الرامية و معهم أصحاب الرماح و الدرق و على رءوسهم البيض و قد أجمعوا أن يمنعونا الماء ففزعنا إلى أمير المؤمنين ع فأخبرناه بذلك فدعا صعصعة بن صوحان
فقال ائت معاوية و قل له إنا سرنا إليك مسيرنا هذا و أنا كره لقتالكم قبل الإعذار إليكم و إنك قدمت خيلك فقاتلتنا قبل أن نقاتلك و بدأتنا بالحرب و نحن ممن رأينا الكف حتى ندعوك و نحتج عليك و هذه أخرى قد فعلتموها قد حلتم بين الناس و بين الماء فخل بينهم و بينه حتى ننظر فيما بيننا و بينكم و فيما قدمنا له و قدمتم له و إن كان أحب إليك أن ندع ما جئنا له و ندع الناس يقتتلون حتى يكون الغالب هو الشارب فعلنا(4/267)


فلما مضى صعصعة برسالته إلى معاوية قال معاوية لأصحابه ما ترون فقال الوليد بن عقبة أمنعهم الماء كما منعوه ابن عفان حصروه أربعين يوما يمنعونه برد الماء و لين الطعام أقتلهم عطشا قتلهم الله. و قال عمرو بن العاص خل بين القوم و بين الماء فإنهم لن يعطشوا و أنت ريان و لكن لغير الماء فانظر فيما بينك و بينهم. فأعاد الوليد مقالته. و قال عبد الله بن سعيد بن أبي سرح و كان أخا عثمان من الرضاعة أمنعهم الماء إلى الليل فإنهم إن لم يقدروا عليه رجعوا و كان رجوعهم هزيمتهم أمنعهم الماء منعهم شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 319الله ي القيامة فقال صعصعة بن صوحان إنما يمنعه الله يوم القيامة الفجرة الكفرة شربة الخمر ضربك و ضرب هذا الفاسق يعني الوليد بن عقبة. فتواثبوا إليه يشتمونه و يتهددونه فقال معاوية كفوا عن الرجل فإنما هو رسول. قال عبد الله بن عوف بن أحمر إن صعصعة لما رجع إلينا حدثنا بما قال معاوية و ما كان منه و ما رده عليه قلنا و ما الذي رده عليك معاوية قال لما أردت الانصراف من عنده قلت ما ترد علي قال سيأتيكم رأيي قال فو الله ما راعنا إلا تسوية الرجال و الصفوف و الخيل فأرسل إلى أبي الأعور امنعهم الماء فازدلفنا و الله إليهم فارتمينا و أطعنا بالرماح و اضطربنا بالسيوف فطال ذلك بيننا و بينهم حتى صار الماء في أيدينا فقلنا لا و الله لا نسقيهم
فأرسل إلينا علي ع أن خذوا من الماء حاجتكم و ارجعوا إلى معسكركم و خلوا بينهم و بين الماء فإن الله قد نصركم عليهم بظلمهم و بغيهم
و روى نصر بن محمد بن عبد الله قال قام ذلك اليوم رجل من أهل الشام من السكون يعرف بالشليل بن عمر إلى معاوية فقال(4/268)


اسمع اليوم ما يقول الشليل إن قولي قول له تأويل امنع الماء من صحاب علي أن يذوقوه فالذليل ذليل و اقتل القوم مثل ما قتل الشيخ صدى فالقصاص أمر جميل إننا و الذي تساق له البدن هدايا كأنهن الفيول لو علي و صحبه وردوا الماء لما ذقتموه حتى تقو شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 320قد رضينا بأمركم و علينا بعد ذاك الرضا جلاد ثقيل فامنع القوم ماءكم ليس للقوم بقاء و إن يكن فقلفقال معاوية أما أنت فندري ما تقول و هو الرأي و لكن عمرا لا يدري فقال عمرو خل بينهم و بين الماء فإن عليا لم يكن ليظمأ و أنت ريان و في يده أعنة الخيل و هو ينظر إلى الفرات حتى يشرب أو يموت و أنت تعلم أنه الشجاع المطرق و معه أهل العراق و أهل الحجاز
و قد سمعته أنا مرارا و هو يقول لو استمكنت من أربعين رجلا يعني في الأمر الأول
و روى نصر قال لما غلب أهل الشام على الفرات فرحوا بالغلبة و قال معاوية يا أهل الشام هذا و الله أول الظفر لا سقاني الله و لا أبا سفيان أن شربوا منه أبدا حتى يقتلوا بأجمعهم عليه و تباشر أهل الشام فقام إلى معاوية رجل من أهل الشام همداني ناسك يتأله و يكثر العبادة يعرف بمعري بن أقبل و كان صديقا لعمرو بن العاص و أخا له فقال يا معاوية سبحان الله لأن سبقتم القوم إلى الفرات فغلبتموهم عليه تمنعوهم الماء أما و الله لو سبقوكم إليه لسقوكم منه أ ليس أعظم ما تنالون من القوم أن تمنعوهم الفرات فينزلوا على فرضة أخرى و يجازوكم بما صنعتم أ ما تعلمون أن فيهم العبد و الأمة و الأجير و الضعيف و من لا ذنب له هذا و الله أول الجور لقد شجعت الجبان و نصرت المرتاب و حملت من لا يريد قتالك على كتفيك فأغلظ له معاوية و قال لعمرو اكفني صديقك فأتاه عمرو فأغلظ له فقال الهمداني في ذلك شعرا
لعمر أبي معاوية بن حرب و عمرو ما لدائمها دواء(4/269)


شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 321سوى طعن يحار العقل فيه و ضرب حين تختلط الدماءو لست بتابع دين ابن هند طوال الدهر ما أرسى حراءلقد ذهب العتاب فلا عتاب و قد ذهب الولاء فلا ولاءو قولي في حوادث كل خطب على عمرو و صاحبه العفاءألا لله درك يا ابن هند لقد برح الخفاء ا خفاءأ تحمون الفرات على رجال و في أيديهم الأسل الظماءو في الأعناق أسياف حداد كأن القوم عندهم نساءأ ترجو أن يجاوركم علي بلا ماء و للأحزاب ماءدعاهم دعوة فأجاب قوم كجرب الإبل خالطها الهناء
قال ثم سار الهمداني في سواد الليل حتى لحق بعلي ع. قال و مكث أصحاب علي ع بغير ماء و اغتم علي ع بما فيه أهل العراق. قال نصر و حدثنا محمد بن عبد الله عن الجرجاني قال لما اغتم علي بما فيه أهل العراق من العطش خرج ليلا قبل رايات مذحج فإذا رجل ينشد شعرا
أ يمنعنا القوم ماء الفرات و فينا الرماح و فينا الحجف و فينا الشوازب مثل الوشيج و فينا السيوف و فينا الزغف شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 322و فينا علي له سورة إذا خوفوه الردى لم يخف و نحن الذين غداة الزبير و طلحة خضنا غمار التلف فما بالنا أمس أسد العرين و ما بالنا اليوم شاء النجف فما للعراق و ما للحجاز سوى الشام خصم فصكوا الهدف و ثوروا عليهم كبزل الجمال دوينل و فوق القطف فإما تفوزوا بماء الفرات و منا و منهم عليه جيف و إما تموتوا على طاعة تحل الجنان و تحبو الشرف و إلا فأنتم عبيد العصا و عبد العصا مستذل نقال فحرك ذلك عليا ع ثم مضى إلى رايات كندة فإذا إنسان ينشد إلى جانب منزل الأشعث و هو يقول(4/270)


لئن لم يجل الأشعث اليوم كربة من الموت فيها للنفوس تعنت فنشرب من ماء الفرات بسيفه فهبنا أناسا قبل ذاك فموتوافإن أنت لم تجمع لنا اليوم أمرنا و تنض التي فيها عليك المذلة شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 323فمن ذا الذي تثني الخناصر باسمه سواك و من هذا إليه التلفت و هل من بقاء بعد يوم و ليلة نظل خفوتا و العدو يصوت هلموا إلى ماء الفرات و دونه صدور العوالي و الصفيح المشتت و أنت امرؤ من عصبة يمنية و كل امرئ من سنخه حين قال فلما سمع الأشعث قول الرجل قام فأتى عليا ع فقال يا أمير المؤمنين أ يمنعنا القوم ماء الفرات و أنت فينا و السيوف في أيدينا خل عنا و عن القوم فو الله لا نرجع حتى نرده أو نموت و مر الأشتر فليعل بخيله و يقف حيث تأمره فقال علي ع ذلك إليكم. فرجع الأشعث فنادى في الناس من كان يريد الماء أو الموت فميعاده موضع كذا فإني ناهض فأتاه اثنا عشر ألفا من كندة و أفناء قحطان واضعي سيوفهم على عواتقهم فشد عليه سلاحه و نهض بهم حتى كاد يخالط أهل الشام و جعل يلقي رمحه و يقول لأصحابه بأبي و أمي أنتم تقدموا إليهم قاب رمحي هذا فلم يزل ذلك دأبه حتى خالط القوم و حسر عن رأسه و نادى أنا الأشعث بن قيس خلوا عن الماء فنادى أبو الأعور أما و الله حتى لا تأخذنا و إياكم السيوف فقال الأشعث شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 324قد و الله أظنها دنت منا و منكم و كان الأشتر قد تعالى بخيله حيث أمره علي فبعثليه الأشعث أقحم الخيل فأقحمها حتى وضعت سنابكها في الفرات و أخذت أهل الشام السيوف فولوا مدبرين. قال نصر و حدثنا عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر و زيد بن الحسن قال فنادى الأشعث عمرو بن العاص فقال ويحك يا ابن العاص خل بيننا و بين الماء فو الله لئن لم تفعل لتأخذنا و إياكم السيوف فقال عمرو و الله لا نخلي عنه حتى تأخذنا السيوف و إياكم فيعلم ربنا أينا أصبر اليوم فترجل الأشعث و الأشتر و ذوو البصائر من أصحاب علي ع و ترجل معهما(4/271)

22 / 148
ع
En
A+
A-