شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 267نهار بن توسعة في يزيد بن المهلبو ما كنا نؤمل من أمير كما كنا نؤمل من يزيدفأخطأ ظننا فيه و قدما زهدنا في معاشرة الزهيدإذا لم يعطنا نصفا أمير مشينا نحوه مشي الأسود
كان هدبة اليشكري و هو ابن عم شوذب الخارجي اليشكري شجاعا مقداما و كان ابن عمه بسطام الملقب شوذبا الخارج في خلافة عمر بن عبد العزيز و يزيد بن عبد الملك فأرسل إليه يزيد بن عبد الملك جيشا كثيفا فحاربه فانكشفت الخوارج و ثبت هدبة و أبى الفرار فقاتل حتى قتل فقال أيوب بن خولي يرثيه
فيا هدب للهيجا و يا هدب للندى و يا هدب للخصم الألد يحاربه و يا هدب كم من ملحم قد أجبته و قد أسلمته للرماح كتائبه تزودت من دنياك درعا و مغفرا و عضبا حساما لم تخنك مضاربه و أجرد محبوك السراة كأنه إذا انفض وافى الريش حجن مخالكانت وصايا إبراهيم الإمام و كتبه ترد إلى أبي مسلم بخراسان إن استطعت ألا تدع بخراسان أحدا يتكلم بالعربية إلا و قتلته فافعل و أيما غلام بلغ خمسة أشبار تتهمه شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 268فاقتله و عليك بمضر فإنهم العدو القريب الدار فأبد خضراءهم و لا تدع على أرض منهم ديارا. قال المتنبي
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم
و له
و من عرف الأيام معرفتي بها و بالناس روى رمحه غير راحم فليس بمرحوم إذا ظفروا به و لا في الردى الجاري عليهم بآثمو قال المتنبي أيضا(4/227)


ردي حياض الردى يا نفس و اطرحي حياض خوف الردى للشاء و النعم إن لم أذرك على الأرماح سائلة فلا دعيت ابن أم المجد و الكرمو من أباة الضيم قتيبة بن مسلم الباهلي أمير خراسان و ما وراء النهر لم يصنع أحد صنيعه في فتح بلاد الترك و كان الوليد بن عبد الملك أراد أن ينزع أخاه سليمان بن عبد الملك من العهد بعده و يجعله في ابنه عبد العزيز بن الوليد فأجابه إلى ذلك قتيبة بن مسلم و جماعة من الأمراء فلما مات الوليد قبل إتمام ذلك و قام سليمان بالأمر بعده و كان شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 269قتيبة أشد الناس في أمر سليمان و خلعه عن العهد علم أنه سيعزله عن خراسان و يوليها يزيد بن المهلب لود كان بينه و بين سليمان فكتب قتيبة إليه كتابا يهنئه بالخلا و يذكر بلاءه و طاعته لعبد الملك و للوليد بعده و أنه على مثل ذلك إن لم يعزله عن خراسان و كتب إليه كتابا آخر يذكره فيه بفتوحه و آثاره و نكايته في الترك و عظم قدره عند ملوكهم و هيبة العجم و العرب له و عظم صيته فيهم و يذم آل المهلب و يحلف له بالله لئن استعمل يزيد بن المهلب خراسان ليخلعنه و ليملأنها عليه خيلا و رجلا و كتب كتابا ثالثا فيه خلع سليمان و بعث بالكتب الثلاثة مع رجل من قومه من باهلة يثق به و قال له ادفع الكتاب الأول إليه فإن كان يزيد بن المهلب حاضرا عنده فقرأ الكتاب ثم دفعه إلى يزيد فادفع إليه هذا الثاني فإن قرأه و ألقاه إليه أيضا فادفع إليه الثالث و إن قرأ الكتاب الأول و لم يدفعه إلى يزيد فاحتبس الكتابين الآخرين معك. فقدم الرسول على سليمان و دخل عليه و عنده يزيد بن المهلب فدفع إليه الكتاب الأول فقرأ و ألقاه إلى يزيد فدفع إليه الكتاب الثاني فقرأه و ألقاه إلى يزيد أيضا فدفع إليه الكتاب الثالث فقرأه و تغير لونه و طواه و أمسكه بيده و أمر بإنزال الرسول و إكرامه ثم أحضره ليلا و دفع إليه جائزته و أعطاه عهد قتيبة على خراسان و كان ذلك مكيدة من سليمان يسكنه(4/228)


ليطمئن ثم يعزله و بعث مع رسوله رسولا فلما كان بحلوان بلغه خلع قتيبة سليمان بن عبد الملك فرجع رسول سليمان إليه فلما اختلفت العرب على قتيبة حين أبدى صفحته لسليمان و خلع ربقة الطاعة بايعوا وكيع بن أبي سود التميمي على أمارة خراسان و كانت أمراء القبائل قد تنكرت لقتيبة لإذلاله إياهم و استهانته بهم و استطالته عليهم و كرهوا إمارته فكانت بيعة وكيع في أول الأمر شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 270سرا ثم ظهر لقتيبة أمره فأرسل إليه يدعوه فوجده قد طلا رجله بمغرة و علق في عنقه خرزا و عنده رجلان يرقيان رجله فقال للرسول قد ترى ما برجلي فرجع و أخبر قتيبة فأعاده إليه فقال قل له ليأتي محمولا قال لا أستطيع فقال قتيبة لصاحب شرطته انطلق إلى وكيع فأتني به فإن أبى فاضرب عنقه و ائتني برأسه و وجه معه خيلا فقال وكيع لصاحب الشرطة البث قليلا تلحق الكتائب و قام فلبس سلاحه و نادى في الناس فأتوه فخرج فتلقاه رجل فقال ممن أنت فقال من بني أسد فقال ما اسمك فقال ضرغام فقال ابن من قال ابن ليث فتيمن به و أعطاه رايته و أتاه الناس إرسالا من كل وجه فتقدم بهم و هو يقول
قرم إذا حمل مكروهة شد الشراسيف لها و الحزيم
و اجتمع إلى قتيبة أهله و ثقاته و أكثر العرب ألسنتهم له و قلوبهم عليه فأمر قتيبة رجلا فنادى أين بنو عامر و قد كان قتيبة جفاهم في أيام سلطانه فقال له مجفر بن جزء الكلابي نادهم حيث وضعتهم فقال قتيبة أنشدكم الله و الرحم و ذاك لأن باهلة و عامرا من قيس عيلان فقال مجفر أنت قطعتها قال فلكم العتبى فقال مجفر لا أقالنا الله إذا فقال قتيبة
يا نفس صبرا على ما كان من ألم إذ لم أجد لفضول العيش أقرانا(4/229)


ثم دعا ببرذون له مدرب ليركبه فجعل يمنعه الركوب حتى أعيا فلما رأى ذلك شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 271عاد إلى سريره فجلس و قال دعوه فإن هذا أمر يراد و جاء حيان النبطي و هو يومئذ أمير الموالي و عدتهم سبعة آلاف و كان واجدا على قتيبة فقال له عبد الله بن مسلم أخقتيبة احمل يا حيان فقال لم يأن بعد فقال له ناولني قوسك فقال حيان ليس هذا بيوم قوس ثم قال حيان لابنه إذ رأيتني قد حولت قلنسوتي و مضيت نحو عسكر وكيع فمل بمن معك من العجم إلي فلما حول حيان قلنسوته و مضى نحو عسكر وكيع مالت الموالي معه بأسرها فبعث قتيبة أخاه صالح بن مسلم إلى الناس فرماه رجل من بني ضبة فأصاب رأسه فحمل إلى قتيبة و رأسه مائل فوضعه على مصلاه و جلس عند رأسه ساعة و تهايج الناس و أقبل عبد الرحمن بن مسلم أخو قتيبة نحوهم فرماه الغوغاء و أهل السوق فقتلوه و أشير على قتيبة بالانصراف فقال الموت أهون من الفرار و أحرق وكيع موضعا كانت فيه إبل قتيبة و دوابه و زحف بمن معه حتى دنا منه فقاتل دونه رجل من أهله قتالا شديدا فقال له قتيبة أنج بنفسك فإن مثلك يضن به عن القتل قال بئسما جزيتك به أيها الأمير إذا و قد أطعمتني الجردق و ألبستني النمرق و تقدم الناس حتى بلغوا فسطاط قتيبة فأشار عليه نصحاؤه بالهرب فقال إذا لست لمسلم بن عمرو ثم خرج إليهم بسيفه يجالدهم فجرح جراحات كثيرة حتى ارتث و سقط فأكبوا عليه فاحتزوا رأسه و قتل معه من إخوته عبد الرحمن و عبد الله و صالح و الحصين و عبد الكريم و مسلم و قتل معه جماعة من أهله و عدة من قتل معه من أهله و إخوته أحد عشر رجلا و صعد وكيع بن أبي سود المنبر و أنشد
من ينك العير ينك نياكا(4/230)


شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 272إن قتيبة أراد قتلي و أنا قتال الأقران ثم أنشدقد جربوني ثم جربوني من غلوتين و من المئين حتى إذا شبت و شيبوني خلوا عناني ثم سيبوني حذار مني و تنكبوني فإنني رام لمن يرمينثم قال أنا أبو مطرف يكررها مرارا ثم قال أنا ابن خندف تنميني قبائلها للصالحات و عمي قيس عيلانا
ثم أخذ بلحيته و قال إني لأقتلن ثم لأقتلن و لأصلبن ثم لأصلبن إن مرزبانكم هذا ابن الزانية قد أغلى أسعاركم و الله لئن لم يصر القفيز بأربعة دراهم لأصلبنه صلوا على نبيكم. ثم نزل و طلب رأس قتيبة و خاتمه فقيل له إن الأزد أخذته فخرج مشهرا و قال و الله الذي لا إله إلا هو لا أبرح حتى أوتي بالرأس أو يذهب رأسي معه فقال له الحصين بن المنذر يا أبا مطرف فإنك تؤتى به ثم ذهب إلى الأزد فأخذ الرأس و أتاه به فسيره إلى سليمان بن عبد الملك فأدخل عليه و معه رءوس إخوته و أهله و عنده الهذيل بن زفر بن الحارث الكلابي فقال أ ساءك هذا يا هذيل قال لو ساءني لساء ناسا كثيرا فقال سليمان ما أردت هذا كله و إنما قال سليمان ذلك للهذيل لأن قيس عيلان تجمع كلابا و باهلة قالوا ما ولي خراسان أحد كقتيبة بن مسلم و لو كانت باهلة في الدناءة و الضعة و اللؤم إلى أقصى غاية لكان لها بقتيبة الفخر على قبائل العرب. شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 273قال رؤساء خراسان من العجم لما قتل قتيبة يا معشر العرب قتلتم قتيبة و الله لو كان منا ثم مات لجعلناه في تابوت فكنا نستفتح به إذا غزونا. و قال الأصبهبذ يا معشر العرب قتلتم قتيبة و يزيد بن المهلب لقد جئتم شيئا إدا فقيل له أما كان أعظم عندكم و أهيب قال لو كان قتيبة بأقصى حجرة في المغرب مكبلا بالحديد و القيود و يزيد معنا في بلدنا وال علينا لكان قتيبة أهيب في صدورنا و أعظم. و قال عبد الرحمن بن جماعة الباهلي يرثي قتيبة(4/231)

14 / 148
ع
En
A+
A-