم فهو و الله استئصالكم و بواركم. فقالوا بل نسمع و نطيع فقال انهضوا الآن على بركة الله عز و جل فنهض بهم إلى جماعة ابن الحضرمي فخرجوا إليه مع ابن الحضرمي فصافوه و واقفهم عامة يومه يناشدهم الله و يقول يا قوم لا تنكثوا بيعتكم و لا تخالفوا إمامكم و لا تجعلوا على أنفسكم سبيلا فقد رأيتم و جربتم كيف صنع الله بكم عند نكثكم بيعتكم و خلافكم. فكفوا عنه و لم يكن بينه و بينهم قتال و هم في ذلك يشتمونه و ينالون منه فانصرف عنهم و هو منهم منتصف(5/40)