اثنا عشر ألفا فحملوا على عمرو و أبي الأعور و من معهما من أهل الشام فأزالوهم عن الماء حتى غمست خيل علي ع سنابكها في الماء.
قال نصر فروى عمر بن سعد أن عليا ع قال ذلك اليوم هذا يوم نصرتم فيه بالحمية
قال نصر و حدثنا عمرو بن شمر عن جابر قال سمعت تميما الناجي يقول سمعت الأشعث يقول حال عمرو بن العاص بيننا و بين الفرات فقلت له ويحك يا عمرو أما و الله إن كنت لأظن لك رأيا فإذا أنت لا عقل لك أ ترانا نخليك و الماء تربت يداك أ ما علمت أنا معشر عرب ثكلتك أمك و هبلتك لقد رمت أمرا عظيما فقال لي عمرو أما و الله لتعلمن اليوم أنا سنفي بالعهد و نحكم العقد و نلقاكم شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 325بصبر و جد فنادى به الأشتر يا ابن العاص أما و الله لقد نزلنا هذه الفرضة و إنا لنريد القتال على البصائر و الدين و ما قتالنا سائرليوم إلا حمية. ثم كبر الأشتر و كبرنا معه و حملنا فما ثار الغبار حتى انهزم أهل الشام. قالوا فلقي عمرو بن العاص بعد انقضاء صفين الأشعث فقال له يا أخا كندة أما و الله لقد أبصرت صواب قولك يوم الماء و لكن كنت مقهورا على ذلك الرأي فكابرتك بالتهدد و الوعيد و الحرب خدعة. قال نصر و لقد كان من رأي عمرو التخلية بين أهل العراق و الماء و رجع معاوية بأخرة إلى قوله بعد اختلاط القوم في الحرب فإن عمرا فيما روينا أرسل إلى معاوية أن خل بين القوم و بين الماء أ ترى القوم يموتون عطشا و هم ينظرون إلى الماء فأرسل معاوية إلى يزيد بن أسد القسري أن خل بين القوم و بين الماء يا أبا عبد الله فقال يزيد و كان شديد العثمانية كلا و الله لنقتلنهم عطشا كما قتلوا أمير المؤمنين.
قال فحدثنا عمرو بن شمر عن جابر قال خطب علي ع يوم الماء فقال أما بعد فإن القوم قد بدءوكم بالظلم و فاتحوكم بالبغي و استقبلوكم بالعدوان و قد استطعموكم القتال حيث منعوكم الماء فأقروا على مذلة و تأخير مهلة(4/272)
الفصل إلى آخره. قال نصر و كان قد بلغ أهل الشام أن عليا ع جعل للناس إن فتح الشام أن يقسم بينهم التبر و الذهب و هما الأحمران و أن يعطي كلا منهم خمسمائة كما أعطاهم بالبصرة فنادى ذلك اليوم منادي أهل الشام يا أهل العراق لما ذا نزلتم بعجاج شرح نهج البلاغة ج : ص : 326من الأرض نحن أزد شنوءة لا أزد عمان يا أهل العراق
لا خمس إلا جندل الأحرين و الخمس قد تجشمك الأمرين
قال نصر فحدثني عمرو بن شمر عن إسماعيل السدي عن بكر بن تغلب قال حدثني من سمع الأشعث يوم الفرات و قد كان له غناء عظيم من أهل العراق و قتل رجالا من أهل الشام بيده و هو يقول و الله إن كنت لكارها قتال أهل الصلاة و لكن معي من هو أقدم مني في الإسلام و أعلم بالكتاب و السنة فهو الذي يسخي بنفسه. شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 327قال نصر و حمل ظبيان بن عمارة التميمي على أهل الشام و هو يقولهل لك يا ظبيان من بقاء في ساكني الأرض بغير ماءلا و إله الأرض و السماء فاضرب وجوه الغدر الأعداءبالسيف عند حمس الهيجاء حتى يجيبوك إلى السواء
قال فضربهم و الله حتى خلوا له الماء. قال نصر و دعا الأشتر بالحارث بن همام النخعي ثم الصهباني فأعطاه لواءه و قال له يا حارث لو لا أني أعلم أنك تصبر عند الموت لأخذت لوائي منك و لم أحبك بكرامتي فقال و الله يا مالك لأسرنك أو لأموتن فاتبعني ثم تقدم باللواء و ارتجز فقال(4/273)
يا أخا الخيرات يا خير النخع و صاحب النصر إذا عم الفزع و كاشف الخطب إذا الأمر وقع ما أنت في الحرب العوان بالجذع قد جزع القوم و عموا بالجزع و جرعوا الغيظ و غصوا بالجرع إن تسقنا الماء فليست بالبدع أو نعطش اليوم فجند مقتطع ما شئت خذ منها و ما شئت فقال الأشتر ادن مني يا حارث فدنا منه فقبل رأسه فقال لا يتبع رأسه اليوم إلا خير ثم صاح الأشتر في أصحابه فدتكم نفسي شدوا شدة المحرج الراجي للفرج فإذا نالتكم الرماح فالتووا فيها فإذا عضتكم السيوف فليعض الرجل على نواجذه فإنه أشد لشئون الرأس ثم استقبلوا القوم بهامكم. شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 328قال و كان الأشتر يومئذ على فرس له محذوف أدهم كأنه حلك الغراب و قتل بيده من أهل الشام من فرسانهم و صناديدهم سبعة صالح بن فيروز العكي و مالك بن أدهم السلماني و رياح بن عتيك الغساني و الأجلح بن منصور الكندي و كان فارس أهللشام و إبراهيم بن وضاح الجمحي و زامل بن عبيد الحزامي و محمد بن روضة الجمحي. قال نصر فأول قتيل قتله الأشتر بيده ذلك اليوم صالح بن فيروز ارتجز على الأشتر و قال له
يا صاحب الطرف الحصان الأدهم أقدم إذا شئت علينا أقدم أنا ابن ذي العز و ذي التكرم سيد عك كل عك فاعلمقال و كان صالح مشهورا بالشدة و البأس فارتجز عليه الأشتر فقال له
أنا ابن خير مذحج مركبا و خيرها نفسا و أما و أباآليت لا أرجع حتى أضربا بسيفي المصقول ضربا معجبا(4/274)
ثم شد عليه فقتله فخرج إليه مالك بن أدهم السلماني و هو من مشهوريهم أيضا فحمل على الأشتر بالرمح فلما رهقه التوى الأشتر على فرسه و مار السنان فأخطأه ثم استوى على فرسه و شد على الشامي فقتله طعنا بالرمح ثم قتل بعده رياح بن عقيل و إبراهيم بن وضاح ثم برز إليه زامل بن عقيل و كان فارسا فطعن الأشتر في موضع الجوشن فصرعه عن فرسه و لم يصب مقتلا و شد عليه الأشتر بالسيف راجلا فكشف قوائم فرسه و ارتجز عليه فقال شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 32لا بد من قتلي أو من قتلكا قتلت منكم أربعا من قبلكاكلهم كانوا حماة مثلكا
ثم ضربه بالسيف و هما راجلان فقتله ثم خرج إليه محمد بن روضة فقال و هو يضرب في أهل العراق ضربا منكرا
يا ساكني الكوفة يا أهل الفتن يا قاتلي عثمان ذاك المؤتمن أورث قلبي قتله طول الحزن أضربكم و لا أرى أبا حسنفشد عليه الأشتر فقتله و قال
لا يبعد الله سوى عثمانا و أنزل الله بكم هواناو لا يسلى عنكم الأحزانا
ثم برز إليه الأجلح بن منصور الكندي و كان من شجعان العرب و فرسانها و هو على فرس له اسمه لاحق فلما استقبله الأشتر كره لقاءه و استحيا أن يرجع عنه فتضاربا بسيفيهما فسبقه الأشتر بالضربة فقتله فقالت أخته ترثيه
ألا فابكي أخا ثقة فقد و الله أبكينالقتل الماجد القمقام لا مثل له فيناأتانا اليوم مقتله فقد جزت نواصيناكريم ماجد الجدين يشفي من أعاديناشفانا الله من أهل العراق فقد أبادوناأ ما يخشون ربهم و لم يرعوا له دينا
شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 330قال و بلغ شعرها عليا ع فقال أما إنهن ليس بملكهن ما رأيتم من الجزع أما إنهم قد أضروا بنسائهم فتركوهن أيامى حزانى بائسات قاتل الله معاوية اللهم حمله آثامهم و أوزارا و أثقالا مع أثقاله اللهم لا تعف عنه
قال نصر و حدثنا عمرو بن شمر عن جابر عن الشعبي عن الحارث بن أدهم و عن صعصعة قال أقبل الأشتر يوم الماء فضرب بسيفه جمهور أهل الشام حتى كشفهم عن الماء و هو يقول(4/275)
لا تذكروا ما قد مضى وفاة و الله ربي الباعث الأمواتامن بعد ما صاروا كذا رفاتا لأوردن خيلي الفراتاشعث النواصي أو يقال ماتا
قال و كان لواء الأشعث بن قيس مع معاوية بن الحارث فقال له الأشعث لله أبوك ليست النخع بخير من كندة قدم لواءك فإن الحظ لمن سبق فتقدم لواء الأشعث و حملت الرجال بعضها على بعض و حمل في ذلك اليوم أبو الأعور السلمي و حمل الأشتر عليه فلم ينتصف أحدهما من صاحبه و حمل شرحبيل بن السمط على الأشعث فكانا كذلك و حمل حوشب ذو ظليم على الأشعث أيضا و انفصلا و لم ينل أحدهما من صاحبه أمرا فما زالوا كذلك حتى انكشف أهل الشام عن الماء و ملك أهل العراق المشرعة. قال نصر فحدثنا محمد بن عبد الله عن الجرجاني قال قال عمرو بن العاص لمعاوية لما ملك أهل العراق الماء ما ظنك يا معاوية بالقوم إن منعوك اليوم الماء كما منعتهم شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 331أمس أ تراك تضاربهم عليه كما ضاربوك عليه ما أغنى عنك أن تكشف لهم السوأة فقال معاوية دع عنك ما مضى فما ظنك بعلي قال ظني أنه لا يستحل منك ما استحل منه و أن الذي جاء له غير الماء قال فقال له معاوية قولا أغضبه فقال عمرو
أمرتك أمرا فسخفته و خالفني ابن أبي سرحةو أغمضت في الرأي إغماضة و لم تر في الحرب كالفسحةفكيف رأيت كباش العراق أ لم ينطحوا جمعنا نطحةفإن ينطحونا غدا مثلها نكن كالزبيري أو طلحةأظن لها اليوم ما بعدها و ميعاد ما بيننا صبحه و إن أخروها لما بعدها فقد قدموا الخبطو النفحةو قد شرب القوم ماء الفرات و قلدك الأشتر الفضحة
قال نصر فقال أصحاب علي ع له امنعهم الماء يا أمير المؤمنين كما منعوك فقال لا خلوا بينهم و بينه لا أفعل ما فعله الجاهلون سنعرض عليهم كتاب الله و ندعوهم إلى الهدى فإن أجابوا و إلا ففي حد السيف ما يغني إن شاء الله(4/276)