كأن أبا حفص قتيبة لم يسر بجيش إلى جيش و لم يعل منبراو لم تخفق الرايات و الجيش حوله صفوفا و لم يشهد له الناس عسكرادعته المنايا فاستجاب لربه و راح إلى الجنات عفا مطهرافما رزئ الإسلام بعد محمد بمثل أبي حفص فبكيه عبهرا
عبهر أم ولد له. و في الحديث الصحيح أن من خير الناس رجلا ممسكا بعنان فرسه في سبيل الله كلما سمع هيعة طار إليها
كتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد و اعلم أن عليك عيونا من الله ترعاك و تراك فإذا لقيت العدو فاحرص على الموت توهب لك الحياة و لا تغسل الشهداء من دمائهم فإن دم الشهيد يكون له نورا يوم القيامة. شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 274عمر لا تزالون أصحاء ما نزعتم و نزوتم يد ما نزعتم في القوس و نزوتم على الخيل بعض الخوارج
و من يخش أظفار المنايا فإننا لبسنا لهن السابغات من الصبرو إن كريه الموت عذب مذاقه إذا ما مزجناه بطيب من الذكر
حفص منصور بن عمار في قصصه على الغزو و الجهاد فطرحت في المجلس صرة فيها شي ء ففتحت فإذا فيها ضفيرتا امرأة و قد كتبت رأيتك يا ابن عمار تحض على الجهاد و و الله إني لا أملك لنفسي مالا و لا أملك سوى ضفيرتي هاتين و قد ألقيتهما إليك فتالله إلا جعلتهما قيد فرس غازفي سبيل الله فلعل الله أن يرحمني بذلك. فارتج المجلس بالبكاء و الضجيج. لبعض شعراء العجم
وا سوءتا لامرئ شبيبته في عنفوان و ماؤه خضل راض بنزر المعاش مضطهد على تراث الآباء يتكل لا حفظ الله ذاك من رجل و لا رعاه ما أطت الإبل كلا و ربي حتى تكون فتى قد نهكته الأسفار و الرحل مشمرا يطلب الرئاسة أو يضرب يوما بهلكه المثل حتى متى تتبع الرجال و لا تتما لأمك الهبل(4/232)
شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 275عبد الله بن ثعلبة الأزديفلئن عمرت لأشفين النفس من تلك المساعي و لأعلمن البطن أن الزاد ليس بمستطاع أما النهار فقد أرى قومي بمرقبة يفاع في قرة هلك و شوك مثل أنياب الأفاعي ترد السباع معي فتحسبني السباع من السمجير الجراد أبو حنبل حارثة بن مر الطائي أجار جرادا نزل به و منع من صيده حتى طار من أرضه فسمي مجير الجراد. و قال هلال بن معاوية الطائي
و بالجبلين لنا معقل صعدنا إليه بصم الصعادملكناه في أوليات الزمان من قبل نوح و من قبل عادو منا ابن مر أبو حنبل أجار من الناس رجل الجرادو زيد لنا و لنا حاتم غياث الورى في السنين الشداد
و قال يحيى بن منصور الحنفي
و لما نأت عنا العشيرة كلها أنخنا فحالفنا السيوف على الدهرفما أسلمتنا عند يوم كريهة و لا نحن أغضينا الجفون على وتر(4/233)
شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 276و قال آخرأرق لأرحام أراها قريبة لحار بن كعب لا لجرم و راسب و و إنا نرى أقدامنا في نعالهم و آنفنا بين اللحى و الحواجب و أقدامنا يوم الوغى و إباءنا إذا ما أبينا لا ندر لعاصحاصرت الترك مدينة برذعة من أعمال آذربيجان في أيام هشام بن عبد الملك حصارا شديدا و استضعفتها و كادت تملكها و توجه إليها لمعاونتها سعيد الحرشي من قبل هشام بن عبد الملك في جيوش كثيفة و علم الترك بقربه منهم فخافوا و أرسل سعيد واحدا من أصحابه إلى أهل برذعة سرا يعرفهم وصوله و يأمرهم بالصبر خوفا ألا يدركهم فسار الرجل و لقيه قوم من الترك فأخذوه و سألوه عن حاله فكتمهم فعذبوه فأخبرهم و صدقهم فقالوا إن فعلت ما نأمرك به أطلقناك و إلا قتلناك فقال ما تريدون قالوا أنت عارف بأصحابك ببرذعة و هم يعرفونك فإذا وصلت تحت السور فنادهم إنه ليس خلفي مدد و لا من يكشف ما بكم و إنما بعثت جاسوسا فأجابهم إلى ذلك فلما صار تحت سورها وقف حيث يسمع أهلها كلامه و قال لهم أ تعرفونني قالوا نعم أنت فلان بن فلان قال فإن سعيدا الحرشي قد وصل إلى مكان كذا في مائة ألف سيف و هو يأمركم بالصبر و حفظ البلد و هو مصبحكم أو ممسيكم فرفع أهل برذعة أصواتهم بالتكبير و قتلت الترك ذلك الرجل و رحلوا عنها و وصل سعيد فوجد أبوابها مفتوحة و أهلها سالمين. و قال الراجز
من كان ينوي أهله فلا رجع فر من الموت و في الموت وقع
شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 277أشرف معاوية يوما فرأى عسكر علي ع بصفين فهاله فقال من طلب عظيما خاطر بعظيمته. و قال الكلحبةإذا المرء لم يغش المكارة أوشكت حبال الهوينى بالفتى أن تقطعا
و من شعر الحماسة(4/234)
أقول لها و قد طارت شعاعا من الأبطال ويحك لا تراعي فإنك لو سألت بقاء يوم على الأجل الذي لك لم تطاعي فصبرا في مجال الموت صبرا فما نيل الخلود بمستطاع و لا ثوب البقاء بثوب عز فيطوى عن أخي الخنع اليراع سبيل الموت غاية كل حي فداعيه لأهل الأرض داع و من لا يعسأم و يهرم و تسلمه المنون إلى انقطاع و ما للمرء خير في حياة إذا ما عد من سقط المتاعو منه أيضا
و في الشر نجاة حين لا ينجيك إحسان
و منه أيضا
و لم ندر إن جضنا عن الموت جيضة كم العمر باق و المدى متطاول
شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 278و منه أيضاو لا يكشف الغماء إلا ابن حرة يرى غمرات الموت ثم يزورها
و منه أيضا
فلا تحسبي أني تخشعت بعدكم لشي ء و لا أني من الموت أفرق و لا أن نفسي يزدهيها وعيدكم و لا أنني بالمشي في القيد أخرو منه أيضا
سأغسل عني العار بالسيف جالبا على قضاء الله ما كان جالباو أذهل عن داري و أجعل هدمها لعرصي من باقي المذمة حاجباو يصغر في عيني تلادي إذا انثنت يميني بإدراك الذي كنت طالبافإن تهدموا بالغر داري فإنها تراث كريم لا يبالي العواقباأخي عزمات لا يطيع على الذي يهم به من مفظع الأمر عاتباإذا هم ألقى بين عينيه عزمه و نكب عن ذكر العواقب جانبافيا لرزام رشحوا بي مقدما إلى الموت خواضا إليه السباسباإذا هم لم تردع عزيمة همه و لم يأت ما يأتي من الأمر هائباو لم يستشر في أمره غير نفسه و لم يرض إلا قائم السيف صاحبا
و منه أيضا
هما خطتا إما إسار و منة و إما دم و القتل بالحر أجدر
شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 279و منه أيضاو أنا لقوم لا نرى القتل سبة إذا ما رأته عامر و سلول يقصر حب الموت آجالنا لنا و تكرهه آجالهم فتطول و ما مات منا سيد حتف أنفه و لا طل منا حيث كان قتيل تسيل على حد الظبات نفوسنا و ليست على غير السيوف تسو منه أيضا(4/235)
لا يركنن أحد إلى الإحجام يوم الوغى متخوفا لحمام فلقد أراني للرماح دريئة من عن يميني تارة و أمامي حتى خضبت بما تحدر من دمي أكناف سرجي أو عنان لجامي ثم انصرفت و قد أصبت و لم أصب جذع البصيرة قارح الأقدو منه أيضا
و إني لدى الحرب الضروس موكل بإقدام نفس لا أريد بقاءهامتى يأت هذا الموت لا تلف حاجة لنفسي إلا قد قضيت قضاءها
كتب عبد الحميد بن يحيى عن مروان بن محمد إلى أبي مسلم كتابا حمل على جمل لعظمه و كثرته و قيل إنه لم يكن في الطول إلى هذه الغاية و قد حمل على جمل تعظيما لأمره و قال لمروان بن محمد إن قرأه خاليا نخب قلبه و إن قرأه في ملإ من شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 280أصحابثبطهم و خذلهم فلما وصل إلى أبي مسلم أحرقه بالنار و لم يقرأه و كتب على بياض كان على رأسه و أعاده إلى مروان(4/236)