شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 3الجزء الرابع
تتمة الخطب و الأوامر
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الواحد العدل الحكيم و صلى الله على رسوله الكريم
تتمة الخطبة الثانية و الخمسين
وَ مِنْهَا فِي ذِكْرِ يَوْمِ النَّحْرِ وَ صِفَةِ الْأُضْحِيَّةِ وَ مِنْ تَمَامِ الْأُضْحِيَّةِ اسْتِشْرَافُ أُذُنِهَا وَ سَلَامَةُ عَيْنِهَا فَإِذَا سَلِمَتِ الْأُذُنُ وَ الْعَيْنُ سَلِمَتِ الْأُضْحِيَّةُ وَ تَمَّتْ وَ لَوْ كَانَتْ عَضْبَاءَ الْقَرْنِ تَجُرُّ رِجْلَهَا إِلَى الْمَنْسَكِ
قال الرضي رحمه الله و المنسك هاهنا المذبح
الأضحية ما يذبح يوم النحر و ما يجري مجراه أيام التشريق من النعم و استشراف أذنها انتصابها و ارتفاعها أذن شرفاء أي منتصبة. و العضباء المكسورة القرن و التي تجر رجلها إلى المنسك كناية عن العرجاء و يجوز المنسك بفتح السين و كسرها
اختلاف الفقهاء في حكم الأضحية
و اختلف الفقهاء في وجوب الأضحية فقال أبو حنيفة هي واجبة على المقيمين من أهل شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 4الأمصار و يعتبر في وجوبها النصاب و به قال مالك و الثوري إلا أن مالكا لم يعتبر الإقامة. و قال الشافعي الأضحية سنة مؤكدة و به قال أبو يوسف و محمد و أحمد. اختلفوا في العمياء هل تجزئ أم لا فأكثر الفقهاء على أنها لا تجزئ و كلام أمير المؤمنين ع في هذا الفصل يقتضي ذلك لأنه قال إذا سلمت العين سلمت الأضحية فيقتضي أنه إذا لم تسلم العين لم تسلم الأضحية و معنى انتفاء سلامة الأضحية انتفاء أجزائها. و حكي عن بعض أهل الظاهر أنه قال تجزئ العمياء. و قال محمد بن النعمان المعروف بالمفيد رضي الله تعالى عنه أحد فقهاء الشيعة في كتابه المعروف بالمقنعة
إن الصادق ع سئل عن الرجل يهدي الهدي أو الأضحية و هي سمينة فيصيبها مرض أو تفقأ عينها أو تنكسر فتبلغ يوم النحر و هي حية أ تجزئ عنه فقال نعم(5/1)
فأما الأذن فقال أحمد لا يجوز التضحية بمقطوعة الأذن و كلام أمير المؤمنين ع يقتضي ذلك و قال سائر الفقهاء تجزئ إلا أنه مكروه. و أما العضباء فأكثر الفقهاء على أنها تجزئ إلا أنه مكروه و كلام أمير المؤمنين ع يقتضي ذلك و كذلك الحكم في الجلحاء و هي التي لم يخلق لها قرن و القصماء و هي التي انكسر غلاف قرنها و الشرفاء و هي التي انثقبت أذنها من الكي و الخرقاء و هي التي شقت أذنها طولا. و قال مالك إن كانت العضباء يخرج من قرنها دم لم تجزئ. و قال أحمد و النخعي لا تجوز التضحية بالعضباء. شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 5فأما العاء التي كنى عنها بقوله تجر رجلها إلى المنسك فأكثر الفقهاء على أنها لا تجزئ و كلام أمير المؤمنين ع يقتضي أنها تجزئ و قد نقل أصحاب الشافعي عنه في أحد قوليه أن الأضحية إذا كانت مريضة مرضا يسيرا أجزأت. و قال الماوردي من الشافعية في كتابه المعروف بالحاوي إن عجزت عن أن تجر رجلها خلقة أجزأت و إن كان ذلك عن مرض لم تجزئ
شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 536- و من كلام له ع في ذكر البيعةفَتَدَاكُّوا عَلَيَّ تَدَاكَّ الْإِبِلِ الْهِيمِ يَوْمَ وِرْدِهَا وَ قَدْ أَرْسَلَهَا رَاعِيهَا وَ خُلِعَتْ مَثَانِيهَا حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُمْ قَاتِلِيَّ أَوْ بَعْضُهُمْ قَاتِلُ بَعْضٍ لَدَيَّ وَ قَدْ قَلَّبْتُ هَذَا الْأَمْرَ بَطْنَهُ وَ ظَهْرَهُ حَتَّى مَنَعَنِي النَّوْمَ فَمَا وَجَدْتُنِي يَسَعُنِي إِلَّا قِتَالُهُمْ أَوِ الْجُحُودُ بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ ص فَكَانَتْ مُعَالَجَةُ الْقِتَالِ أَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ مُعَالَجَةِ الْعِقَابِ وَ مَوْتَاتُ الدُّنْيَا أَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ مَوْتَاتِ الآْخِرَةِ(5/2)
تداكوا ازدحموا و الهيم العطاش و يوم وردها يوم شربها الماء و المثاني الحبال جمع مثناة و مثناة بالفتح و الكسر و هو الحبل. و جهاد البغاة واجب على الإمام إذا وجد أنصارا فإذا أخل بذلك أخل بواجب و استحق العقاب. فإن قيل
إنه ع قال لم يسعني إلا قتالهم أو الجحود بما جاء به محمد ص
فكيف يكون تارك الواجب جاحدا لما جاء به النبي ص. قيل إنه في حكم الجاحد لأنه مخالف و عاص لا سيما على مذهبنا في أن تارك الواجب يخلد في النار و إن لم يجحد النبوة شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : بيعة علي و أمر المتخلفين عنها(5/3)
اختلف الناس في بيعة أمير المؤمنين ع فالذي عليه أكثر الناس و جمهور أرباب السير أن طلحة و الزبير بايعاه طائعين غير مكرهين ثم تغيرت عزائمهما و فسدت نياتهما و غدرا به. و قال الزبيريون منهم عبد الله بن مصعب و الزبير بن بكار و شيعتهم و من وافق قولهم من بني تيم بن مرة أرباب العصبية لطلحة إنهما بايعا مكرهين و إن الزبير كان يقول بايعت و اللج على قفي و اللج سيف الأشتر و قفي لغة هذلية إذا أضافوا المقصور إلى أنفسهم قلبوا الألف ياء و أدغموا إحدى الياءين في الأخرى فيقولون قد وافق ذلك هوي أي هواي و هذه عصي أي عصاي. و ذكر صاحب كتاب الأوائل أن الأشتر جاء إلى علي ع حين قتل عثمان فقال قم فبايع الناس فقد اجتمعوا لك و رغبوا فيك و الله لئن نكلت عنها لتعصرن عليها عينيك مرة رابعة فجاء حتى دخل بئر سكن و اجتمع الناس و حضر طلحة و الزبير لا يشكان أن الأمر شورى فقال الأشتر أ تنتظرون أحدا قم يا طلحة فبايع فتقاعس فقال قم يا ابن الصعبة و سل سيفه فقام طلحة يجر رجله حتى بايع فقال قائل أول من بايعه أشل لا يتم أمره ثم لا يتم قال قم يا زبير و الله لا ينازع أحد إلا و ضربت قرطة بهذا السيف فقام الزبير فبايع ثم انثال الناس عليه فبايعوا. و قيل أول من بايعه الأشتر ألقى خميصة كانت عليه و اخترط سيفه و جذب يد علي ع فبايعه و قال للزبير و طلحة قوما فبايعا و إلا كنتما الليلة عند عثمان فقاما يعثران في ثيابهما لا يرجوان نجاة حتى صفقا بأيديهما على يده ثم قام بعدهما البصريون شرح نهج البلاغة ج : 4 ص : 8و أولهم د الرحمن بن عديس البلوي فبايعوا و قال له عبد الرحمن
خذها إليك و اعلمن أبا حسن أنا نمر الأمر إمرار الرسن(5/4)
و قد ذكرنا نحن في شرح الفصل الذي فيه أن الزبير أقر بالبيعة و ادعى الوليجة أن بيعة أمير المؤمنين لم تقع إلا عن رضا جميع أهل المدينة أولهم طلحة و الزبير و ذكرنا في ذلك ما يبطل رواية الزبير. و ذكر أبو مخنف في كتاب الجمل أن الأنصار و المهاجرين اجتمعوا في مسجد رسول الله ص لينظروا من يولونه أمرهم حتى غص المسجد بأهله فاتفق رأي عمار و أبي الهيثم بن التيهان و رفاعة بن رافع و مالك بن عجلان و أبي أيوب خالد بن يزيد على إقعاد أمير المؤمنين ع في الخلافة و كان أشدهم تهالكا عليه عمار فقال لهم أيها الأنصار قد سار فيكم عثمان بالأمس بما رأيتموه و أنتم على شرف من الوقوع في مثله إن لم تنظروا لأنفسكم و إن عليا أولى الناس بهذا الأمر لفضله و سابقته فقالوا رضينا به حينئذ و قالوا بأجمعهم لبقية الناس من الأنصار و المهاجرين أيها الناس إنا لن نألوكم خيرا و أنفسنا إن شاء الله و إن عليا من قد علمتم و ما نعرف مكان أحد أحمل لهذا الأمر منه و لا أولى به فقال الناس بأجمعهم قد رضينا و هو عندنا ما ذكرتم و أفضل. و قاموا كلهم فأتوا عليا ع فاستخرجوه من داره و سألوه بسط يده فقبضها فتداكوا عليه تداك الإبل الهيم على وردها حتى كاد بعضهم يقتل بعضا فلما رأى منهم ما رأى سألهم أن تكون بيعته في المسجد ظاهرة للناس و قال إن كرهني رجل واحد من الناس لم أدخل في هذا الأمر. فنهض الناس معه حتى دخل المسجد فكان أول من بايعه طلحة فقال قبيصة بن ذؤيب الأسدي تخوفت ألا يتم له أمره لأن أول يد بايعته شلاء ثم بايعه الزبير شرحنهج البلاغة ج : 4 ص : 9و بايعه المسلمون بالمدينة إلا محمد بن مسلمة و عبد الله بن عمر و أسامة بن زيد و سعد بن أبي وقاص و كعب بن مالك و حسان بن ثابت و عبد الله بن سلام. فأمر بإحضار عبد الله بن عمر فقال له بايع قال لا أبايع حتى يبايع جميع الناس فقال له ع فأعني حميلا ألا تبرح قال و لا أعطيك حميلا فقال الأشتر يا أمير(5/5)