و من هاهنا بمعنى عن و قد جاءت في كثير من كلامهم كذلك قال ابن قتيبة في أدب الكاتب قالوا حدثني فلان من فلان أي عن فلان و لهيت من كذا أي عنه و يصير ترتيب الكلام و تقديره فما صرفك عما بدا منك أي شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 164ظهر و المعنى ما الذي صدك عن طاعتي د إظهارك لها و حذف الضمير المفعول المنصوب كثير جدا كقوله تعالى وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أي أرسلناه و لا بد من تقديره كي لا يبقى الموصول بلا عائد. و قال القطب الراوندي قوله فما عدا مما بدا له معنيان أحدهما ما الذي منعك مما كان قد بدا منك من البيعة قبل هذه الحالة و الثاني ما الذي عاقك و يكون المفعول الثاني لعدا محذوفا يدل عليه الكلام أي ما عداك يريد ما شغلك و ما منعك مما كان بدا لك من نصرتي من البدا الذي يبدو للإنسان و لقائل أن يقول ليس في الوجه الثاني زيادة على الوجه الأول إلا زيادة فاسدة أما إنه ليس فيه زيادة فلأنه فسر في الوجه الأول عدا بمعنى منع ثم فسره في الوجه الثاني بمعنى عاق و فسر عاق بمنع و شغل فصار عدا في الوجه الثاني مثل عدا في الوجه الأول. و قوله مما كان بدا منك فسره في الأول و الثاني بتفسير واحد فلم يبق بين الوجهين تفاوت و أما الزيادة الفاسدة فظنه أن عدا يتعدى إلى مفعولين و أنه قد حذف الثاني و هذا غير صحيح لأن عدا ليس من الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين بإجماع النحاة و من العجب تفسيره المفعول الثاني المحذوف على زعمه بقوله أي ما عداك و هذا المفعول المحذوف هاهنا هو مفعول عدا الذي لا مفعول لها غيره فلا يجوز أن يقال إنه أول و لا ثان. ثم حكى القطب الراوندي حكاية معناها أن صفية بنت عبد المطلب أعتقت عبيدا ثم ماتت ثم مات العبيد و لم يخلفوا وارثا إلا مواليهم و طلب علي ع ميراث العبيد بحق التعصيب و طلبه الزبير بحق الإرث من أمه و تحاكما إلى عمر فقضى عمر بالميراث للزبير. شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 16(3/146)
قال القطب الراوندي رحمه الله تعالى حكاية عن أمير المؤمنين ع إنه قال هذا خلاف الشرع لأن ولاء معتق المرأة إذا كانت ميتة يكون لعصبتها و هم العاقلة لا لأولادها
قلت هذه المسألة مختلف فيها بين الإمامية فأبو عبد الله بن النعمان المعروف بالمفيد يقول إن الولاء لولدها و لا يصحح هذا الخبر و يطعن في راويه و غيره من فقهاء الإمامية كأبي جعفر الطوسي و من قال بقوله يذهبون إلى أن الولاء لعصبتها لا لولدها و يصححون الخبر و يزعمون أن أمير المؤمنين ع سكت و لم ينازع على قاعدته في التقية و استعمال المجاملة مع القوم. فأما مذاهب الفقهاء غير الإمامية فإنها متفقة على أن الولاء للولد لا للعصبة كما هو قول المفيد رحمه الله تعالى.
و روى جعفر بن محمد الصادق عن أبيه عن جده ع قال سألت ابن عباس رضي الله عنه عن ذلك فقال إني قد أتيت الزبير فقلت له فقال قل له إني أريد ما تريد كأنه يقول الملك لم يزدني على ذلك فرجعت إلى علي ع فأخبرته
و روى محمد بن إسحاق و الكلبي عن ابن عباس رضي الله عنه قال قلت الكلمة للزبير فلم يزدني على أن قال قل له
إنا مع الخوف الشديد لنطمع
شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 166قال و سئل ابن عباس عما يعني بقوله هذا فقال يقول إنا على الخوف لنطمع أن نلي من الأمر ما وليتم. و قد فسره قوم تفسيرا آخر و قالوا أراد إنا مع الخوف من الله لنطمع أن يغفر لنا هذا الذنب. قلت و على كلا التفسيرين لم يحصل جواب المسأ
من أخبار الزبير و ابنه عبد الله(3/147)
كان عبد الله بن الزبير هو الذي يصلي بالناس في أيام الجمل لأن طلحة و الزبير تدافعا الصلاة فأمرت عائشة عبد الله أن يصلي قطعا لمنازعتهما فإن ظهروا كان الأمر إلى عائشة تستخلف من شاءت. و كان عبد الله بن الزبير يدعي أنه أحق بالخلافة من أبيه و من طلحة و يزعم أن عثمان يوم الدار أوصى بها إليه. و اختلفت الرواية في كيفية السلام على الزبير و طلحة فروي أنه كان يسلم على الزبير وحده بالإمرة فيقال السلام عليك أيها الأمير لأن عائشة ولته أمر الحرب. و روي أنه كان يسلم على كل واحد منهما بذلك. لما نزل علي ع بالبصرة و وقف جيشه بإزاء جيش عائشة قال الزبير و الله ما كان أمر قط إلا عرفت أين أضع قدمي فيه إلا هذا الأمر فإني لا أدري أ مقبل أنا فيه أم مدبر فقال له ابنه عبد الله كلا و لكنك فرقت سيوف ابن أبي طالب و عرفت أن الموت الناقع تحت راياته فقال الزبير ما لك أخزاك الله من ولد ما أشأمك شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 16 كان أمير المؤمنين ع يقول ما زال الزبير منا أهل البيت حتى شب ابنه عبد الله(3/148)
برز علي ع بين الصفين حاسرا و قال ليبرز إلي الزبير فبرز إليه مدججا فقيل لعائشة قد برز الزبير إلى علي ع فصاحت وا زبيراه فقيل لها لا بأس عليه منه إنه حاسر و الزبير دارع فقال له ما حملك يا أبا عبد الله على ما صنعت قال أطلب بدم عثمان قال أنت و طلحة وليتماه و إنما نوبتك من ذلك أن تقيد به نفسك و تسلمها إلى ورثته ثم قال نشدتك الله أ تذكر يوم مررت بي و رسول الله ص متكئ على يدك و هو جاء من بني عمرو بن عوف فسلم علي و ضحك في وجهي فضحكت إليه لم أزده على ذلك فقلت لا يترك ابن أبي طالب يا رسول الله زهوه فقال لك مه إنه ليس بذي زهو أما إنك ستقاتله و أنت له ظالم فاسترجع الزبير و قال لقد كان ذلك و لكن الدهر أنسانيه و لأنصرفن عنك فرجع فأعتق عبده سرجس تحللا من يمين لزمته في القتال ثم أتى عائشة فقال لها إني ما وقفت موقفا قط و لا شهدت حربا إلا و لي فيه رأي و بصيرة إلا هذه الحرب و إني لعلى شك من أمري و ما أكاد أبصر موضع قدمي فقالت له يا أبا عبد الله أظنك فرقت سيوف ابن أبي طالب إنها و الله سيوف حداد معدة للجلاد تحملها فئة أنجاد و لئن فرقتها لقد فرقها الرجال قبلك قال كلا و لكنه ما قلت لك ثم انصرف. و روى فروة بن الحارث التميمي قال كنت فيمن اعتزل عن الحرب بوادي السباع مع الأحنف بن قيس و خرج ابن عم لي يقال له الجون مع عسكر البصرة فنهيته شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 168فقال لا أرغب بنفسي عن نصرة أم المؤمنين و حواري رسول الله فخرج معهم و إني لجالس مع الأحنف يستنبئ الأخبار إذا بالجون بن قتادة ن عمي مقبلا فقمت إليه و اعتنقته و سألته عن الخبر فقال أخبرك العجب خرجت و أنا لا أريد أن أبرح الحرب حتى يحكم الله بين الفريقين فبينا أنا واقف مع الزبير إذ جاءه رجل فقال أبشر أيها الأمير فإن عليا لما رأى ما أعد الله له من هذا الجمع نكص على عقبيه و تفرق عنه أصحابه و أتاه آخر فقال له مثل ذلك فقال الزبير ويحكم أبو حسن يرجع و(3/149)
الله لو لم يجد إلا العرفج لدب إلينا فيه ثم أقبل رجل آخر فقال أيها الأمير إن نفرا من أصحاب علي فارقوه ليدخلوا معنا منهم عمار بن ياسر فقال الزبير كلا و رب الكعبة إن عمارا لا يفارقه أبدا فقال الرجل بلى و الله مرارا فلما رأى الزبير أن الرجل ليس براجع عن قوله بعث معه رجلا آخر و قال اذهبا فانظرا فعادا و قالا إن عمارا قد أتاك رسولا من عند صاحبه قال جون فسمعت و الله الزبير يقول وا انقطاع ظهراه وا جدع أنفاه وا سواد وجهاه و يكرر ذلك مرارا ثم أخذته رعدة شديدة فقلت و الله إن الزبير ليس بجبان و إنه لمن فرسان قريش المذكورين و إن لهذا الكلام لشأنا و لا أريد أن أشهد مشهدا يقول أميره هذه المقالة فرجعت إليكم فلم يكن إلا قليل حتى مر الزبير بنا متاركا للقوم فاتبعه عمير بن جرموز فقتله. أكثر الروايات على أن ابن جرموز قتل مع أصحاب النهر و جاء في بعضها أنه عاش إلى أيام ولاية مصعب بن الزبير العراق و أنه لما قدم مصعب البصرة خافه ابن جرموز فهرب فقال مصعب ليظهر سالما و ليأخذ عطاءه موفورا أ يظن أني أقتله بأبي عبد الله و أجعله فداء له فكان هذا من الكبر المستحسن. شرح نهج الاغة ج : 2 ص : 169كان ابن جرموز يدعو لدنياه فقيل له هلا دعوت لآخرتك فقال أيست من الجنة. الزبير أول من شهر سيفه في سبيل الله قيل له في أول الدعوة قد قتل رسول الله فخرج و هو غلام يسعى بسيفه مشهورا. و روى الزبير بن بكار في الموفقيات قال لما سار علي ع إلى البصرة بعث ابن عباس فقال ائت الزبير فاقرأ عليه السلام و قل له يا أبا عبد الله كيف عرفتنا بالمدينة و أنكرتنا بالبصرة فقال ابن عباس أ فلا آتي طلحة قال لا إذا تجده عاقصا قرنه في حزن يقول هذا سهل. قال فأتيت الزبير فوجدته في بيت يتروح في يوم حار و عبد الله ابنه عنده فقال مرحبا بك يا ابن لبابة أ جئت زائرا أم سفيرا قلت كلا إن ابن خالك يقرأ عليك السلام و يقول لك يا أبا عبد الله كيف عرفتنا(3/150)