شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 48200- و من خطبة له ع عند المسير إلى الشامالْحَمْدُ لِلَّهِ كُلَّمَا وَقَبَ لَيْلٌ وَ غَسَقَ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ كُلَّمَا لَاحَ نَجْمٌ وَ خَفَقَ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ غَيْرَ مَفْقُودِ الْإِنْعَامِ وَ لَا مُكَافَإِ الْإِفْضَالِ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَعَثْتُ مُقَدِّمَتِي وَ أَمَرْتُهُمْ بِلُزُومِ هَذَا الْمِلْطَاطِ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرِي وَ قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَقْطَعَ هَذِهِ النُّطْفَةَ إِلَى شِرْذِمَةٍ مِنْكُمْ مُوطِنِينَ أَكْنَافَ دِجْلَةَ فَأُنْهِضَهُمْ مَعَكُمْ إِلَى عَدُوِّكُمْ وَ أَجْعَلَهُمْ مِنْ أَمْدَادِ الْقُوَّةِ لَكُمْ
قال الرضي رحمه الله يعني ع بالملطاط هاهنا السمت الذي أمرهم بلزومه و هو شاطئ الفرات و يقال ذلك أيضا لشاطئ البحر و أصله ما استوى من الأرض و يعني بالنطفة ماء الفرات و هو من غريب العبارات و عجيبها وقب الليل أي دخل قال الله تعالى وَ مِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ. و غسق أي أظلم و خفق النجم أي غاب. شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 201و مقدمة الجيش بكسر الدال أوله و ما يتقدم منه على جمهور العسكر و مقدمة الإنسان بفتح الدال صدره و الملطاط حافة الوادي و شفيرة و ساحل البحر قال رؤبةنحن جمعنا الناس بالملطاط(4/172)
قال الأصمعي يعني به ساحل البحر و قول ابن مسعود هذا الملطاط طريق بقية المؤمنين هرابا من الدجال يعني به شاطئ الفرات. فأما قول الرضي رحمه الله تعالى الملطاط السمت الذي أمرهم بلزومه و هو شاطئ الفرات و يقال ذلك لشاطئ البحر فلا معنى له لأنه لا فرق بين شاطئ الفرات و شاطئ البحر و كلاهما أمر واحد و كان الواجب أن يقول الملطاط السمت في الأرض و يقال أيضا لشاطئ البحر. و الشرذمة نفر قليلون. و موطنين أكناف دجلة أي قد جعلوا أكنافها وطنا أوطنت البقعة و الأكناف الجوانب واحدها كنف و الأمداد جمع مدد و هو ما يمد به الجيش تقوية له. و هذه الخطبة خطب بها أمير المؤمنين ع و هو بالنخيلة خارجا من الكوفة و متوجها إلى صفين لخمس بقين من شوال سنة سبع و ثلاثين ذكرها جماعة من أصحاب السير و زادوا فيها
قد أمرت على المصر عقبة بن عمرو الأنصاري و لم آلكم و لا نفسي فإياكم و التخلف و التربص فإني قد خلفت مالك بن حبيب اليربوعي و أمرته ألا يترك متخلفا إلا ألحقه بكم عاجلا إن شاء الله
شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 202و روى نصر بن مزاحم عوض قوله فأنهضهم معكم إلى عدوكم فأنهضهم معكم إلى عدو الله قال نصر فقام إليه معقل بن قيس الرياحي فقال يا أمير المؤمنين و الله ما يتخلف عنك إلا ظنين و لا يتربص بك إلا منافق فمر مالك بن حبيب فليضرب أعناق المتخلفين فقال قد أمرته بأمري و ليس بمقصر إن شاء الله
أخبار علي في جيشه و هو في طريقه إلى صفين
قال نصر بن مزاحم ثم سار ع حتى انتهى إلى مدينة بهرسير و إذا رجل من أصحابه يقال له حر بن سهم بن طريف من بني ربيعة بن مالك ينظر إلى آثار كسرى و يتمثل بقول الأسود بن يعفر
جرت الرياح على محل ديارهم فكأنما كانوا على ميعاد(4/173)
فقال له ع ألا قلت كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَ عُيُونٍ وَ زُرُوعٍ وَ مَقامٍ كَرِيمٍ وَ نَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ كَذلِكَ وَ أَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ إن هؤلاء كانوا وارثين فأصبحوا مورثين و لم يشكروا النعمة فسلبوا دنياهم بالمعصية إياكم و كفر النعم لا تحل بكم النقم انزلوا بهذه الفجوة
شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 203قال نصر و حدثنا عمر بن سعد عن مسلم الأعور عن حبة العرني قال أمر علي ع الحارث الأعور فصاح في أهل المدائن من كان من المقاتلة فليواف أمير المؤمنين ع صلاة العصر فوافوه في تلك الساعة فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أما بعد فإني قد تعجبت من تخلفكم عن دعوتكم و انقطاعكم عن أهل مصركم في هذه المساكن الظالم أهلها الهالك أكثر ساكنيها لا معروف يأمرون به و لا منكر ينهون عنه
قالوا يا أمير المؤمنين إنا ننتظر أمرك مرنا بما أحببت فسار و خلف عليهم عدي بن حاتم أقام عليهم ثلاثا ثم خرج في ثمانمائة رجل منهم و خلف ابنه زيدا بعده فلحقه في أربعمائة رجل منهم. و جاء علي ع حتى مر بالأنبار فاستقبله بنو خشنوشك دهاقينها قال نصر الكلمة فارسية أصلها خش أي الطيب قال فلما استقبلوه نزلوا عن خيولهم ثم جاءوا يشتدون معه و بين يديه و معهم براذين قد أوقفوها في طريقه فقال ما هذه الدواب التي معكم و ما أردتم بهذا الذي صنعتم قالوا أما هذا الذي صنعنا فهو خلق منا نعظم به الأمراء و أما هذه البراذين فهدية لك و قد صنعنا للمسلمين طعاما و هيأنا لدوابكم علفا كثيرا.(4/174)
فقال ع أما هذا الذي زعمتم أنه فيكم خلق تعظمون به الأمراء فو الله ما ينفع ذلك الأمراء و إنكم لتشقون به على أنفسكم و أبدانكم فلا تعودوا شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 204له و أما دوابكم هذه فإن أحببتم أن آخذها منكم و أحسبها لكم من خراجكم أخذناها منكم و أما طعام الذي صنعتم لنا فإنا نكره أن نأكل من أموالكم إلا بثمن قالوا يا أمير المؤمنين نحن نقومه ثم نقبل ثمنه قال إذا لا تقومونه قيمته نحن نكتفي بما هو دونه قالوا يا أمير المؤمنين فإن لنا من العرب موالي و معارف أ تمنعنا أن نهدي لهم أو تمنعهم أن يقبلوا منا فقال كل العرب لكم موال و ليس ينبغي لأحد من المسلمين أن يقبل هديتكم و إن غصبكم أحد فأعلمونا قالوا يا أمير المؤمنين إنا نحب أن تقبل هديتنا و كرامتنا قال ويحكم فنحن أغنى منكم و تركهم و سار
قال نصر و حدثنا عبد العزيز بن سياه قال حدثنا حبيب بن أبي ثابت قال حدثنا أبو سعيد التيمي المعروف بعقيصي قال كنا مع علي ع في مسيره إلى الشام حتى إذا كنا بظهر الكوفة من جانب هذا السواد عطش الناس و احتاجوا إلى الماء فانطلق بنا علي ع حتى أتى بنا إلى صخرة ضرس في الأرض كأنها ربضة عنز فأمرنا فاقتلعناها فخرج لنا من تحتها ماء فشرب الناس منه و ارتووا ثم أمرنا فأكفأناها عليه و سار الناس حتى إذا مضى قليلا قال ع أ منكم أحد يعلم مكان هذا الماء الذي شربتم منه قالوا نعم يا أمير المؤمنين قال فانطلقوا إليه فانطلق منا رجال ركبانا و مشاة فاقتصصنا الطريق إليه حتى انتهينا إلى المكان الذي نرى أنه فيه فطلبناه فلم نقدر على شي ء حتى إذا عيل علينا انطلقنا إلى دير قريب شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 205منا فسألناهم أين هذا الماء الذي عندكم قالوا ليس قربنا ماء فقلنا بلى إنا شربنا منه قالواتم شربتم منه قلنا نعم فقال صاحب الدير و الله ما بني هذا الدير إلا بذلك الماء و ما استخرجه إلا نبي أو وصي نبي.(4/175)
قال نصر ثم مضى ع حتى نزل بأرض الجزيرة فاستقبله بنو تغلب و النمر بن قاسط بجزور فقال ع ليزيد بن قيس الأرحبي يا يزيد قال لبيك يا أمير المؤمنين قال هؤلاء قومك من طعامهم فاطعم و من شرابهم فاشرب
قال ثم سار حتى أتى الرقة و جل أهلها عثمانية فروا من الكوفة إلى معاوية فأغلقوا أبوابها دونه و تحصنوا و كان أميرهم سماك بن مخرقة الأسدي في طاعة معاوية و قد كان فارق عليا ع في نحو من مائة رجل من بني أسد ثم كاتب معاوية و أقام بالرقة حتى لحق به سبعمائة رجل. قال نصر فروى حبة أن عليا ع لما نزل على الرقة نزل بموضع يقال له البليخ على جانب الفرات فنزل راهب هناك من صومعته فقال لعلي ع إن عندنا كتابا توارثناه عن آبائنا كتبه أصحاب عيسى ابن مريم أعرضه عليك قال نعم فقرأ الراهب الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم الذي قضي فيما قضي و سطر فيما كتب أنه باعث في الأميين رسولا منهم يعلمهم الكتاب و الحكمة و يدلهم على سبيل الله لا فظ و لا غليظ و لا صخاب في الأسواق و لا يجزي بالسيئة السيئة بل يعفو و يصفح أمته الحمادون الذين يحمدون الله على كل نشر و في كل صعود و هبوط تذل ألسنتهم شرح نهج الاغة ج : 3 ص : 206بالتكبير و التهليل و التسبيح و ينصره الله على من ناواه فإذا توفاه الله اختلفت أمته من بعده ثم اجتمعت فلبثت ما شاء الله ثم اختلفت فيمر رجل من أمته بشاطئ هذا الفرات يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر و يقضي بالحق و لا يركس الحكم الدنيا أهون عليه من الرماد في يوم عصفت به الريح و الموت أهون عليه من شرب الماء على الظمآن يخاف الله في السر و ينصح له في العلانية لا يخاف في الله لومة لائم فمن أدرك ذلك النبي من أهل هذه البلاد فآمن به كان ثوابه رضواني و الجنة و من أدرك ذلك العبد الصالح فلينصره فإن القتل معه شهادة. ثم قال له أنا مصاحبك فلا أفارقك حتى يصيبني ما أصابك فبكى ع(4/176)