يأتيكما أمري إن شاء الله
قال نصر و كتب علي ع إلى أمراء الأجناد و كان قد قسم عسكره أسباعا فجعل على كل سبع أميرا فجعل سعد بن مسعود الثقفي على قيس و عبد القيس و معقل بن قيس اليربوعي على تميم و ضبة و الرباب و قريش شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 194و كنانة و أسد و مخنف بن سليم على الأزد وجيلة و خثعم و الأنصار و خزاعة و حجر بن عدي الكندي على كندة و حضرموت و قضاعة و زياد بن النضر على مذحج و الأشعريين و سعيد بن مرة الهمداني على همدان و من معهم من حمير و عدي بن حاتم الطائي على طيئ تجمعهم الدعوة مع مذحج و تختلف الرايتان راية مذحج مع زياد بن النضر و راية طيئ مع عدي بن حاتم هذه عساكر الكوفة و أما عساكر البصرة فخالد بن معمر السدوسي على بكر بن وائل و عمرو بن مرجوم العبدي على عبد القيس و ابن شيمان الأزدي على الأزد و الأحنف على تميم و ضبة و الرباب و شريك بن الأعور الحارثي على أهل العالية
أما بعد فإني أبرأ إليكم من معرة الجنود إلا من جوعة إلى شبعة و من فقر إلى غنى أو عمى إلى هدى فإن ذلك عليهم فأغربوا الناس عن الظلم و العدوان و خذوا على أيدي سفهائكم و احترسوا أن تعملوا أعمالا لا يرضى الله بها عنا فيرد بها علينا و عليكم دعاءنا فإنه تعالى يقول ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ و إن الله إذا مقت قوما من السماء هلكوا في الأرض فلا تألوا أنفسكم خيرا و لا الجند حسن سيرة و لا الرعية معونة و لا دين الله قوة و أبلوا في سبيله ما استوجب عليكم فإن الله قد اصطنع عندنا و عندكم ما يجب علينا أن نشكره بجهدنا و أن ننصره ما بلغت قوتنا و لا قوة إلا بالله(4/167)
شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 195قال و كتب ع إلى جنوده يخبرهم بالذي لهم و عليهم أما بعد فإن الله جعلكم في الحق جميعا سواء أسودكم و أحمركم و جعلكم من الوالي و جعل الوالي منكم بمنزلة الوالد من الولد و بمنزلة الولد من الوالد الذي لا يكفيه منعه إياهم طلب عدوه ولتهمة به ما سمعتم و أطعتم و قضيتم الذي عليكم فحقكم عليه إنصافكم و التعديل بينكم و الكف عن فيئكم فإذا فعل معكم ذلك وجبت عليكم طاعته فيما وافق الحق و نصرته و الدفع عن سلطان الله فإنكم وزعة الله في الأرض فكونوا له أعوانا و لدينه أنصارا و لا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها إن الله لا يحب المفسدين(4/168)
قال نصر و حدثنا عمر بن سعد قال حدثنا سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباته قال قال علي ع ما يقول الناس في هذا القبر و في النخيلة و بالنخيلة قبر عظيم يدفن اليهود موتاهم حوله فقال الحسن بن علي ع يقولون هذا قبر هود لما عصاه قومه جاء فمات هاهنا فقال كذبوا لأنا أعلم به منهم هذا قبر يهودا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بكر يعقوب ثم قال أ هاهنا أحد من مهرة فأتي بشيخ كبير فقال أين منزلك قال على شاطئ البحر قال أين أنت من الجبل قال أنا قريب منه قال فما يقول قومك فيه قال يقولون إن فيه قبر ساحر قال كذبوا ذاك قبر هود النبي ع و هذا قبر يهودا بن يعقوب ثم قال شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 196ع يحشر من ظهر الكوفة سبعون ألفا على غرة الشمس يدخلون الجنة بغير حسابقال نصر فلما نزل علي ع النخيلة متوجها إلى الشام و بلغ معاوية خبره و هو يومئذ بدمشق قد ألبس منبر دمشق قميص عثمان مختضبا بالدم و حول المنبر سبعون ألف شيخ يبكون حوله لا تجف دموعهم على عثمان خطبهم و قال يا أهل الشام قد كنتم تكذبونني في علي و قد استبان لكم أمره و الله ما قتل خليفتكم غيره و هو أمر بقتله و ألب الناس عليه و آوى قتلته و هم جنده و أنصاره و أعوانه و قد خرج بهم قاصدا بلادكم و دياركم لإبادتكم يا أهل الشام الله الله في دم عثمان فأنا وليه و أحق من طلب بدمه و قد جعل الله لولي المقتول ظلما سلطانا فانصروا خليفتكم المظلوم فقد صنع القوم به ما تعلمون قتلوه ظلما و بغيا و قد أمر الله تعالى بقتال الفئة الباغية حتى تفي ء إلى أمر الله ثم نزل. قال نصر فأعطوه الطاعة و انقادوا له و جمع إليه أطرافه و استعد للقاء علي ع شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 47197- و من كلام له ع في ذكر الكوفةكَأَنِّي بِكِ يَا كُوفَةُ تُمَدِّينَ مَدَّ الْأَدِيمِ الْعُكَاظِيِّ تُعْرَكِينَ بِالنَّوَازِلِ وَ تُرْكَبِينَ بِالزَّلَازِلِ وَ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ بِكِ جَبَّارٌ(4/169)
سُوءاً إِلَّا ابْتَلَاهُ اللَّهُ بِشَاغِلٍ أَوْ رَمَاهُ بِقَاتِلٍ
عكاظ اسم سوق للعرب بناحية مكة كانوا يجتمعون بها في كل سنة يقيمون شهرا و يتبايعون و يتناشدون شعرا و يتفاخرون قال أبو ذؤيب
إذا بني القباب على عكاظ و قام البيع و اجتمع الألوف
فلما جاء الإسلام هدم ذلك و أكثر ما كان يباع الأديم بها فنسب إليها. و الأديم واحد و الجمع أدم كما قالوا أفيق للجلد الذي لم تتم دباغته و جمعه أفق و قد يجمع أديم على آدمة كما قالوا رغيف و أرغفة. و الزلازل هاهنا الأمور المزعجة و الخطوب المحركة. شرح نهج البلا ج : 3 ص : 198و قوله ع تمدين مد الأديم استعارة لما ينالها من العسف و الخبط و قوله تعركين من عركت القوم الحرب إذا مارستهم حتى أتعبتهم
فصل في ذكر فضل الكوفة
و قد جاء في فضل الكوفة عن أهل البيت ع شي ء كثير نحو قول أمير المؤمنين ع نعمت المدرة
و قوله ع إنه يحشر من ظهرها يوم القيامة سبعون ألفا وجوههم على صورة القمر
و قوله ع هذه مدينتنا و محلتنا و مقر شيعتنا
و قول جعفر بن محمد ع اللهم ارم من رماها و عاد من عاداها
و قوله ع تربة تحبنا و نحبها
فأما ما هم به الملوك و أرباب السلطان فيها من السوء و دفاع الله تعالى عنها فكثير.
قال المنصور لجعفر بن محمد ع إني قد هممت أن أبعث إلى الكوفة من ينقض منازلها و يجمر نخلها و يستصفي أموالها و يقتل أهل الريبة منها فأشر علي فقال يا أمير المؤمنين إن المرء ليقتدي بسلفه و لك أسلاف ثلاثة سليمان أعطي فشكر و أيوب ابتلي فصبر و يوسف قدر فغفر فاقتد بأيهم شئت فصمت قليلا ثم قال قد غفرت(4/170)
شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 199و روى أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي في كتاب المنتظم أن زيادا لما حصبه أهل الكوفة و هو يخطب على المنبر قطع أيدي ثمانين منهم و هم أن يخرب دورهم و يجمر نخلهم فجمعهم حتى ملأ بهم المسجد و الرحبة يعرضهم على البراءة من علي و علم أنهم سيمتنعون فيحتج بذلك على استئصالهم و إخراب بلدهم. قال عبد الرحمن بن السائب الأنصاري فإني لمع نفر من قومي و الناس يومئذ في أمر عظيم إذ هومت تهويمه فرأيت شيئا أقبل طويل العنق مثل عنق البعير أهدر أهدل فقلت ما أنت فقال أنا النقاد ذو الرقبة بعثت إلى صاحب هذا القصر فاستيقظت فزعا فقلت لأصحابي هل رأيتم ما رأيت قالوا لا فأخبرتهم و خرج علينا خارج من القصر فقال انصرفوا فإن الأمير يقول لكم إني عنكم اليوم مشغول و إذا بالطاعون قد ضربه فكان يقول إني لأجد في النصف من جسدي حر النار حتى مات فقال عبد الرحمن بن السائب
ما كان منتهيا عما أراد بنا حتى تناوله النقاد ذو الرقبةفاثبت الشق منه ضربة عظمت كما تناول ظلما صاحب الرحبة
قلت قد يظن ظان أن قوله صاحب الرحبة يمكن أن يحتج به من قال إن قبر أمير المؤمنين ع في رحبة المسجد بالكوفة و لا حجة في ذلك لأن أمير المؤمنين كان يجلس معظم زمانه في رحبة المسجد يحكم بين الناس فجاز أن ينسب إليه بهذا الاعتبار(4/171)