قال فو الله ما أمسى الناس حتى رأوا سقاتهم و سقاة أهل الشام و رواياهم و روايا أهل الشام يزدحمون على الماء ما يؤذي إنسان إنسانا
شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 52332- و من خطبة له عو قد تقدم مختارها برواية و نذكر ما نذكره هنا برواية أخرى لتغاير الروايتين
أَلَا وَ إِنَّ الدُّنْيَا قَدْ تَصَرَّمَتْ وَ آذَنَتْ بِانْقِضَاءٍ وَ تَنَكَّرَ مَعْرُوفُهَا وَ أَدْبَرَتْ حَذَّاءَ فَهِيَ تَحْفِزُ بِالْفَنَاءِ سُكَّانَهَا وَ تَحْدُو بِالْمَوْتِ جِيرَانَهَا وَ قَدْ أَمَرَّ فِيهَا مَا كَانَ حُلْواً وَ كَدِرَ مِنْهَا مَا كَانَ صَفْواً فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلَّا سَمَلَةٌ كَسَمَلَةِ الْإِدَاوَةِ أَوْ جُرْعَةٌ كَجُرْعَةِ الْمَقْلَةِ لَوْ تَمَزَّزَهَا الصَّدْيَانُ لَمْ يَنْقَعْ فَأَزْمِعُوا عَبِادَ اللَّهِ الرَّحِيلَ عَنْ هَذِهِ الدَّارِ الْمَقْدُورِ عَلَى أَهْلِهَا الزَّوَالُ وَ لَا يَغْلِبَنَّكُمْ فِيهَا الْأَمَلُ وَ لَا يَطُولَنَّ عَلَيْكُمْ فِيهَا الْأَمَدُ فَوَاللَّهِ لَوْ حَنَنْتُمْ حَنِينَ الْوُلَّهِ الْعِجَالِ وَ دَعَوْتُمْ بِهَدِيلِ الْحَمَامِ وَ جَأَرْتُمْ جُؤَارَ مُتَبَتِّلِي الرُّهْبَانِ وَ خَرَجْتُمْ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْأَمْوَالِ وَ الْأَوْلَادِ الْتِمَاسَ الْقُرْبَةِ إِلَيْهِ فِي ارْتِفَاعِ دَرَجَةٍ عِنْدَهُ أَوْ غُفْرَانِ سَيِّئَةٍ أَحْصَتْهَا كُتُبُهُ وَ حَفِظَتْهَا رُسُلُهُ لَكَانَ قَلِيلًا فِيمَا أَرْجُو لَكُمْ مِنْ ثَوَابِهِ وَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْ عِقَابِهِ وَ بِاللَّهِ لَوِ انْمَاثَتْ قُلُوبُكُمُ انْمِيَاثاً وَ سَالَتْ عُيُونُكُمْ مِنْ رَغْبَةٍ إِلَيْهِ أَوْ رَهْبَةٍ مِنْهُ دَماً ثُمَّ عُمِّرْتُمْ فِي الدُّنْيَا مَا الدُّنْيَا بَاقِيَةٌ مَا جَزَتْ أَعْمَالُكُمْ وَ لَوْ لَمْ تُبْقُوا شَيْئاً مِنْ جُهْدِكُمْ أَنْعُمَهُ عَلَيْكُمُ الْعِظَامَ وَ هُدَاهُ إِيَّاكُمْ(4/277)


لِلْإِيمَانِ
شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 333تصرمت انقطعت و فنيت و آذنت بانقضاء أعلمت بذلك آذنته بكذا أي أعلمته و تنكر معروفها جهل منها ما كان معروفا. و الحذاء السريعة الذهاب و رحم حذاء مقطوعة غير موصولة و من رواه جذاء بالجيم أراد منقطعة الدر و الخير. و تحفر بالفناء سكها تعجلهم و تسوقهم و أمر الشي ء صار مرا و كدر الماء بكسر الدال و يجوز كدر بضمها و المصدر من الأول كدرا و من الثاني كدورة. و السملة بفتح الميم البقية من الماء تبقى في الإناء و المقلة بفتح الميم و تسكين القاف حصاة القسم التي تلقى في الماء ليعرف قدر ما يسقى ل واحد منهم و ذلك عند قلة الماء في المفاوز قال
قذفوا سيدهم في ورطة قذفك المقلة وسط المعترك
و التمزز تمصص الشراب قليلا قليلا و الصديان العطشان. و لم ينقع لم يرو و هذا يمكن أن يكون لازما و يمكن أن يكون متعديا تقول نقع الرجل بالماء أي روي و شفى غليله ينقع و نقع الماء الصدى ينقع أي سكنه. فأزمعوا الرحيل أي اعزموا عليه يقال أزمعت الأمر و لا يجوز أزمعت على الأمر و أجازه الفراء. قوله المقدور على أهلها الزوال أي المكتوب قال
و اعلم بأن ذا الجلال قد قدر في الصحف الأولى الذي كان سطر(4/278)


شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 334أي كتب و الوله العجال النوق الوالهة الفاقدة أولادها الواحدة عجول و الوله ذهاب العقل و فقد التمييز و هديل الحمام صوت نوحه و الجؤار صوت مرتفع و المتبتل المنقطع عن الدنيا و انماث القلب أي ذاب. و قوله و لو لم تبقوا شيئا من جهدكمعتراض في الكلام. و أنعمه منصوب لأنه مفعول جزت. و في هذا الكلام تلويح و إشارة إلى مذهب البغداديين من أصحابنا في أن الثواب على فعل الطاعة غير واجب لأنه شكر النعمة فلا يقتضي وجوب ثواب آخر و هو قوله ع لو انماثت قلوبكم انمياثا... إلى آخر الفصل. و أصحابنا البصريون لا يذهبون إلى ذلك بل يقولون إن الثواب واجب على الحكيم سبحانه لأنه قد كلفنا ما يشق علينا و تكليف المشاق كإنزال المشاق فكما اقتضت الآلام و المشاق النازلة بنا من جهته سبحانه أعواضا مستحقه عليه تعالى عن إنزالها بنا كذلك تقتضي التكليفات الشاقة ثوابا مستحقا عليه تعالى عن إلزامه إيانا بها قالوا فأما ما سلف من نعمه علينا فهو تفضل منه تعالى و لا يجوز في الحكمة أن يتفضل الحكيم على غيره بأمر من الأمور ثم يلزمه أفعالا شاقة و يجعلها بإزاء ذلك التفضل إلا إذا كان في تلك الأمور منافع عائدة على ذلك الحكيم فكان ما سلف من المنافع جاريا مجرى الأجرة كمن يدفع درهما إلى إنسان ليخيط له ثوبا و البارئ تعالى منزه عن المنافع و نعمه علينا منزهة أن تجري مجرى الأجرة على تكليفنا المشاق. و أيضا فقد يتساوى اثنان من الناس في النعم المنعم بها عليهما و يختلفان في التكاليف شرح نهج البلاغة ج 3 ص : 335فلو كان التكليف لأجل ما مضى من النعم لوجب أن يقدر بحسبها فإن قيل فعلى ما ذا يحمل كلام أمير المؤمنين ع و فيه إشارة إلى مذهب البغداديين. قيل إنه ع لم يصرح بمذهب البغداديين و لكنه قال لو عبدتموه بأقصى ما ينتهي الجهد إليه و ما وفيتم بشكر أنعمه و هذا حق غير مختلف فيه لأن نعم البارئ تعالى لا تقوم العباد بشكرها و إن(4/279)


بالغوا في عبادته و الخضوع له و الإخلاص في طاعته و لا يقتضي صدق هذه القضية و صحتها صحة مذهب البغداديين في أن الثواب على الله تعالى غير واجب لأن التكليف إنما كان باعتبار أنه شكر النعمة السالفة
ما قيل من الأشعار في ذم الدنيا
فأما ما قاله الناس في ذم الدنيا و غرورها و حوادثها و خطوبها و تنكرها لأهلها و الشكوى منها و العتاب لها و الموعظة بها و تصرمها و تقلبها فكثير من ذلك قول بعضهم
هي الدنيا تقول بمل ء فيها حذار حذار من بطشي و فتكي فلا يغرركم حسن ابتسامي فقولي مضحك و الفعل مبو قال آخر
تنح عن الدنيا و لا تطلبنها و لا تخطبن قتالة من تناكح فليس يفي مرجوها بمخوفها و مكروهها إما تأملت راجح لقد قال فيها القائلون فأكثروا و عندي لها وصف لعمرك صالح سلاف قصاراها ذعاف و مركب شهي إذا استلذذته فهو جامح و شخص جميل يعجب الناس حسنه و لكن له أفعال سوء قبائح شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 33و قال أبو الطيب
أبدا تسترد ما تهب الدنيا فيا ليت جودها كان بخلا
و هي معشوقه على الغدر لا تحفظ عهدا و لا تتم وصلا
كل دمع يسيل منها عليها و بفك اليدين عنها تخلى
شيم الغانيات فيها و لا أدري لذا أنث اسمها الناس أم لا

و قال آخر
إنما الدنيا عوار و العواري مسترده
شدة بعد رخاء و رخاء بعد شده

و قال محمد بن هانئ المغربي
و ما الناس إلا ظاعن فمودع و ثاو قريح الجفن يبكي لراحل
فما الدهر إلا كالزمان الذي مضى و لا نحن إلا كالقرون الأوائل
نساق من الدنيا إلى غير دائم و نبكي من الدنيا على غير طائل
فما عاجل نرجوه إلا كآجل و لا آجل نخشاه إلا كعاجل

و قال ابن المظفر المغربي
دنياك دار غرور و نعمة مستعاره
و دار أكل و شرب و مكسب و تجاره
و رأس مالك نفس فخف عليها الخساره

شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 33و لا تبعها بأكل و طيب عرف و شاره
فإن ملك سليمان لا يفي بشراره

و قال أبو العتاهية(4/280)


ألا إنما التقوى هي البر و الكرم و حبك للدنيا هو الفقر و العدم
و ليس على عبد تقي غضاضة إذا صحح التقوى و إن حاك أو حجم

و قال أيضا
تعلقت بآمال طوال أي آمال
و أقبلت على الدنيا ملحا أي إقبال
أيا هذا تجهز لفراق الأهل و المال
فلا بد من الموت على حال من الحال

و قال أيضا
سكن يبقى له سكن ما بهذا يؤذن الزمن
نحن في دار يخبرنا ببلاها ناطق لسن
دار سوء لم يدم فرح لامرئ فيها و لا حزن
في سبيل الله أنفسنا كلنا بالموت مرتهن
كل نفس عند موتتها حظها من مالها الكفن
إن مال المرء ليس له منه إلا ذكره الحسن

شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 33و قال أيضا
ألا إننا كلنا بائد و أي بني آدم خالد
و بدؤهم كان من ربهم و كل إلى ربه عائد
فوا عجبا كيف يعصي الإله أم كيف يجحده الجاحد
و في كل شي ء له آية تدل على أنه الواحد
و قال الرضي الموسوي
يا آمن الأيام بادر صرفها و اعلم بأن الطالبين حثاث
خذ من ثرائك ما استطعت فإنما شركاؤك الأيام و الوراث
لم يقض حق المال إلا معشر نظروا الزمان يعيث فيه فعاثوا
تحثو على عيب الغني يد الغنى و الفقر عن عيب الفتى بحاث
المال مال المرء ما بلغت به الشهوات أو دفعت به الأحداث
ما كان منه فاضلا عن قوته فليعلمن بأنه ميراث
ما لي إلى الدنيا الدنية حاجة فليجن ساحر كيدها النفاث
طلقتها ألفا لأحسم داءها و طلاق من عزم الطلاق ثلاث
و ثباتها مرهوبة و عداتها مكذوبة و حبالها أنكاث
أم المصائب لا تزال تروعنا منها ذكور حوادث و إناث
إني لأعجب للذين تمسكوا بحبائل الدنيا و هن رثاث
كنزوا الكنوز و اعقلوا شهواتهم فالأرض تشبع و البطون غراث
أ تراهم لم يعلموا أن التقى أزوادنا و ديارنا الأجداث

شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 33و قال آخر
هذه الدنيا إذا صرفت وجهها لم تنفع الحيل
و إذا ما أقبلت لعم بصرته كيف يفتعل
و إذا ما أدبرت لذكي غاب عنه السهل و الجبل
فهي كالدولاب دائرة ترتقي طورا و تستفل(4/281)

24 / 148
ع
En
A+
A-