شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 297و أبكاهما و الله للعين فاعلمي إذا ازددت مثليها فصرت على شهرو أنكى لقلبي منهما اليوم أنني أخاف بألا نلتقي آخر الدهثم أرسل إليها و أشخصها فشهدت معه حرب عبد الملك فدخل عليها يوم قتل و قد نزع ثيابه ثم لبس غلالة و توشح بثوب واحد و هو محتضن سيفه فعلمت أنه غير راجع فصاحت وا حزناه عليك يا مصعب فالتفت إليها و قال إن كل هذا في قلبك قالت و ما أخفي أكثر قال لو كنت أعلم هذا لكان لي و لك شأن ثم خرج فلم يرجع. فقال عبد الملك يوما لجلسائه من أشجع الناس فقالوا قطري شبيب فلان و فلان قال عبد الملك بل رجل جمع بين سكينة بنت الحسين و عائشة بنت طلحة و أمة الحميد بنت عبد الله بن عامر بن كريز و قلابة ابنة زبان بن أنيف الكلبي سيد العرب و ولي العراقين خمس سنين فأصاب كذا و كذا ألف درهم و أعطي الأمان على ذلك كله و على ولايته و ماله فأبى و مشى بسيفه إلى الموت حتى قتل ذاك مصعب بن الزبير لا من قطع الجسور مرة هاهنا و مرة هاهنا. سئل سالم بن عبد الله بن عمر أي ابني الزبير أشجع فقال كلاهما جاءه الموت و هو ينظر إليه. لما وضع رأس مصعب بين يدي عبد الملك أنشد
لقد أردى الفوارس يوم حسي غلاما غير مناع المتاع و لا فرح بخير إن أتاه و لا هلع من الحدثان لاع و لا وقافة و الخيل تردي و لا خال كأنبوب اليرا شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 298كان ابن ظبيان يقول ما ندمت على شي ء ندمي على ألا أكون لما حملت إلى عبد الملك رأس مصعب فسجد قتلته في سجدته فأكون قد قتلت ملكي العرب في يوم واحد. قال رجل لعبد الله بن ظبيان بما ذا تحتج عند الله عز و جل غدا و قد قتلت مصعبا قال تركت أحتج كنت أخطب من صعصعة بن صوحان. كان مصعب لما خرج إلى حرب عبد الملك سأل عن الحسين بن علي ع و كيف كان قتله فجعل عروة بن المغيرة يحدث عن ذلك فقال متمثلا بقول سليمان بن قتة
و إن الألى بالطف من آل هاشم تأسوا فسنوا للكرام التأسيا(4/252)


قال عروة فعلمت أن مصعبا لا يفر. لما كان يوم السبخة و عسكر الحجاج بإزاء شبيب قال له الناس أيها الأمير لو تنحيت عن هذه السبخة فإنها منتنة الريح قال ما تنحونني و الله إليه أنتن و هل ترك مصعب لكريم مفرا ثم أنشد قول الكلحبة
إذا المرء لم يغش الكريهة أوشكت حبال الهوينى بالفتى أن تقطعا
و روى أبو الفرج في كتاب الأغاني خطبة عبد الله بن الزبير في قتل مصعب برواية هي أتم مما ذكرناه نحن فيما تقدم قال لما أتي خبر المصعب إلى مكة أضرب عبد الله بن الزبير عن ذكره أياما حتى تحدث به جميع أهل مكة في الطريق ثم صعد المنبر فجلس عليه مليا لا يتكلم فنظر الناس إليه و إن الكآبة على وجهه لبادية و إن شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 299جبينه ليرشح عرفا فقال واحد لآخر ما له لا يتكلم أ تراه يهاب النطق فو الله إنه لخطيب فما تراه يهاب قال أراه يريد أن يذكر قتل المصعب سيد العرب فهو يقطع بذلك فابتدأ فقال الحمد لله الذي لهلخلق و الأمر ملك الدنيا و الآخرة يعز من يشاء و يذل من يشاء إلا أنه لا يذل من كان الحق معه و إن كان مفردا ضعيفا و لا يعز من كان الباطل معه و إن كان ذا عدد و كثرة ثم قال أتانا خبر من العراق بلد الغدر و الشقاق فساءنا و سرنا أتانا أن مصعبا قتل رحمه الله فأما الذي أحزننا من ذلك فإن لفراق الحميم لذعة و لوعة يجدها حميمه عند المصيبة ثم يرعوي ذو الرأي و الدين إلى جميل الصبر و أما الذي سرنا منه فإن قتله كان له شهادة و إن الله جاعل لنا و له في ذلك الخيرة ألا إن أهل العراق باعوه بأقل الأثمان و أخسرها و أسلموه إسلام النعم المخطمة فقتل و إن قتل لقد قتل أبوه و عمه و أخوه و كانوا الخيار الصالحين و إنا و الله ما نموت حتف آنافنا ما نموت إلا قتلا قتلا و قعصا قعصا بين قصد الرماح و تحت ظلال السيوف ليس كما تموت بنو مروان و الله ما قتل منهم رجل في جاهلية و لا إسلام و إنما الدنيا عارية من الملك القهار الذي لا يزول سلطانه(4/253)


و لا يبيد ملكه فإن تقبل الدنيا علي لا آخذها أخذ اللئيم البطر و إن تدبر عني لا أبكي عليها بكاء الخرف المهتر ثم نزل. شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 300و قال الطرماح بن حكيم و كان يرى رأي الخوارجو إني لمقتاد جوادي فقاذف به و بنفسي اليوم إحدى المتالف لأكسب مالا أو أءوب إلى غنى من الله يكفيني عداة الخلائف فيا رب إن حانت وفاتي فلا تكن على شرجع يعلى بخضر المطارف و لكن قبري بطن نسر مقيله بجو السماء في نسور عواكف و أمسي شهيدا ثاويا في عصابة يصابون ف من الأرض خائف فوارس أشتات يؤلف بينهم هدى الله نزالون عند المواقفقال ابن شبرمة مررت يوما في بعض شوارع الكوفة فإذا بنعش حوله رجال و عليه مطرف خز أخضر فسألت عنه فقيل الطرماح فعلمت أن الله تعالى لم يستجب له. و قال محمد بن هانئ
و لم أجد الإنسان إلا ابن سعيه فمن كان أسعى كان بالمجد أجدراو بالهمة العلياء ترقي إلى العلا فمن كان أعلى همه كان أظهراو لم يتأخر من أراد تقدما و لم يتقدم من أراد تأخرا
الرضي الموسوي رحمه الله تعالى
و من أخرته نفسه مات عاجزا و من قدمته نفسه مات سيدا
شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 301و له رحمه اللهما مقامي على الهوان و عندي مقول صارم و أنف حمي و إباء محلق بي عن الضيم كما زاغ طائر وحشيأبو الطيب المتنبي
تقولين ما في الناس مثلك عاشق جدي مثل من أحببته تجدي مثلي محب كنى بالبيض عن مرهفاته و بالحسن في أجسامهن عن الصقل و بالسمر عن سمر القنا غير أنني جناها أحبائي و أطرافها رسلي عدمت فؤادا لم يبت فيه فضلة لغير ثنايا الغر و الحدق النجل تريدين إدراك المعالي رخي لا بد دون الشهد من أبر النحل
ابن الهبارية الهمم العلية و المهج الأبية تقرب المنية منك أو الأمنية. أبو تمام(4/254)


فتى النكبات من يأوي إذا ما قطفن به إلى خلق و ساع يثير عجاجة في كل فج يهيم بها عدي بن الرقاع يخوض مع السباع الماء حتى لتحسبه السباع من السبا شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 302فلب العزم إن حاولت يوما بأن تستطيع غير المستطاع فلم تركب كناجية المهاري و لم تركب همومك كالزمو له أيضا
إن خيرا مما رأيت من الصفح عن النائبات و الإغماض غربة تقتدي بغربة قيس بن زهير و الحارث بن مضاض غرضي نكبتين ما فتلا رأيا فخافا عليه نكث انتقاض من أبن البيوت أصبح في ثوب من العيش ليس بالفضفاض صلتان أعداؤه حيث حلوا في حديث من ذكره مستفاض و الفتى من تعرقتهالي و الفيافي كالحية النضناض كل يوم له بصرف الليالي فتكة مثل فتكة البراضو له أيضا
إن تريني ترى حساما صقيلا مشرفيا من السيوف الحدادثاني الليل ثالث البيد و السير نديم النجوم ترب السهاد
أخذ هذا اللفظ أبو عبادة البحتري فقال
يا نديمي بالسواجير من شمس بن عمرو و بحتر بن عتود
شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 303اطلبا ثالثا سواي فإني رابع العيس و الدجى و البيدلست بالعاجز الضعيف و لا القائل يوما إن الغنى بالجدودو إذا استصعبت مقادة أمر سهلته أيدي المهاري القوو قال الرضي رحمه الله تعالى(4/255)


و لم أر كالرجاء اليوم شيئا تذل له الجماجم و الرقاب و بعض العدم مأثرة و فخر و بعض المال منقصة و عاب بناني و العنان إذا نبت بي ربا أرض و رجلي و الركاب و قد عرفت توقلي الليالي كما عرفت توقلي العقاب لأمنع جانبا و أفيد عزا و عز الموت ما عز الجناب إذا هول دلا تهبه فلم يبق الذين أبوا و هابواكليب عافصته يد و أودى عتيبة يوم أقعصه ذؤاب سواء من أقل الترب منا و من وارى معالمه التراب و إن مزايل العيش اعتباطا مساو للذين بقوا و شابواو أولنا العناء إذا طلعنا إلى الدنيا و آخرنا الذهاب إلى كم ذا التردد في الأماني و كلوي بناظري السراب و لا نقع يثار و لا قتام و لا طعن يشب و لا ضراب شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 304و لا خيل معقدة النواصي يموج على شكائمها اللعاب عليها كل ملتهب الحواشي يصيب من العدو و لا يصاب سأخطبها بحد السيف فعلا إذا لم يغن قول أو خطاب و آخذها و إن رغمت أنوف مغالبة و إن ذلت قعد سليمان بن عبد الملك يعرض و يفرض فأقبل فتى من بني عبس وسيم فأعجبه فقال ما اسمك قال سليمان قال ابن من قال ابن عبد الملك فأعرض عنه و جعل يفرض لمن دونه فعلم الفتى أنه كره موافقة اسمه و اسم أبيه فقال يا أمير المؤمنين لا عدمت اسمك و لا شقي اسم يوافق اسمك فافرض فإنما أنا سيف بيدك إن ضربت به قطعت و إن أمرتني أطعت و سهم في كنانتك أشتد إن أرسلت و أنفذ حيث وجهت فقال له سليمان و هو يروزه و يختبره ما قولك يا فتى لو لقيت عدوا قال أقول حسبي الله و نعم الوكيل قال سليمان أ كنت مكتفيا بهذا لو لقيت عدوك دون ضرب شديد قال الفتى إنما سألتني يا أمير المؤمنين ما أنت قائل فأخبرتك و لو سألتني ما أنت فاعل لأنبأتك أنه لو كان ذلك لضربت بالسيف حتى يتعقف و لطعنت بالرمح حتى يتقصف و لعلمت إن ألمت فإنهم يألمون و لرجوت من الله ما لا يرجون فأعجب سليمان به و ألحقه في العطاء بالأشراف و تمثل(4/256)

19 / 148
ع
En
A+
A-