فمعناه أنهم إن قتلوني ثم حاولوا أن يصيبوا رجلا آخر مثلي يصلح أن يكون لي نظيرا و أن يجعل دمه بواء لدمي و سعوا في ذلك سعيا جاهدا فإنهم لم يجدوا و لم يقدروا عليه. و قوله أرمي الطريق... البيت يقول أسلك الطريق الضيق و لو جعل علي فيه الرصد لقتلي. و الحارد المنفرد في شجاعته الذي لا مثل له
غلبة معاوية على الماء بصفين ثم غلبة علي عليه بعد ذلك
فأما حديث الماء و غلب أصحاب معاوية على شريعة الفرات بصفين فنحن نذكره من كتاب صفين لنصر بن مزاحم. قال نصر كان أبو الأعور السلمي على مقدمة معاوية و كان قد ناوش مقدمة شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 313علي ع و عليها الأشتر النخعي مناوشة ليست بالعظيمة و قد ذكرنا ذ فيما سبق من هذا الكتاب و انصرف أبو الأعور عن الحرب راجعا فسبق إلى الماء فغلب عليه في الموضع المعروف بقناصرين إلى جانب صفين و ساق الأشتر يتبعه فوجده غالبا على الماء و كان في أربعة آلاف من مستبصري أهل العراق فصدموا أبا الأعور و أزالوه عن الماء فأقبل معاوية في جميع الفيلق بقضه و قضيضه فلما رآهم الأشتر انحاز إلى علي ع و غلب معاوية و أهل الشام على الماء و حالوا بين أهل العراق و بينه و أقبل علي ع في جموعه فطلب موضعا لعسكره و أمر الناس أن يضعوا أثقالهم و هم أكثر من مائة ألف فارس فلما نزلوا تسرع فوارس من فوارس علي ع على خيولهم إلى جهة معاوية يتطاعنون و يرمون بالسهام و معاوية بعد لم ينزل فناوشهم أهل الشام القتال فاقتتلوا هويا. قال نصر فحدثني عمر بن سعد عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباته فكتب معاوية إلى علي ع عافانا الله و إياك
ما أحسن العدل و الإنصاف من عمل و أقبح الطيش ثم النفش في الرجل
و كتب بعده(4/262)


اربط حمارك لا تنزع سويته إذا يرد و قيد العير مكروب ليست ترى السيد زيدا في نفوسهم كما يراه بنو كوز و مرهوب إن تسألوا الحق نعط الحق سائله و الدرع محقبة و السيف مقروب أو تأنفون فإنا معشر أنف لا نطعم الضيم إن السم مشر شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 314فأمر علي ع أن يوزع الناس عن القتال حتى أخذ أهل الشام مصافهم ثم قال أيها الناس إن هذا موقف من نطف فيه نطف يوم القيامة و من فلج فيه فلج يوم القيامة
ثم قال لما رأى نزول معاوية بصفين
لقد أتانا كاشرا عن نابه يهمط الناس على اعتزابه فليأتينا الدهر بما أتى به قال نصر و كتب علي ع إلى معاوية جواب كتابه أما بعد
فإن للحرب عراما شررا إن عليها قائدا عشنزراينصف من أحجر أو تنمرا على نواحيها مزجا زمجراإذا ونين ساعة تغشمرا
. و كتب بعده
أ لم تر قومي إن دعاهم أخوهم أجابوا و إن يغضب على القوم يغضبواهم حفظوا غيبي كما كنت حافظا لقومي أخرى مثلها إن يغيبوابنو الحرب لم تقعد بهم أمهاتهم و آباؤهم آباء صدق فأنجبوا(4/263)


قال قد تراجع الناس كل من الفريقين إلى معسكرهم و ذهب شباب من الناس إلى أن يستقوا فمنعهم أهل الشام. قلت في هذه الألفاظ ما ينبغي أن يشرح. شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 315قوله فاقتتلوا هويا بفتح الهاء أي قطعة من الزمان و ذهب هوي من الليل أي فريق منه. و النفش كة الكلام و الدعاوي و أصله من نفش الصوف. و السوية كساء محشو بثمام و نحوه كالبرذعة و كرب القيد إذا ضيقه على المقيد و قيد مكروب أي ضيق يقول لا تنزع برذعة حمارك عنه و اربطه و قيده و إلا أعيد إليك و قيده ضيق و هذا مثل ضربه لعلي ع يأمره فيه بأن يردع جيشه عن التسرع و العجلة في الحرب. و زيد المذكور في الشعر هو زيد بن حصين بن ضرار بن عمرو بن مالك بن زيد بن كعب بن بجالة بن ذهل بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان و هو المعروف بزيد الخيل و كان فارسهم و بنو السيد من ضبة أيضا و هم بنو السيد بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة بن أد بن طابخة... إلى آخر النسب و بنو السيد بنو عم زيد الفوارس لأنه من بني ذهل بن مالك و هؤلاء بنو السيد بن مالك و بينهم عداوة النسب يقول إن بني السيد لا يرون زيدا في نفوسهم كما تراه أهله الأدنون منه نسبا و هم بنو كوز و بنو مرهوب فأما بنو كوز فإنهم بنو كوز بن كعب بن بجالة بن ذهل بن مالك و أما بنو مرهوب فإنهم بنو مرهوب بن عبيد بن هاجر بن كعب بن بجالة بن ذهل بن مالك يقول نحن لا نعظم زيدا و لا نعتقد فيه من الفضيلة ما يعتقده أهله و بنو عمه الأدنون و المثل لعلي ع أي نحن لا نرى في علي ما يراه أهل العراق من تعظيمه و تبجيله. و قوله
و الدرع محقبة و السيف مقروب(4/264)


أي و الدرع بحالها في حقابها و هو ما يشد به في غلافها و السيف بحاله أي في قرابه شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 316و هو جفنه يقال حقبت الدرع و قربت السيف كلاهما ثلاثيان يقول إن سألتم الحق أعطيناكموه من غير حاجة إلى الحرب بل نجيبكم إليه و الدروع بحالها لم تلبس ولسيوف في أجفانها لم تشهر. و أما إثبات النون في تأنفون فإن الأصوب حذفها لعطف الكلمة على المجزوم قبلها و لكنه استأنف و لم يعطف كأنه قال أ و كنتم تأنفون يقول و إن أنفتم و أبيتم إلا الحرب فإنا نأنف مثلكم أيضا لا نطعم الضيم و لا نقبله ثم قال إن السم مشروب أي إن السم قد نشربه و لا نشرب الضيم أي نختار الموت على الضيم و الذلة و يروى
و إن أنفتم فإنا معشر أنف لا نطعم الضيم إن الضيم مرهوب
و الشعر لعبد الله بن عنمة الضبي من بني السيد و من جملته(4/265)


و قد أروح أمام الحي يقدمني صافي الأديم كميت اللون منسوب محنب مثل شاة الربل محتفز بالقصريين على أولاه مصبوب يبذ ملجمه هاد له تلع كأنه من جذوع العين مشذوب فذاك ذخري إذا ما خيلهم ركضت إلى المثوب أو مقاء سرحفأما قوله ع هذا موقف من نطف فيه نطف يوم القيامة أي من تلطخ شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 317فيه بعيب من فرار أو نكول عن العدو يقال نطف فلان بالكسر إذا تدنس بعيب و نطف أيضا إذا فسد يقول من فسدت حاله اليوم في هذا الجهاد فسدت حاله غدا عند الله. قوله من فلج فيه تح اللام أي من ظهر و فاز و كذلك يكون غدا عند الله يقال فلج زيد على خصمه بالفتح يفلج بضم اللام أي ظهرت حجته عليه و في المثل من يأت الحكم وحده يفلج. قوله يهمط الناس أي يقهرهم و يخبطهم و أصله الأخذ بغير تقدير. و قوله على اعتزابه أي على بعده عن الإمارة و الولاية على الناس و العرام بالضم الشراسة و الهوج و العشنزر الشديد القوي. و أحجر ظلم الناس حتى ألجأهم إلى أن دخلوا حجرهم أو بيوتهم و تنمر أي تنكر حتى صار كالنمر يقول هذا القائد الشديد القوي ينصف من يظلم الناس و يتنكر لهم أي ينصف منه فحذف حرف الجر كقوله وَ اخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ أي من قومه و المزج بكسر الميم السريع النفوذ و أصله الرمح القصير كالمزراق. و رجل زمجر أي مانع حوزته و الميم زائدة و من رواها زمخرا بالخاء عنى به المرتفع العالي الشأن و جعل الميم زائدة أيضا من زخر الوادي أي علا و ارتفع. و غشمر السيل أقبل و الغشمرة إثبات الأمر بغير تثبيت يقول إذا أبطأن ساقهن سوقا عنيفا. و الأبيات البائية لربيعة بن مقروم الطائي. قال نصر حدثنا عمر بن سعد عن يوسف بن يزيد عن عبد الله بن عوف بن شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 318الأحمر قال لما قدمنا على معاوية و أهل الشام بصفين وجدناهمد نزلوا منزلا اختاروه مستويا بساطا واسعا و أخذوا الشريعة فهي في أيديهم و قد صف عليها أبو الأعور الخيل و الرجالة و قدم(4/266)

21 / 148
ع
En
A+
A-