المؤمنين إن هذا قد أمن سوطك و سيفك فدعني أضرب عنقه فقال لست أريد ذلك منه على كره خلوا سبيله فلما انصرف قال أمير المؤمنين لقد كان صغيرا و هو سيئ الخلق و هو في كبره أسوأ خلقا. ثم أتي بسعد بن أبي وقاص فقال له بايع فقال يا أبا الحسن خلني فإذا لم يبق غيري بايعتك فو الله لا يأتيك من قبلي أمر تكرهه أبدا فقال صدق خلوا سبيله. ثم بعث إلى محمد بن مسلمة فلما أتاه قال له بايع قال إن رسول الله ص أمرني إذا اختلف الناس و صاروا هكذا و شبك بين أصابعه أن أخرج بسيفي فأضرب به عرض أحد فإذا تقطع أتيت منزلي فكنت فيه لا أبرحه حتى تأتيني يد خاطية أو منية قاضية فقال له ع فانطلق إذا فكن كما أمرت به. ثم بعث إلى أسامة بن زيد فلما جاء قال له بايع فقال إني مولاك و لا خلاف مني عليك و ستأتيك بيعتي إذا سكن الناس فأمره بالانصراف و لم يبعث إلى أحد غيره.
و قيل له أ لا تبعث إلى حسان بن ثابت و كعب بن مالك و عبد الله بن سلام فقال لا حاجة لنا فيمن لا حاجة له فينا
فأما أصحابنا فإنهم يذكرون في كتبهم أن هؤلاء الرهط إنما اعتذروا بما اعتذروا به شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 10لما ندبهم إلى الشخوص معه لحرب أصحاب الجمل و أنهم لم يتخلفوا عن البيعة و إنما تخلفوا عن الحرب. و روى شيخنا أبو الحسين رحمه الله تعالى في كتاب الغرر أنهم لما اعتذروا إليه بهذه الأعذار قال لهم ما كل مفتون يعاتب أ عندكم شك في بيعتي قالوا لا قال فإذا بايعتم فقد قاتلتم و أعفاهم من حضور الحرب(5/6)
فإن قيل رويتم أنه قال إن كرهني رجل واحد من الناس لم أدخل في هذا الأمر ثم رويتم أن جماعة من أعيان المسلمين كرهوا و لم يقف مع كراهتهم. قيل إنما مراده ع أنه متى وقع الاختلاف قبل البيعة نفضت يدي عن الأمر و لم أدخل فيه فأما إذا بويع ثم خالف ناس بعد البيعة فلا يجوز له أن يرجع عن الأمر و يتركه لأن الإمامة تثبت بالبيعة و إذا ثبتت لم يجز له تركها. و روى أبو مخنف عن ابن عباس قال لما دخل علي ع المسجد و جاء الناس ليبايعوه خفت أن يتكلم بعض أهل الشنئان لعلي ع ممن قتل أباه أو أخاه أو ذا قرابته في حياة رسول الله ص فيزهد علي في الأمر و يتركه فكنت أرصد ذلك و أتخوفه فلم يتكلم أحد حتى بايعه الناس كلهم راضين مسلمين غير مكرهين. لما بايع الناس عليا ع و تخلف عبد الله بن عمر و كلمه علي ع في البيعة فامتنع عليه أتاه في اليوم الثاني فقال إني لك ناصح إن بيعتك لم يرض بها كلهم فلو نظرت لدينك و رددت الأمر شورى بين المسلمين فقال علي ع ويحك و هل ما كان عن طلب مني له أ لم يبلغك صنيعهم قم عني يا أحمق ما أنت و هذا الكلام شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 11فلما خرج أتى عليا في اليوم الثالث آت فقال إن ابن عمر قد خرج إلى مكة يفسد الناس عليك فأمر بالبعث أثره فجاءت أم كلثوم ابنته فسألته و ضرعت إليه فيه و قالت يا أمير المؤمنين إنما خرج إلى مكة ليقيم بها و إنه ليس بصاحب سلطان و لا هو من رجال هذا الشأن و طلبت إليه أن يقبل شفاعتها في أمره لأنه ابن بعلها فأجابها و كف عن البعثة إليه و قال دعوه و ما أراده(5/7)
شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 5412- و من كلام له ع و قد استبطأ أصحابه إذنه لهم في القتال بصفينأَمَّا قَوْلُكُمْ أَ كُلَّ ذَلِكَ كَرَاهِيَةَ الْمَوْتِ فَوَاللَّهِ مَا أُبَالِي دَخَلْتُ إِلَى الْمَوْتِ أَوْ خَرَجَ الْمَوْتُ إِلَيَّ وَ أَمَّا قَوْلُكُمْ شَكّاً فِي أَهْلِ الشَّامِ فَوَاللَّهِ مَا دَفَعْتُ الْحَرْبَ يَوْماً إِلَّا وَ أَنَا أَطْمَعُ أَنْ تَلْحَقَ بِي طَائِفَةٌ فَتَهْتَدِيَ بِي وَ تَعْشُوَ إِلَى ضَوْئِي فَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقْتُلَهَا عَلَى ضَلَالِهَا وَ إِنْ كَانَتْ تَبُوءُ بِآثَامِهَا
من رواه أ كل ذلك بالنصب فمفعول فعل مقدر أي تفعل كل ذلك و كراهية منصوب لأنه مفعول له و من رواه أ كل ذلك بالرفع أجاز في كراهية الرفع و النصب أما الرفع فإنه يجعل كل مبتدأ و كراهية خبره و أما النصب فيجعلها مفعولا له كما قلنا في الرواية الأولى و يجعل خبر المبتدأ محذوفا و تقديره أ كل هذا مفعول أو تفعله كراهية للموت ثم أقسم إنه لا يبالي أ تعرض هو للموت حتى يموت أم جاءه الموت ابتداء من غير أن يتعرض له. و عشا إلى النار يعشو استدل عليها ببصر ضعيف قال
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره تجد خير نار عندها خير موقد
شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 13و هذا الكلام استعارة شبه من عساه يلحق به من أهل الشام بمن يعشو ليلا إلى النار و ذلك لأن بصائر أهل الشام ضعيفة فهم من الاهتداء بهداه ع كمن يعشو ببصر ضعيف إلى النار في الليل قال ذاك أحب إلي من أن أقتلهم على ضلالهم و إن كنت لو قتهم على هذه الحالة لباءوا بآثامهم أي رجعوا قال سبحانه إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَ إِثْمِكَ أي ترجع
من أخبار يوم صفين(5/8)
لما ملك أمير المؤمنين ع الماء بصفين ثم سمح لأهل الشام بالمشاركة فيه و المساهمة رجاء أن يعطفوا إليه و استمالة لقلوبهم و إظهارا للمعدلة و حسن السيرة فيهم مكث أياما لا يرسل إلى معاوية و لا يأتيه من عند معاوية أحد و استبطأ أهل العراق إذنه لهم في القتال و قالوا يا أمير المؤمنين خلفنا ذرارينا و نساءنا بالكوفة و جئنا إلى أطراف الشام لنتخذها وطنا ائذن لنا في القتال فإن الناس قد قالوا قال لهم ع ما قالوا فقال منهم قائل إن الناس يظنون أنك تكره الحرب كراهية للموت و إن من الناس من يظن أنك في شك من قتال أهل الشام(5/9)
فقال ع و متى كنت كارها للحرب قط إن من العجب حبي لها غلاما و يفعا و كراهيتي لها شيخا بعد نفاد العمر و قرب الوقت و أما شكي في القوم فلو شككت فيهم لشككت في أهل البصرة و الله لقد ضربت هذا الأمر ظهرا و بطنا فما وجدت يسعني إلا القتال أو أن أعصي الله و رسوله و لكني أستأني بالقوم عسى أن يهتدوا أو تهتدي منهم طائفة فإن شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 14رسول الله ص قال لي يوم خيبر لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمسقال نصر بن مزاحم حدثنا محمد بن عبيد الله عن الجرجاني قال فبعث علي ع إلى معاوية بشير بن عمرو بن محصن الأنصاري و سعيد بن قيس الهمداني و شبث بن الربعي التميمي فقال ائتوا هذا الرجل فادعوه إلى الله عز و جل و إلى الطاعة و الجماعة و إلى اتباع أمر الله سبحانه فقال له شبث يا أمير المؤمنين أ لا تطمعه في سلطان توليه إياه و منزلة يكون له بها أثره عندك إن هو بايعك فقال ائتوه الآن و القوه و احتجوا عليه و انظروا ما رأيه في هذا. فأتوه فدخلوا عليه فحمد أبو عمرو بن محصن الله و أثنى عليه و قال أما بعد يا معاوية فإن الدنيا عنك زائلة و إنك راجع إلى الآخرة و إن الله مجازيك بعملك و محاسبك بما قدمت يداك و إنني أنشدك الله ألا تفرق جماعة هذه الأمة و ألا تسفك دماءها بينها فقطع معاوية عليه الكلام و قال فهلا أوصيت صاحبك فقال سبحان الله إن صاحبي لا يوصى إن صاحبي ليس مثلك صاحبي أحق الناس بهذا الأمر في الفضل و الدين و السابقة في الإسلام و القرابة من الرسول قال معاوية فتقول ما ذا قال أدعوك إلى تقوى ربك و إجابة ابن عمك إلى ما يدعوك إليه من الحق فإنه أسلم لك في دينك و خير لك في عاقبة أمرك قال و يطل دم عثمان لا و الرحمن لا أفعل ذلك أبدا. شرح نج البلاغة ج : 4 ص : 15فذهب سعيد بن قيس يتكلم فبدره شبث بن الربعي فحمد الله و أثنى عليه ثم قال يا معاوية قد فهمت ما رددت على ابن محصن إنه لا يخفى علينا ما(5/10)