بالمدينة و أنكرتنا بالبصرة فقال
علقتهم أني خلقت عصبه قتادة تعلقت بنشبه
لن أدعهم حتى أؤلف بينهم قال فأردت منه جوابا غير ذلك فقال لي ابنه عبد الله قل له بيننا و بينك دم خليفة و وصية خليفة و اجتماع اثنين و انفراد واحد و أم مبرورة و مشاورة العشيرة قال فعلمت أنه ليس وراء هذا الكلام إلا الحرب فرجعت إلى علي ع فأخبرته. شرح نهج البلة ج : 2 ص : 170قال الزبير بن بكار هذا الحديث كان يرويه عمي مصعب ثم تركه و قال إني رأيت جدي أبا عبد الله الزبير بن العوام في المنام و هو يعتذر من يوم الجمل فقلت له كيف تعتذر منه و أنت القائل
علقتهم أني خلقت عصبه قتادة تعلقت بنشبه
لن أدعهم حتى أؤلف بينهم فقال لم أقله
استطراد بلاغي في الكلام على الاستدراج(3/151)


و اعلم أن في علم البيان بابا يسمى باب الخداع و الاستدراج يناسب ما يذكره فيه علماء البيان قول أمير المؤمنين ع يقول لك ابن خالك عرفتني بالحجاز و أنكرتني بالعراق. قالوا و من ذلك قول الله تعالى حكاية عن مؤمن آل فرعون وَ قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَ تَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَ قَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَ إِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَ إِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ فإنه أخذ معهم في الاحتجاج بطريق التقسيم فقال هذا الرجل إما أن يكون كاذبا فكذبه يعود عليه و لا يتعداه و إما أن يكون صادقا فيصيبكم بعض ما يعدكم به و لم يقل كل ما يعدكم به مخادعة لهم و تلطفا و استمالة لقلوبهم كي لا ينفروا منه لو أغلظ في القول و أظهر لهم أنه يهضمه بعض حقه. و كذلك تقديم قسم الكذب على قسم الصدق كأنه رشاهم ذلك و جعله برطيلا لهم ليطمئنوا إلى نصحه. شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 171و من ذلك قول إبراهيم على ما حكاه تعالى عنه في قوله إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَ وَ لا يُبْصِرُ وَ لا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا فطلب منه في مبدأ الأمر السبب في عبادته الصنم و العلة لذلك و نبهه على أن عبادة ما لا يسمع و لا يبصر و لا يغني عنه شيئا قبيحة ثم لم يقل له إني قد تبحرت في العلوم بل قال له قد حصل عندي نوع من العلم لم يحصل عندك و هذا من باب الأدب في الخطاب ثم نبهه على أن(3/152)


الشيطان عاص لله فلا يجوز اتباعه ثم خوفه من عذاب الله إن اتبع الشيطان و خاطبه في جميع ذلك بقوله يا أَبَتِ استعطافا و استدراجا كقول علي ع يقول لك ابن خالك فلم يجبه أبوه إلى ما أراد و لا قال له يا بني بل قال أَ راغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ فخاطبه بالاسم و أتاه بهمزة الاستفهام المتضمنة للإنكار ثم توعده فقال لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَ اهْجُرْنِي مَلِيًّا. قالوا و من هذا الباب ما روي أن الحسين بن علي ع كلم معاوية في أمر ابنه يزيد و نهاه عن أن يعهد إليه فأبى عليه معاوية حتى أغضب كل واحد منهما صاحبه فقال الحسين ع في غضون كلامه أبي خير من أبيه و أمي خير من أمه فقال معاوية يا ابن أخي أما أمك فخير من أمه و كيف تقاس امرأة من كلب بابنة رسول الله ص و أما أبوه فحاكم أباك إلى الله تعالى فحكم لأبيه على أبيك. شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 172قالوا و هذا من باب الاستدراج اللطيف لأن معاوية علم أنه إن أجابه بجواب يتضمن الدعوى لكونه خيرا من علي ع لم يلتفت أحد إليه و لم يكن له كلام يتعلق به لأن آثار علي ع في الإسلام و شرفه و فضيلته تجل أن يقاس بها أ فعدل عن ذكر ذلك إلى التعلق بما تعلق به فكان الفلج له. ذكر هذا الخبر نصر الله بن الأثير في كتابه المسمى بالمثل السائر في باب الاستدراج. و عندي أن هذا خارج عن باب الاستدراج و أنه من باب الجوابات الإقناعية التي تسميها الحكماء الجدليات و الخطابيات و هي أجوبة إذا بحث عنها لم يكن وراءها تحقيق و كانت ببادئ النظر مسكتة للخصم صالحة لمصادمته في مقام المجادلة. و مثل ذلك قول معاوية لأهل الشام حيث التحق به عقيل بن أبي طالب يا أهل الشام ما ظنكم برجل لم يصلح لأخيه. و قوله لأهل الشام إن أبا لهب المذموم في القرآن باسمه عم علي بن أبي طالب فارتاع أهل الشام لذلك و شتموا عليا و لعنوه. و من ذلك قول عمر يوم السقيفة أيكم يطيب نفسا أن يتقدم قدمين(3/153)


قدمهما رسول الله ص للصلاة. و من ذلك
قول علي ع مجيبا لمن سأله كم بين السماء و الأرض فقال دعوة مستجابة شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 173و جوابه أيضا لمن قال له كم بين المشرق و المغرب فقال مسيرة يوم للشمسو من ذلك قول أبي بكر و قد قال له عمر أقد خالدا بمالك بن نويرة سيف الله فلا أغمده. و كقوله و قد أشير عليه أيضا بأن يقيد من بعض أمرائه أنا أقيد من وزعة الله ذكر ذلك صاحب الصحاح في باب وزع. و الجوابات الإقناعية كثيرة و لعلها جمهور ما يتداوله الناس و يسكت به بعضهم بعضا(3/154)


شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 32174- و من خطبة له عأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا قَدْ أَصْبَحْنَا فِي دَهْرٍ عَنُودٍ وَ زَمَنٍ شَدِيدٍ يُعَدُّ فِيهِ الْمُحْسِنُ مُسِيئاً وَ يَزْدَادُ الظَّالِمُ فِيهِ عُتُوّاً لَا نَنْتَفِعُ بِمَا عَلِمْنَا وَ لَا نَسْأَلُ عَمَّا جَهِلْنَا وَ لَا نَتَخَوَّفُ قَارِعَةً حَتَّى تَحُلَّ بِنَا وَ النَّاسُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَصْنَافٍ مِنْهُمْ مَنْ لَا يَمْنَعُهُ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَهَانَةُ نَفْسِهِ وَ كَلَالَةُ حَدِّهِ وَ نَضِيضُ وَفْرِهِ وَ مِنْهُمْ الْمُصْلِتُ بِسَيْفِهِ وَ الْمُعْلِنُ بَشَرِّهِ وَ الْمُجْلِبُ بِخَيْلِهِ وَ رَجِلِهِ قَدْ أَشْرَطَ نَفْسَهُ وَ أَوْبَقَ دِينَهُ لِحُطَامٍ يَنْتَهِزُهُ أَوْ مِقْنَبٍ يَقُودُهُ أَوْ مِنْبَرٍ يَفْرَعُهُ وَ لَبِئْسَ الْمَتْجَرُ أَنْ تَرَى الدُّنْيَا لِنَفْسِكَ ثَمَناً وَ مِمَّا لَكَ عِنْدَ اللَّهِ عِوَضاً وَ مِنْهُمْ مَنْ يَطْلُبُ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الآْخِرَةِ وَ لَا يَطْلُبُ الآْخِرَةَ بِعَمَلِ الدُّنْيَا قَدْ طَامَنَ مِنْ شَخْصِهِ وَ قَارَبَ مِنْ خَطْوِهِ وَ شَمَّرَ مِنْ ثَوْبِهِ وَ زَخْرَفَ مِنْ نَفْسِهِ لِلْأَمَانَةِ وَ اتَّخَذَ سِتْرَ اللَّهِ ذَرِيعَةً إِلَى الْمَعْصِيَةِ وَ مِنْهُمْ مَنْ أَبْعَدَهُ عَنْ طَلَبِ الْمُلْكِ ضُئُولَةُ نَفْسِهِ وَ انْقِطَاعُ سَبَبِهِ فَقَصَرَتْهُ الْحَالُ عَلَى حَالِهِ فَتَحَلَّى بِاسْمِ الْقَنَاعَةِ وَ تَزَيَّنَ بِلِبَاسِ أَهْلِ الزَّهَادَةِ وَ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ فِي مَرَاحٍ وَ لَا مَغْدًى شرح نه البلاغة ج : 2 ص : 175وَ بَقِيَ رِجَالٌ غَضَّ أَبْصَارَهُمْ ذِكْرُ الْمَرْجِعِ وَ أَرَاقَ دُمُوعَهُمْ خَوْفُ الْمَحْشَرِ فَهُمْ بَيْنَ شَرِيدٍ نَادٍّ وَ خَائِفٍ مَقْمُوعٍ وَ سَاكِتٍ مَكْعُومٍ وَ دَاعٍ مُخْلِصٍ وَ ثَكْلَانَ مُوجَعٍ قَدْ أَخْمَلَتْهُمُ التّقِيَّةُ وَ(3/155)

90 / 150
ع
En
A+
A-