لما قدم جيش الحرة إلى المدينة و على الجيش مسلم بن عقبة المري أباح المدينة ثلاثا و استعرض أهلها بالسيف جزرا كما يجزر القصاب الغنم حتى ساخت الأقدام في الدم و قتل أبناء المهاجرين و الأنصار و ذرية أهل بدر و أخذ البيعة ليزيد بن معاوية على كل من استبقاه من الصحابة و التابعين على أنه عبد قن لأمير المؤمنين يزيد بن معاوية هكذا كانت صورة المبايعة يوم الحرة إلا علي بن الحسين بن علي ع فإنه أعظمه و أجلسه معه على سريره و أخذ بيعته على أنه أخو أمير المؤمنين يزيد بن معاوية و ابن عمه دفعا له عما بايع عليه غيره و كان ذلك بوصاة من يزيد بن معاوية له فهرب علي بن عبد الله بن العباس رحمه الله تعالى إلى أخواله من كندة فحموه من مسلم بن عقبة و قالوا لا يبايع ابن أختنا إلا على ما بايع عليه ابن عمه علي بن الحسين فأبى مسلم بن عقبة ذلك و قال إني لم أفعل ما فعلت إلا بوصاة أمير المؤمنين و لو لا ذلك لقتلته فإن أهل هذا البيت أجدر بالقتل أو لأخذت بيعته على ما أخذت عليه بيعة غيره و سفر السفراء بينه و بينهم حتى وقع الاتفاق على أن يبايع و يقول أنا أبايع لأمير المؤمنين يزيد بن معاوية و ألتزم طاعته و لا يقول غير ذلك فقال علي بن عبد الله بن العباس
أبي العباس رأس بني قصي و أخوالي الملوك بنو وليعه هم منعوا ذماري يوم جاءت كتائب مسرف و بنو اللكيعه شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 260أراد بي التي لا عز فيها فحالت دونه أيد منيعمسرف كناية عن مسلم و أم علي بن عبد الله بن العباس زرعة بنت مشرح بن معديكرب بن وليعة بن شرحبيل بن معاوية بن كندة. قال الحسين بن الحمام
و لست بمبتاع الحياة بسبة و لا مرتق من خشية الموت سلماتأخرت أستبقي الحياة فلم أجد لنفسي حياة مثل أن أتقدمافلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا و لكن على أقدامنا تقطر الدمانفلق هاما من رجال أعزة علينا و هم كانوا أعق و أظلماأبى لابن سلمى أنه غير خالد ملاقي المنايا أي صرف تيمما(4/222)
ابن سلمى يعني نفسه و سلمى أمه. و قال الطرماح بن حكيم
و ما منعت دار و لا عز أهلها من الناس إلا بالقنا و القنابل
و قال آخر
و إن التي حدثتها في أنوفنا و أعناقنا من الإباء كما هيا
و قال آخر
فإن تكن الأيام فينا تبدلت ببؤسي و نعمى و الحوادث تفعل فما لينت منا قناة صليبة و لا ذللتنا للتي ليس تجمل و لكن رحلناها نفوسا كريمة تحمل ما لا يستطاع فتحمل شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 261و قال آخرإذا جانب أعياك فاعمد لجانب فإنك لاق في البلاد معولا
و قال أبو النشناش
إذا المرء لم يسرح سواما و لم يرح سواما و لم تعطف عليه أقاربه فللموت خير للفتى من قعوده عديما و من مولى تدب عقاربه و لم أر مثل الهم ضاجعه الفتى و لا كسواد الليل أخفق طالبه فعش معدما أو مت كريما فإنني أرى الموت لا ينجو من الموت هاروفد يحيى بن عروة بن الزبير على عبد الملك فجلس يوما على بابه ينتظر إذنه فجرى ذكر عبد الله بن الزبير فنال منه حاجب عبد الملك فلطم يحيى وجهه حتى أدمى أنفه فدخل على عبد الملك و دمه يجري من أنفه فقال من ضربك قال يحيى بن عروة قال أدخله و كان عبد الملك متكئا فجلس فلما دخل قال ما حملك على ما صنعت بحاجبي قال يا أمير المؤمنين إن عمي عبد الله كان أحسن جوارا لعمتك منك لنا و الله إن كان ليوصي أهل ناحيته ألا يسمعوها قذعا و لا يذكروكم عندها إلا بخير و إن كان ليقول لها من سب أهلك فقد سب أهله فأنا و الله المعم المخول تفرقت العرب بين عمي و خالي فكنت كما قال الأول
يداه أصابت هذه حتف هذه فلم تجد الأخرى عليها مقدما(4/223)
فرجع عبد الملك إلى متكئه و لم يزل يعرف منه الزيادة في إكرام يحيى بعدها. شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 262و أم يحيى هذه ابنة الحكم بن أبي العاص عمة عبد الملك بن مروان. و قال سعيد بن عمر الحرشي أمير خراسانفلست لعامر إن لم تروني أمام الخيل أطعن بالعوالي و أضرب هامة الجبار منهم بماضي الغرب حودث بالصقال فما أنا في الحروب بمستكين و لا أخشى مصاولة الرجال أبى لي والدي من كل ذم و خالي حين يذكر خير خقال عبد الله بن الزبير لما خطب حين أتاه نعي مصعب أما بعد فإنه أتانا من العراق خبر أفرحنا و أحزننا أتانا خبر قتل المصعب فأما الذي أحزننا فلوعة يجدها الحميم عند فراق حميمه ثم يرعوي بعدها ذو اللب إلى حسن الصبر و كرم العزاء. و أما الذي أفرحنا فإن ذلك كان له شهادة و كان لنا و له خيرة إنا و الله ما نموت حبجا كما يموت آل أبي العاص ما نموت إلا قتلا قعصا بالرماح و موتا تحت ظلال السيوف فإن يهلك المصعب فإن في آل الزبير لخلفا. و خطب مرة أخرى فذكره فقال لوددت و الله أن الأرض قاءتني عنده حين لفظ غصته و قضى نحبه شعر
خذيه فجريه ضباع و أبشري بلحم امرئ لم يشهد اليوم ناصره
شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 263و قال الشداخ بن يعمر الكنانيقاتلوا القوم يا خزاع و لا يدخلكم من قتالهم فشل القوم أمثالكم لهم شعر في الرأس لا ينشرون إن قتلواو قال يحيى بن منصور الحنفي
و لما نأت عنا العشيرة كلها أنخنا فحالفنا السيوف على الدهرفما أسلمتنا عند يوم كريهة و لا نحن أغضينا الجفون على وتر(4/224)
قيل لرجل شهد يوم الطف مع عمر بن سعد و يحك أ قتلتم ذرية رسول الله ص فقال عضضت بالجندل إنك لو شهدت ما شهدنا لفعلت ما فعلنا ثارت علينا عصابة أيديها في مقابض سيوفها كالأسود الضارية تحطم الفرسان يمينا و شمالا و تلقي أنفسها على الموت لا تقبل الأمان و لا ترغب في المال و لا يحول حائل بينها و بين الورود على حياض المنية أو الاستيلاء على الملك فلو كففنا عنها رويدا لأتت على نفوس العسكر بحذافيرها فما كنا فاعلين لا أم لك. السخاء من باب الشجاعة و الشجاعة من باب السخاء لأن الشجاعة إنفاق العمر و بذله فكانت سخاء و السخاء إقدام على إتلاف ما هو عديل المهجة فكان شجاعة أبو تمام في تفضيل الشجاعة على السخاء
كم بين قوم إنما نفقاتهم مال و قوم ينفقون نفوسا
شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 264قيل لشيخنا أبي عبد الله البصري رحمه الله تعالى أ تجد في النصوص ما يدل على تفضيل علي ع بمعنى كثرة الثواب لا بمعنى كثرة مناقبه فإن ذاك أمر مفروغ منه فذكر حديث الطائر المشوي و أن المحبة من الله تعالى إرادة الثواب فقيل له قد سبقالشيخ أبو علي رحمه الله تعالى إلى هذا فهل تجد غير ذلك قال نعم قول الله تعالى إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ فإذا كان أصل المحبة لمن ثبت كثبوت البنيان المرصوص فكل من زاد ثباته زادت المحبة له و معلوم أن عليا ع ما فر في زحف قط و فر غيره في غير موطن. و قال أبو تمام
السيف أصدق أنباء من الكتب في حده الحد بين الجد و اللعب بيض الصفائح لا سود الصحائف في متونهن جلاء الشك و الريب و العلم في شهب الأرماح لامعة بين الخميسين لا في السبعة الشهو قال أبو الطيب المتنبي
حتى رجعت و أقلامي قوائل لي المجد للسيف ليس المجد للقلم(4/225)
شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 265اكتب بنا أبدا بعد الكتاب به فإنما نحن للأسياف كالخدم أسمعتني و دوائي ما أشرت به فإن غفلت فدائي قلة الفهم من اقتضى بسوى الهندي حاجته أجاب كل سؤال عن هل قال عطاف بن محمد الألوسي
أ مكابد الزفرات مؤصدة تلتذ خوف القطع بالشلل صرف همومك تنتدب همما فالسكر يعقب نشوة الثمل و لليلة الميلاد مفرحة تنسي الحوامل أشهر الحبل سر في البلاد تخوضها لججا فالدر ليس يصاب في الوشل و اجعل لصبوتك الظبا سكنا و الدور أكوارا على الإبل و العيش و الوطن الفي غرب الحسام و غارب الجمل و اشدد عليك و خذ إليك و دع ضعة الخمول و فترة الكسل و ارم العداة بكل صائبة ما الرمي موقوفا على ثعل لا تحسب النكبات منقصة قد يستجاد السيف بالفو قال عروة بن الورد
لحا الله صعلوكا إذا جن ليله مصافي المشاش آلفا كل مجزر
شرح نهج البلاغة ج : 3 ص : 266يعد الغنى من نفسه كل ليلة أصاب قراها من صديق ميسرينام عشاء ثم يصبح ناعسا يحت الحصى من جنبه المتعفريعين نساء الحي ما يستعنه و يمسي طليحا كالبعير المحسرو لكن صعلوكا صفيحة وجهه كضوء شهاب القابس المتنورمطلا على أعدائه يزجرونه بستهم زجر المنيح المشهرو إن قعدوا لا يأمنون اقترابه تشوف أهل الغائب المتنظرفذلك إن يلق المنية يلقها حميدا و إن يستغن يوما فأجدر
و قال آخر
و لست بمولى سوءة أدعي لها فإن لسوآت الأمور موالياو سيان عندي أن أموت و أن أرى كبعض رجال يوطنون المخازياو لن يجد الناس الصديق و لا العدا أديمي إذا عدوا أديمي واهياو إن نجاري بابن غنم مخالف نجار لئام فابغني من ورائياو لست بهياب لمن لا يهابني و لست أرى للمرء ما لا يرى لياإذا المرء لم يحببك إلا تكرها عراض العلوق لم يكن ذاك باقيا(4/226)