و روى أنس بن مالك عن رسول الله ص أنه قال يحسب المرء من الشر إلا من عصمه الله من السوء أن يشير الناس إليه بالأصابع في دينه و دنياه إن الله لا ينظر إلى صوركم و لكن ينظر إلى قلوبكم و أعمالكم
و قال علي ع تبذل لا تشتهر و لا ترفع شخصك لتذكر بعلم و اسكت و اصمت تسلم تسر الأبرار و تغيظ الفجار
و كان خالد بن معدان إذا كثرت حلقته قام مخافة الشهرة. و رأى طلحة بن مصرف قوما يمشون معه نحو عشرة فقال فراش نار و ذبان طمع. و قال سليمان بن حنظلة بينا نحن حوالي أبي بن كعب نمشي إذ رآه عمر فعلاه بالدرة و قال له انظر من حولك إن الذي أنت فيه ذلة للتابع فتنة للمتبوع. و خرج عبد الله بن مسعود من منزله فاتبعه قوم فالتفت إليهم و قال علام تتبعونني فو الله لو تعلمون مني ما أغلق عليه بابي لما تبعني منكم اثنان. و قال الحسن خفق النعال حول الرجال مما يثبت عليهم قلوب الحمقى. شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 182و روي أن رجلا صحب حسن في طريق فلما فارقه قال أوصني رحمك الله قال إن استطعت أن تعرف و لا تعرف و تمشي و لا يمشى إليك و تسأل و لا تسأل فافعل. و خرج أيوب السختياني في سفر فشيعه قوم فقال لو لا أني أعلم أن الله يعلم من قلبي أني لهذا كاره لخشيت المقت من الله. و عوتب أيوب على تطويل قميصه فقال إن الشهرة كانت فيما مضى في طوله و هي اليوم في قصره. و قال بعضهم كنت مع أبي قلابة إذ دخل رجل عليه كساء فقال إياكم و هذا الحمار الناهق يشير به إلى طالب شهرة. و قال رجل لبشر بن الحارث أوصني فقال أخمل ذكرك و طيب مطعمك. و كان حوشب يبكي و يقول بلغ اسمي المسجد الجامع. و قال بشر ما أعرف رجلا أحب أن يعرف إلا ذهب دينه و افتضح. و قال أيضا لا يجد حلاوة الآخرة رجل يحب أن يعرفه الناس. فهذه الآثار قليل مما ورد عن الصالحين رحمهم الله في ذم الرياء و كون الشهرة طريقا إلى الفتنة
فصل في مدح الخمول و الجنوح إلى العزلة(3/161)


و قد صرح أمير المؤمنين ع في مدح الأبرار و هم القسم الخامس بمدح الخمول فقال قد أخملتهم التقية يعني الخوف. و قد ورد في الأخبار و الآثار شي ء كثير في مدح الخمول. قال رسول الله ص رب أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 183لو أقسم على الله لأبر قسمه و في رواية ابن مسعود رب ذي طمرين لا يؤبه له و لو سأل الجنة لأعطيها
و في الحديث أيضا عنه ص أ لا أدلكم على أهل الجنة كل ضعيف مستضعف لو أقسم على الله لأبره أ لا أدلكم على أهل النار كل متكبر جواظ
و عنه ص أن أهل الجنة الشعث الغبر الذين إذا استأذنوا على الأمراء لم يؤذن لهم و إذا خطبوا لم ينكحوا و إذا قالوا لم ينصت لهم حوائج أحدهم تتلجلج في صدره لو قسم نورهم يوم القيامة على الناس لوسعهم
و روي أن عمر دخل المسجد فإذا بمعاذ بن جبل يبكي عند قبر رسول الله ص فقال ما يبكيك قال سمعت رسول الله ص يقول إن اليسير من الرياء لشرك و إن الله يحب الأتقياء الأخفياء الذين إذا غابوا لم يفتقدوا و إذا حضروا لم يعرفوا قلوبهم مصابيح الهدى ينجون من كل غبراء مظلمة
و قال ابن مسعود كونوا ينابيع العلم مصابيح الهدى أحلاس البيوت سرج الليل جدد القلوب خلقان الثياب تعرفون عند أهل السماء و تخفون عند أهل الأرض
و في حديث أبي أمامة يرفعه قال الله تعالى إن أغبط أوليائي لعبد مؤمن خفيف الحاذ ذو حظ من صلاة و قد أحسن عبادة ربه و أطاعه في السر و كان غامضا في الناس لا يشار إليه بالأصابع
و في الحديث السعيد من خمل صيته و قل تراثه و سهلت منيته و قلت بواكيه(3/162)


شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 184 و قال الفضيل روي لي أن الله تعالى يقول في بعض ما يمن به على عبده أ لم أنعم عليك أ لم أسترك أ لم أخمل ذكركو كان الخليل بن أحمد يقول في دعائه اللهم اجعلني عندك من أرفع خلقك و اجعلني عند نفسي من أوضع خلقك و اجعلني عند الناس من أوسط خلقك و قال إبراهيم بن أدهم ما قرت عيني ليلة قط في الدنيا إلا مرة بت ليلة في بعض مساجد قرى الشام و كان بي علة البطن فجرني المؤذن برجلي حتى أخرجني من المسجد. و قال الفضيل إن قدرت على ألا تعرف فافعل و ما عليك ألا تعرف و ما عليك ألا يثنى عليك و ما عليك أن تكون مذموما عند الناس إذا كنت محمودا عند الله تعالى. فإن قيل فما قولك في شهرة الأنبياء و الأئمة ع و أكابر الفقهاء المجتهدين قيل إن المذموم طلب الشهرة فأما وجودها من الله تعالى من غير تكلف من العبد و لا طلب فليس بمذموم بل لا بد من وجود إنسان يشتهر أمره فإن بطريقه ينصلح العالم و مثال ذلك الغرقى الذين بينهم غريق ضعيف الأولى به ألا يعرفه أحد منهم لئلا يتعلق به فيهلك و يهلكوا معه فإن كان بينهم سابح قوي مشهور بالقوة فالأولى ألا يكون مجهولا بل ينبغي أن يعرف ليتعلقوا به فينجو هو و يتخلصوا من الغرق بطريقه(3/163)


شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 33185- و من خطبة له ع عند خروجه لقتال أهل البصرةقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ دَخَلْتُ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بِذِي قَارٍ وَ هُوَ يَخْصِفُ نَعْلَهُ فَقَالَ لِي مَا قِيمَةُ هَذَا النَّعْلِ فَقُلْتُ لَا قِيمَةَ لَهَا فَقَالَ وَ اللَّهِ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِمْرَتِكُمْ إِلَّا أَنْ أُقِيمَ حَقّاً أَوْ أَدْفَعَ بَاطِلًا ثُمَّ خَرَجَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً ص وَ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ يَقْرَأُ كِتَاباً وَ لَا يَدَّعِي نُبُوَّةً فَسَاقَ النَّاسَ حَتَّى بَوَّأَهُمْ مَحَلَّتَهُمْ وَ بَلَّغَهُمْ مَنْجَاتَهُمْ فَاسْتَقَامَتْ قَنَاتُهُمْ وَ اطْمَأَنَّتْ صَفَاتُهُمْ أَمَا وَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَفِي سَاقَتِهَا حَتَّى وَلَّتْ بِحَذَافِيرِهَا مَا ضَعُفْتُ وَ لَا جَبُنْتُ وَ إِنَّ مَسِيرِي هَذَا لِمِثْلِهَا فَلَأَنْقُبَنَّ الْبَاطِلَ حَتَّى يَخْرُجَ الْحَقُّ مِنْ جَنْبِهِ مَا لِي وَ لِقُرَيْشٍ وَ اللَّهِ لَقَدْ قَاتَلْتُهُمْ كَافِرِينَ وَ لَأُقَاتِلَنَّهُمْ مَفْتُونِينَ وَ إِنِّي لَصَاحِبُهُمْ بِالْأَمْسِ كَمَا أَنَا صَاحِبُهُمُ الْيَوْمَ وَ اللَّهِ مَا تَنْقِمُ مِنَّا قُرَيْشٌ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ اخْتَارَنَا عَلَيْهِمْ فَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي حَيِّزِنَا فَكَانُوا كَمَا قَالَ الْأَوَّلُ
أَدَمْتَ لَعَمْرِي شُرْبَكَ الْمَحْضَ صَابِحاً وَ أَكْلَكَ بِالزُّبْدِ الْمُقَشَّرَةَ الْبُجْرَاوَ نَحْنُ وَهَبْنَاكَ الْعَلَاءَ وَ لَمْ تَكُنْ عَلِيّاً وَ حُطْنَا حَوْلَكَ الْجُرْدَ وَ السُّمْرَا(3/164)


شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 186ذو قار موضع قريب من البصرة و هو المكان الذي كانت فيه الحرب بين العرب و الفرس و نصرت العرب على الفرس قبل الإسلام. و يخصف نعله أي يخرزها. و بوأهم محلتهم أسكنهم منزلهم أي ضرب الناس بسيفه على الإسلام حتى أوصلهم إليه و مثله و بلغ منجاتهم إلا أن في هذه الفاصلة ذكر النجاة مصرحا به. فاستقامت قناتهم استقاموا على الإسلام أي كانت قناتهم معوجة فاستقامت. و اطمأنت صفاتهم كانت متقلقلة متزلزلة فاطمأنت و استقرت. و هذه كلها استعارات. ثم أقسم أنه كان في ساقتها حتى تولت بحذافيرها الأصل في ساقتها أن يكون جمع سائق كحائض و حاضة و حائك و حاكة ثم استعملت لفظة الساقة للأخير لأن السائق إنما يكون في آخر الركب أو الجيش. و شبه ع أمر الجاهلية إما بعجاجة ثائرة أو بكتيبة مقبلة للحرب فقال إني طردتها فولت بين يدي و لم أزل في ساقتها أنا أطردها و هي تنطرد أمامي حتى تولت بأسرها و لم يبق منها شي ء ما عجزت عنها و لا جبنت منها. ثم قال و إن مسيري هذا لمثلها فلأنقبن الباطل كأنه جعل الباطل كشي ء قد اشتمل على الحق و احتوى عليه و صار الحق في طيه كالشي ء الكامن المستتر فيه فأقسم لينقبن ذلك الباطل إلى أن يخرج الحق من جنبههذا من باب الاستعارة أيضا. شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 187ثم قال لقد قاتلت قريشا كافرين و لأقاتلنهم مفتونين لأن الباغي على الإمام مفتون فاسق. و هذا الكلام يؤكد قول أصحابنا إن أصحاب صفين و الجمل ليسوا بكفار خلافا للإمامية فإنهم يزعمون أنهم كفارخبر يوم ذي قار
روى أبو مخنف عن الكلبي عن أبي صالح عن زيد بن علي عن ابن عباس قال لما نزلنا مع علي ع ذا قار قلت يا أمير المؤمنين ما أقل من يأتيك من أهل الكوفة فيما أظن فقال و الله ليأتيني منهم ستة آلاف و خمسمائة و ستون رجلا لا يزيدون و لا ينقصون(3/165)

92 / 150
ع
En
A+
A-