محا السيف أسطار البلاغة و انتحت إليك ليوث الغاب من كل جانب فإن تقدموا نعمل سيوفا شحيذة يهون عليها العتب من كل عاتبو يقال إن أول الكتاب كان لو أراد الله بالنملة صلاحا لما أنبت لها جناحا و كتب أبو مسلم إلى نصر بن سيار و هو أول كتاب صدر عن أبي مسلم إلى نصر و ذلك حين لبس السواد و أعلن بالدعوة في شهر رمضان من سنة تسع و عشرين و مائة أما بعد فإن الله جل ثناؤه ذكر أقواما فقال وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ وَ مَكْرَ السَّيِّئِ وَ لا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا. فلما ورد الكتاب إلى نصر تعاظمه أمره و كسر له إحدى عينيه و قال إن لهذا الكتاب لأخوات و كتب إلى مروان يستصرخه و إلى يزيد بن هبيرة يستنجده فقعدا عنه حتى أفضى ذلك إلى خروج الأمر عن بني عبد شمس. الرضي الموسوي رحمه الله تعالى
سأمضي للتي لا عيب فيها و إن لم أستفد إلا عناء
شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 281و أطلب غاية إن طوحت بي أصابت بي الحمام أو العلاءنماني من أباة الضيم آب أفاض علي تلك الكبرياءو منا كل أغلب مستميت إذا أنت لددته بالذل قاءإذا ما ضيم نمر صفحتيه و قام على براثنه إباءو نأبى أن ينال النصف منا و أن نعطي مقارعنا الاءو لو كان العداء يسوغ فينا لما سمنا الورى إلا العداء
و له
سيقطعك المهند ما تمنى و يعطيك المثقف ما تشاءو ما ينجي من الغمرات إلا طعان أو ضراب أو رماء(4/237)


و من أهل الإباء الذين كرهوا الدنية و اختاروا عليها المنية عبد الله بن الزبير تفرق عنه لما حاربه الحجاج بمكة و حصره في الحرم عامة أصحابه و خرج كثير منهم إلى الحجاج في الأمان حتى حمزة و خبيب ابناه فدخل عبد الله على أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق و كانت قد كف بصرها و هي عجوز كبيرة فقال لها خذلني الناس حتى ولدي و أهلي و لم يبق معي إلا من ليس عنده من الدفع أكثر من ساعة و القوم يعطونني من الدنيا ما سألت فما رأيك فقالت أنت يا بني أعلم بنفسك إن كنت تعلم أنك على حق و إليه تدعو فامض له فقد قتل أكثر أصحابك فلا تمكن من رقبتك يتلاعب بها غلمان بني أمية و إن كنت إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت أهلكت شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 282نفسك و أهلكت من قتل معك و إن كنت قاتلت على الحق فما وهن أصحابك إلا ضعفت فليس هذا فعل الأحرار و لا أهل الدين و كم خلودك في الدنيا القتل أحسن. فدنا ع الله منها فقبل رأسها و قال هذا و الله رأيي و الله ما ركنت إلى الدنيا و لا أحببت الحياة فيها و ما دعاني إلى الخروج إلا الغضب لله تعالى عز و جل أن تستحل محارمه و لكنني أحببت أن أعلم رأيك فقد زدتني بصيرة فانظري يا أماه أني مقتول يومي هذا فلا يشتد جزعك و سلمي لأمر الله فإن ابنك لم يتعمد إتيان منكر و لا عملا بفاحشة و لم يجر في حكم الله و لم يظلم مسلما و لا معاهدا و لا بلغني ظلم عن عامل من عمالي فرضيت به بل أنكرته و لم يكن شي ء عندي آثر من رضا الله. اللهم إني لا أقول هذا تزكية لنفسي أنت أعلم بي و لكني أقوله تعزة لأمي لتسلو عني فقالت إني لأرجو من الله أن يكون عزائي فيك حسنا إن تقدمتني فاخرج لأنظر إلى ما ذا يصير أمرك فقال جزاك الله خيرا يا أمي فلا تدعي الدعاء لي حيا و ميتا قالت لا أدعه أبدا فمن قتل على باطل فقد قتلت على حق ثم قالت اللهم ارحم طول ذلك القيام في الليل الطويل و ذلك النحيب في الظلماء و ذلك الصوم في هواجر مكة و(4/238)


المدينة و بره بأبيه و بي اللهم إني قد أسلمت لأمرك و رضيت بما قضيت فيه فأثبني عليه ثواب الصابرين. و قد روي في قصة عبد الله مع أمه أسماء رواية أخرى أنه لما دخل عليها و عليه الدرع و المغفر و هي عمياء لا تبصر وقف فسلم ثم دنا فتناول يدها فقبلها قالت هذا وداع فلا تبعد فقال نعم إنما جئت مودعا إني لأرى هذا اليوم آخر أيامي من الدنيا و اعلمي يا أمي أني إذا قتلت فإنما أنا لحم لا يضرني ما صنع بي فقالت صدقت يا بني أقم على بصيرتك و لا تمكن ابن أبي عقيل منك ادن مني لأودعك فدنا منها فقبلته شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 283و عانقته فوجدت مس الدرع فقالت ما هذا صنع من يريد ما تريد فقال إنما لبسته لأشد منك قالت إنه لا يشد مني ثم انصرف عنها و هو يقولإني إذا أعرف يومي أصبر إذ بعضهم يعرف ثم ينكر
و أقام أهل الشام على كل باب من أبواب الحرم رجالا و قائدا فكان لأهل حمص الباب الذي يواجه باب الكعبة و لأهل دمشق باب بني شيبة و لأهل الأردن باب الصفا و لأهل فلسطين باب جمع و لأهل قنسرين باب بني سهم و خرج ابن الزبير فمرة يحمل هاهنا و مرة يحمل هاهنا و كأنه أسد لا يقدم عليه الرجال و أرسلت إليه زوجته أ أخرج فأقاتل معك فقال لا و أنشد
كتب القتل و القتال علينا و على المحصنات جر الذيول
فلما كان الليل قام يصلي إلى قريب السحر ثم أغفى محتبيا بحمائل سيفه ثم قام فتوضأ و صلى و قرأ ن وَ الْقَلَمِ وَ ما يَسْطُرُونَ ثم قال بعد انقضاء صلاته من كان عني سائلا فإني في الرعيل الأول ثم أنشد
و لست بمبتاع الحياة بسبة و لا مرتق من خشية الموت سلما
ثم حمل حتى بلغ الحجون فرمي بآجرة فأصابت وجهه فدمي فلما وجد سخونة الدم يسيل على وجهه أنشد
و لسنا على الأعقاب تدمى كلومنا و لكن على أقدامنا تقطر الدما(4/239)


ثم حمل على أهل الشام فغاص فيهم و اعتوروه بأسيافهم حتى سقط و جاء الحجاج شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 284فوقف عليه و هو ميت و معه طارق بن عمرو فقال ما ولدت النساء أذكر من هذا و بعث برأسه إلى المدينة فنصب بها ثم حمل إلى عبد الملك. أبو الطيب المتنبيأطاعن خيلا من فوارسها الدهر وحيدا و ما قولي كذا و معي الصبرو أشجع مني كل يوم سلامتي و ما ثبتت إلا و في نفسها أمرتمرست بالآفات حتى تركتها تقول أ مات الموت أم ذعر الذعرو أقدمت إقدام الأبي كأن لي سوى مهجتي أو كان لي عندها وترذر النفس تأخذ حظها قبل بينها فمفترق جاران دارهما العمرو لا تحسبن المجد زقا و قينة فما المجد إلا السيف و الفتكة البكرو تضريب هامات الملوك و أن ترى لك الهبوات السود و العسكر المجرو تركك في الدنيا دويا كأنما تداول سمع المرء أنمله العشر
و قال ابن حيوس
و لست كمن أخنى عليه زمانه فظل على أحداثه يتعتب تلذ له الشكوى و إن لم يفد بها صلاحا كما يلتذ بالحك أجرب و لكنني أحمي ذماري بعزمة تنوب مناب السيف و السيف مقض شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 285و ليس الفتى من لم تسم جسمه الظبا و يحطم فيه من قنا الخط أكعو له أيضا(4/240)


أخفق المترف الجنوح إلى الخفض و فاز المخاطر المقدام و إذا ما السيوف لم تشهد الحرب فسيان صارم و كهامو ممن تقبل مذاهب الأسلاف في إباء الضيم و كراهية الذل و اختار القتل على ذلك و أن يموت كريما أبو الحسين زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أمه أم ولد و كان السبب في خروجه و خلعه طاعة بني مروان أنه كان يخاصم عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب ع في صدقات علي ع هذا يخاصم عن بني حسين و هذا عن بني حسن فتنازعا يوما عند خالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم أمير المدينة فأغلظ كل واحد منهما لصاحبه فسر خالد بن عبد الملك بذلك و أعجبه سبابهما و قال لهما حين سكنا اغدوا علي فلست بابن عبد الملك إن لم أفصل بينكما غدا فباتت المدينة تغلي كالمرجل فمن قائل يقول قال زيد كذا و قائل يقول قال عبد الله كذا فلما كان الغد جلس خالد في المسجد و جمع الناس فمن بين شامت و مغموم و دعا بهما و هو يحب أن يتشاتما فذهب عبد الله يتكلم فقال زيد لا تعجل يا أبا محمد أعتق زيد ما يملك إن خاصمك إلى خالد أبدا ثم أقبل على خالد فقال له أجمعت ذرية رسول الله ص لأمر ما كان يجمعهم عليه أبو بكر و لا عمر فقال خالد أ ما لهذا السفيه أحد يكلمه. فتكلم رجل من الأنصار من آل عمرو بن حزم فقال يا ابن أبي تراب و يا ابن شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 286حسين السفيه ما ترى عليك لوال حقا و لا طاعة فقال زيد اسكت أيها القحطاني فإنا لا نجيب مثلك فقال الأنصاري و لم ترغب عني فو الله إني لخير منك و أبي خير من أبيك و أمي خير من أمك فتضاحك زيد و قال يا معشر قريش هذا الدين قد ذهب أ فذهبت الأحساب فتكلم عبد الله بن واقد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب فقال كذبت أيها القحطاني و الله لهو خير منك نفسا و أبا و أما و محتدا و تناوله بكلام كثير و أخذ كفا من الحصى فضرب به الأرض و قال إنه و الله ما لنا على هذا من صبر و قام. فقام زيد أيضا و شخص من فوره إلى هشام(4/241)

16 / 148
ع
En
A+
A-