شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 37فلما جاءه كتاب عمرو دعا ابن الحضرمي و قد كان ظن حين تركه معاوية أياما لا يأمره بالشخوص أن معاوية قد رجع عن إشخاصه إلى ذلك الوجه فقال يا ابن الحضرمي سر على بركة الله إلى أهل البصرة فانزل في مضر و احذر ربيعة و تودد الأزد و انع ن عفان و ذكرهم الوقعة التي أهلكتهم و من لمن سمع و أطاع دنيا لا تفنى و أثرة لا يفقدها حتى يفقدنا أو نفقده. فودعه ثم خرج من عنده و قد دفع إليه كتابا و أمره إذا قدم أن يقرأه على الناس. قال عمرو بن محصن فكنت معه حين خرج فلما خرجنا سرنا ما شاء الله أن نسير فسنح لنا ظبي أعضب عن شمائلنا فنظرت إليه فو الله لرأيت الكراهية في وجهه ثم مضينا حتى نزلنا البصرة في بني تميم فسمع بقدومنا أهل البصرة فجاءنا كل من يرى رأي عثمان فاجتمع إلينا رءوس أهلها فحمد الله ابن الحضرمي و أثنى عليه ثم قال أما بعد أيها الناس فإن إمامكم إمام الهدى عثمان بن عفان قتله علي بن أبي طالب ظلما فطلبتم بدمه و قاتلتم من قتله فجزاكم الله من أهل مصر خيرا و قد أصيب منكم الملأ الأخيار و قد جاءكم الله بإخوان لكم لهم بأس يتقى و عدد لا يحصى فلقوا عدوكم الذين قتلوكم فبلغوا الغاية التي أرادوا صابرين و رجعوا و قد نالوا ما طلبوا فمالئوهم و ساعدوهم و تذكروا ثاركم لتشفوا صدوركم من عدوكم. فقام إليه الضحاك بن عبد الله الهلالي فقال قبح الله ما جئتنا به و ما دعوتنا إليه جئتنا و الله بمثل ما جاء به صاحباك طلحة و الزبير أتيانا و قد بايعنا عليا و اجتمعنا له فكلمتنا واحدة و نحن على سبيل مستقيم فدعوانا إلى الفرقة و قاما فينا بزخرف القول حتى ضربنا بعضنا ببعض عدوانا و ظلما فاقتتلنا على ذلك و ايم الله ما سلمنا من عظيم وبال شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 38ذلك و نحن الآن مجمعون على بيعة هذا العبد الصالح الذي أقال العثرة و عفا عن المء و أخذ بيعة غائبنا و شاهدنا أ فتأمرنا الآن أن نختلع أسيافنا من(5/31)
أغمادها ثم يضرب بعضنا بعضا ليكون معاوية أميرا و تكون له وزيرا و نعدل بهذا الأمر عن علي و الله ليوم من أيام علي مع رسول الله ص خير من بلاء معاوية و آل معاوية لو بقوا في الدنيا ما الدنيا باقية. فقام عبد الله بن خازم السلمي فقال للضحاك اسكت فلست بأهل أن تتكلم في أمر العامة ثم أقبل على ابن الحضرمي فقال نحن يدك و أنصارك و القول ما قلت و قد فهمنا عنك فادعنا أنى شئت فقال الضحاك لابن خازم يا ابن السوداء و الله لا يعز من نصرت و لا يذل بخذلانك من خذلت فتشاتما. قال صاحب كتاب الغارات و الضحاك هذا هو الذي يقول
يا أيهذا السائلي عن نسبي بين ثقيف و هلال منصبي أمي أسماء و ضحاك أبيقال و هو القائل في بني العباس(5/32)
ما ولدت من ناقة لفحل في جبل نعلمه و سهل كستة من بطن أم الفضل أكرم بها من كهلة و كهل عم النبي المصطفى ذي الفضل و خاتم الأنبياء بعد الرسقال فقام عبد الرحمن بن عمير بن عثمان القرشي ثم التيمي فقال عباد الله إنا لم ندعكم إلى الاختلاف و الفرقة و لا نريد أن تقتتلوا و لا تتنابزوا و لكنا إنما ندعوكم إلى أن تجمعوا كلمتكم و توازروا إخوانكم الذين هم على رأيكم و أن تلموا شعثكم شرح نهج البلاغة ج : 4 : 39و تصلحوا ذات بينكم فمهلا مهلا رحمكم الله استمعوا لهذا الكتاب و أطيعوا الذي يقرأ عليكم. ففضوا كتاب معاوية و إذا فيه من عبد الله معاوية أمير المؤمنين إلى من قرئ كتاب هذا عليه من المؤمنين و المسلمين من أهل البصرة. سلام عليكم أما بعد فإن سفك الدماء بغير حلها و قتل النفوس التي حرم الله قتلها هلاك موبق و خسران مبين لا يقبل الله ممن سفكها صرفا و لا عدلا و قد رأيتم رحمكم الله آثار ابن عفان و سيرته و حبه للعافية و معدلته و سده للثغور و إعطاءه في الحقوق و إنصافه للمظلوم و حبه الضعيف حتى توثب عليه المتوثبون و تظاهر عليه الظالمون فقتلوه مسلما محرما ظمآن صائما لم يسفك فيهم دما و لم يقتل منهم أحدا و لا يطلبونه بضربة سيف و لا سوط و إنما ندعوكم أيها المسلمون إلى الطلب بدمه و إلى قتال من قتله فإنا و إياكم على أمر هدى واضح و سبيل مستقيم إنكم إن جامعتمونا طفئت النائرة و اجتمعت الكلمة و استقام أمر هذه الأمة و أقر الظالمون المتوثبون الذين قتلوا إمامهم بغير حق فأخذوا بجرائرهم و ما قدمت أيديهم إن لكم أن أعمل فيكم بالكتاب و أن أعطيكم في السنة عطاءين و لا أحتمل فضلا من فيئكم عنكم أبدا. فسارعوا إلى ما تدعون إليه رحمكم الله و قد بعثت إليكم رجلا من الصالحين كان من أمناء خليفتكم المظلوم ابن عفان و عماله و أعوانه على الهدى و الحق جعلنا الله و إياكم ممن يجيب إلى الحق و يعرفه و ينكر الباطل و يجحده و السلام عليكم و رحمة(5/33)
الله. قال فلما قرئ عليهم الكتاب قال معظمهم سمعنا و أطعنا. قال و روى محمد بن عبد الله بن عثمان عن علي عن أبي زهير عن أبي منقر الشيباني قال قال الأحنف لما قرئ عليهم كتاب معاوية أما أنا فلا ناقة لي في هذا و لا جمل و أعتزل أمرهم ذلك.
شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 40و قال عمرو بن مرجوم من عبد القيس أيها الناس الزموا طاعتكم و لا تنكثوا بيعتكم فتقع بكم واقعة و تصيبكم قارعة و لا يكن بعدها لكم بقية ألا إني قد نصحت لكم و لكن لا تحبون الناصحين. قال إبراهيم بن هلال و روى محمد بن عبد الله عن ابنبي سيف عن الأسود بن قيس عن ثعلبة بن عباد أن الذي كان سدد لمعاوية رأيه في تسريح ابن الحضرمي كتاب كتبه إليه عباس بن ضحاك العبدي و هو ممن كان يرى رأي عثمان و يخالف قومه في حبهم عليا ع و نصرتهم إياه و كان الكتاب. أما بعد فقد بلغنا وقعتك بأهل مصر الذين بغوا على إمامهم و قتلوا خليفتهم طمعا و بغيا فقرت بذلك العيون و شفيت بذلك النفوس و بردت أفئدة أقوام كانوا لقتل عثمان كارهين و لعدوه مفارقين و لكم موالين و بك راضين فإن رأيت أن تبعث إلينا أميرا طيبا ذكيا ذا عفاف و دين إلى الطلب بدم عثمان فعلت فإني لا إخال الناس إلا مجمعين عليك و إن ابن عباس غائب عن المصر و السلام. قال فلما قرأ معاوية كتابه قال لا عزمت رأيا سوى ما كتبت به إلي هذا و كتب إليه جوابه. أما بعد فقد قرأت كتابك فعرفت نصيحتك و قبلت مشورتك رحمك الله و سددك اثبت هداك الله على رأيك الرشيد فكأنك بالرجل الذي سألت قد أتاك و كأنك بالجيش قد أطل عليك فسررت و حبيت و السلام. قال إبراهيم و حدثنا محمد بن عبد الله قال حدثني علي بن أبي سيف عن أبي زهير شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 41قال لما نزل ابن الحضرمي في بني تميم أرسل إلى الرءوس فأتوه فقال لهم أجيبوني إلى الحق و انصروني علهذا الأمر. قال و إن الأمير بالبصرة يومئذ زياد بن عبيد قد استخلفه عبد الله بن عباس و قدم على(5/34)
علي ع إلى الكوفة يعزيه عن محمد بن أبي بكر قال فقام إليه ابن ضحاك فقال إي و الذي له أسعى و إياه أخشى لننصرنك بأسيافنا و أيدينا. و قام المثنى بن مخرمة العبدي فقال لا و الذي لا إله إلا هو لئن لم ترجع إلى مكانك الذي أقبلت منه لنجاهدنك بأسيافنا و أيدينا و نبالنا و أسنة رماحنا نحن ندع ابن عم رسول الله ص و سيد المسلمين و ندخل في طاعة حزب من الأحزاب طاغ و الله لا يكون ذلك أبدا حتى نسير كتيبة و نفلق السيوف بالهام. فأقبل ابن الحضرمي على صبرة بن شيمان الأزدي فقال يا صبرة أنت رأس قومك و عظيم من عظماء العرب و أحد الطلبة بدم عثمان رأينا رأيك و رأيك رأينا و بلاء القوم عندك في نفسك و عشيرتك ما قد ذقت و رأيت فانصرني و كن من دوني فقال له إن أنت أتيتني فنزلت في داري نصرتك و منعتك فقال إن أمير المؤمنين معاوية أمرني أن أنزل في قومه من مضر فقال اتبع ما أمرك به. و انصرف من عنده و أقبل الناس إلى ابن الحضرمي و كثر تبعه ففزع لذلك زياد و هاله و هو في دار الإمارة فبعث إلى الحضين بن المنذر و مالك بن مسمع فدعاهما فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أما بعد فإنكم أنصار أمير المؤمنين و شيعته و ثقته و قد جاءكم هذا الرجل بما قد بلغكم فأجيروني حتى يأتيني أمر أمير المؤمنين و رأيه. فأما مالك بن مسمع فقال هذا أمر فيه نظر أرجع إلى من ورائي و أنظر و أستشير في ذلك. و أما الحضين بن المنذر فقال نعم نحن فاعلون و لن نخذلك و لن نسلمك.(5/35)