تقر و ما تطلب إنك لا تجد شيئا تستغوي به الناس و لا شيئا تستميل به أهواءهم و تستخلص به طاعتهم إلا أن قت لهم قتل إمامكم مظلوما فهلموا نطلب بدمه فاستجاب لك سفهاء طغام رذال و قد علمنا أنك أبطأت عنه بالنصر و أحببت له القتل لهذه المنزلة التي تطلب و رب مبتغ أمرا و طالب له يحول الله دونه و ربما أوتي المتمني أمنيته و ربما لم يؤتها و و الله ما لك في واحدة منهما خير و الله لئن أخطأك ما ترجو أنك لشر العرب حالا و لئن أصبت ما تتمناه لا تصيبه حتى تستحق صلى النار فاتق الله يا معاوية و دع ما أنت عليه و لا تنازع الأمر أهله. فحمد معاوية الله و أثنى عليه و قال أما بعد فإن أول ما عرفت به سفهك و خفة حلمك قطعك على هذا الحسيب الشريف سيد قومه منطقه ثم عتبت بعد فيما لا علم لك به و لقد كذبت و لؤمت أيها الأعرابي الجلف الجافي في كل ما وصفت و ذكرت انصرفوا من عندي فإنه ليس بيني و بينكم إلا السيف. و غضب فخرج القوم و شبث يقول أ علينا تهول بالسيف أما و الله لنجعلنه إليك فأتوا عليا ع فأخبروه بالذي كان من قوله و ذلك في شهر ربيع الآخر. قال نصر و خرج قراء أهل العراق و قراء أهل الشام فعسكروا ناحية صفين ثلاثين ألفا.(5/11)
شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 16قال و عسكر علي ع على الماء و عسكر معاوية فوقه على الماء أيضا و مشت القراء فيما بين علي ع و معاوية منهم عبيدة السلماني و علقمة بن قيس النخعي و عبد الله بن عتبة و عامر بن عبد القيس و قد كان في بعض تلك السواحل فانصرف إلى عسكر علع فدخلوا على معاوية فقالوا يا معاوية ما الذي تطلب قال أطلب بدم عثمان قالوا ممن تطلب بدم عثمان قال أطلبه من علي قالوا و علي قتله قال نعم هو قتله و آوى قتلته فانصرفوا من عنده فدخلوا على علي ع فقالوا إن معاوية يزعم أنك قتلت عثمان قال اللهم لكذب فيما قال لم أقتله. فرجعوا إلى معاوية فأخبروه فقال لهم إنه إن لم يكن قتله بيده فقد أمر و مالأ فرجعوا إلى علي فقالوا إن معاوية يزعم أنك إن لم تكن قلت بيدك فقد أمرت و مالأت على قتل عثمان فقال اللهم لكذب فيما قال فرجعوا إلى معاوية فقالوا إن عليا يزعم أنه لم يفعل فقال معاوية إن كان صادقا فليقدنا من قتلة عثمان فإنهم في عسكره و جنده و أصحابه و عضده فرجعوا إلى علي ع فقالوا إن معاوية يقول لك إن كنت صادقا فادفع إلينا قتلة عثمان أو مكنا منهم فقال لهم إن القوم تأولوا عليه القرآن و وقعت الفرقة فقتلوه في سلطانه و ليس على ضربهم قود فخصم علي معاوية. قلت على ضربهم هاهنا على مثلهم يقال زيد ضرب عمرو و من ضربه أي مثله و من صنفه و لا أدري لم عدل ع عن الحجة بما هو أوضح من هذا الكلام و هو أن يقول إن الذين باشروا قتله بأيديهم كانوا اثنين و هما قتيرة بن وهب و سودان بن حمران و كلاهما قتل يوم الدار قتلهما عبيد عثمان و الباقون الذين هم جندي و عضدي شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 17كما تزعمون لم يقتلوا بأيديهم و إنما أغروا به و حصروه و أجلبوا عليه و هجموا على داره كمحمد بن أبي بكر و الأشتر و عمرو بن الحمق و غيرهم و ليس على مثل هؤلاء قود. قال نصر فقال لهم اوية إن كان الأمر كما تزعمون فلم ابتز الأمر دوننا على غير مشورة منا(5/12)
و لا ممن هاهنا معنا فقال علي ع إن الناس تبع المهاجرين و الأنصار و هم شهود للمسلمين في البلاد على ولاتهم و أمراء دينهم فرضوا بي و بايعوني و لست أستحل أن أدع ضرب معاوية يحكم بيده على الأمة و يركبهم و يشق عصاهم. فرجعوا إلى معاوية فأخبروه بذلك فقال ليس كما يقول فما بال من هاهنا من المهاجرين و الأنصار لم يدخلوا في هذا الأمر و يؤامروا فيه. فانصرفوا إلى علي ع فأخبروه بقوله فقال ويحكم هذا للبدريين دون الصحابة ليس في الأرض بدري إلا و قد بايعني و هو معي أو قد قام و رضي فلا يغرنكم معاوية من أنفسكم و دينكم. قال نصر فتراسلوا بذلك ثلاثة أشهر ربيع الآخر و جماديين و هم مع ذلك يفزعون الفزعة فيما بينهما فيزحف بعضهم إلى بعض و تحجز القراء بينهم. قال فزعوا في ثلاثة أشهر خمسا و ثمانين فزعة كل فزعة يزحف بعضهم إلى بعض و تحجز القراء بينهم لا يكون بينهم قتال. قال نصر و خرج أبو أمامة الباهلي و أبو الدرداء فدخلا على معاوية و كانا معه فقالا يا معاوية علام تقاتل هذا الرجل فو الله لهو أقدم منك إسلاما و أحق بهذا(5/13)
شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 18الأمر و أقرب من رسول الله ص فعلام تقاتله فقال أقاتله على دم عثمان و إنه آوى قتلته فقولوا له فليقدنا من قتلته و أنا أول من بايعه من أهل الشام. فانطلقوا إلى علي ع فأخبروه بقول معاوية فقال إنما يطلب الذين ترون فخرج عشرون ألفا أوكثر متسربلين الحديد لا يرى منهم إلا الحدق فقالوا كلنا قتله فإن شاءوا فليروموا ذلك منا فرجع أبو أمامة و أبو الدرداء فلم يشهدا شيئا من القتال. قال نصر حتى إذا كان رجب و خشي معاوية أن يتابع القراء عليا ع أخذ في المكر و أخذ يحتال للقراء لكيما يحجموا و يكفوا حتى ينظروا. قال فكتب في سهم من عبد الله الناصح إني أخبركم أن معاوية يريد أن يفجر عليكم الفرات فيغرقكم فخذوا حذركم ثم رمى بالسهم في عسكر علي ع فوقع السهم في يد رجل فقرأه ثم أقرأه صاحبه فلما قرأه و قرأته الناس و أقرأه من أقبل و أدبر قالوا هذا أخ لنا ناصح كتب إليكم يخبركم بما أراد معاوية فلم يزل السهم يقرأ و يرتفع حتى رفع إلى علي ع و قد بعث معاوية مائتي رجل من العملة إلى عاقول من النهر بأيديهم المرور و الزبل يحفرون فيها بحيال عسكر علي ع فقال علي ع ويحكم إن الذي يعالج معاوية لا يستقيم له و لا يقوى عليه إنما يريد أن يزيلكم عن مكانكم فانتهوا عن ذلك فقالوا له لا ندعهم و الله يحفرون فقال علي ع لا تكونوا ضعفى ويحكم لا تغلبوني على رأيي فقالوا و الله لنرتحلن فإن شئت فارتحل و إن شئت فأقم فارتحلوا و صعدوا بعسكرهم مليا و ارتحل علي ع في أخريات الناس و هو يقول شرح نهج البلا ج : 4 ص : 19(5/14)
فلو أني أطعت عصمت قومي إلى ركن اليمامة أو شمام و لكني متى أبرمت أمرا منيت بخلف آراء الطغامقال و ارتحل معاوية حتى نزل معسكر علي ع الذي كان فيه فدعا علي ع الأشتر فقال أ لم تغلبني على رأيي أنت و الأشعث فدونكما فقال الأشعث أنا أكفيك يا أمير المؤمنين سأداوي ما أفسدت اليوم من ذلك فجمع كندة فقال لهم يا معشر كندة لا تفضحوني اليوم و لا تخزوني فإني إنما أقارع بكم أهل الشام فخرجوا معه رجاله يمشون و بيده رمح له يلقيه على الأرض و يقول امشوا قيد رمحي هذا فيمشون فلم يزل يقيس لهم الأرض برمحه و يمشون معه رجاله حتى لقي معاوية وسط بني سليم واقفا على الماء و قد جاءه أداني عسكره فاقتتلوا قتالا شديدا على الماء ساعة و انتهى أوائل أهل العراق فنزلوا و أقبل الأشتر في خيل من أهل العراق فحمل على معاوية و الأشعث يحارب في ناحية أخرى فانحاز معاوية في بني سليم فرد وجوه إبله قدر ثلاثة فراسخ ثم نزل و وضع أهل الشام أثقالهم و الأشعث يهدر و يقول أرضيتك يا أمير المؤمنين ثم تمثل بقول طرفة بن العبد
ففداء لبني سعد على ما أصاب الناس من خير و شرما أقلت قدماي إنهم نعم الساعون في الحي الشطرو لقد كنت عليكم عاتبا فعقبتم بذنوب غير مر
شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 20كنت فيكم كالمغطى رأسه فانجلى اليوم قناعي و خمرسادرا أحسب غيي رشدا فتناهيت و قد صابت بقو قال الأشتر يا أمير المؤمنين قد غلب الله لك على الماء فقال علي ع أنتما كما قال الشاعر
تلاقين قيسا و أشياعه فيوقد للحرب نارا فناراأخو الحرب إن لقحت بازلا سما للعلا و أجل الخطارا(5/15)