شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 157فأدخلوا إليه رجلا من قريش فقال له إن رسول الله ص استغفر لك يوم كذا فلن تقارف دما حراما فرجع عنه. فدخل عليه محمد بن أبي بكر فقال له عثمان ويحك أ على الله تغضب هل لي إليك جرم إلا أني أخذت حق الله منك فأخذ محمد بلحيته و قال أخز الله يا نعثل قال لست بنعثل لكني عثمان و أمير المؤمنين فقال ما أغنى عنك معاوية و فلان و فلان فقال عثمان يا ابن أخي دعها من يدك فما كان أبوك ليقبض عليها فقال لو عملت ما عملت في حياة أبي لقبض عليها و الذي أريد بك أشد من قبضي عليها فقال أستنصر الله عليك و أستعين به فتركه و خرج. و قيل بل طعن جبينه بمشقص كان في يده فثار سودان بن حمران و أبو حرب الغافقي و قتيرة بن وهب السكسكي فضربه الغافقي بعمود كان في يده و ضرب المصحف برجله و كان في حجره فنزل بين يديه و سال عليه الدم و جاء سودان ليضربه بالسيف فأكبت عليه امرأته نائلة بنت الفرافصة الكلبية و اتقت السيف بيدها و هي تصرخ فنفح أصابعها فأطنها فولت فغمز بعضهم أوراكها و قال إنها لكبيرة العجز و ضرب سودان عثمان فقتله. و قيل بل قتله كنانة بن بشر التجيبي و قيل بل قتيرة بن وهب و دخل غلمان عثمان و مواليه فضرب أحدهم عنق سودان فقتله فوثب قتيرة بن وهب على ذلك الغلام شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 158فقتله فوثب غلام آخر على قتيرة فقتله و نهبت دار عثمان و أخذ ما على نسائه و ما كان في بيت المال و كان فيه غرارتان دراهم و وثب عمرو بن الحمق على صدر عثمان و به رمق فطعنه تسع طعنات و قال أما ثل منها فإني طعنتهن لله تعالى و أما ست منها فلما كان في صدري عليه و أرادوا قطع رأسه فوقعت عليه زوجتاه نائلة بنت الفرافصة و أم البنين ابنة عيينة بن حصن الفزاري فصحن و ضربن الوجوه فقال ابن عديس اتركوه و أقبل عمير بن ضابئ البرجمي فوثب عليه فكسر ضلعين من أضلاعه و قال له سجنت أبي حتى مات في السجن و كان قتله يوم الثامن عشر من ذي(3/141)
الحجة من سنة خمسين و ثلاثين و قيل بل في أيام التشريق و كان عمره ستا و ثمانين سنة. قال أبو جعفر و بقي عثمان ثلاثة أيام لا يدفن ثم إن حكيم بن حزام و جبير بن مطعم كلما عليا ع في أن يأذن في دفنه ففعل فلما سمع الناس بذلك قعد له قوم في الطريق بالحجارة و خرج به ناس يسير من أهله و معهم الحسن بن علي و ابن الزبير و أبو جهم بن حذيفة بين المغرب و العشاء فأتوا به حائطا من حيطان المدينة يعرف بحش كوكب و هو خارج البقيع فصلوا عليه و جاء ناس من الأنصار ليمنعوا من الصلاة عليه فأرسل علي ع فمنع من رجم سريره و كف الذين راموا منع الصلاة عليه و دفن في حش كوكب فلما ظهر معاوية على الأمر أمر بذلك الحائط فهدم و أدخل في البقيع و أمر الناس أن يدفنوا موتاهم حول قبره حتى اتصل بمقابر المسلمين بالبقيع. و قيل إن عثمان لم يغسل و إنه كفن في ثيابه التي قتل فيها.(3/142)
شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 159قال أبو جعفر و روي عن عامر الشعبي أنه قال ما قتل عمر بن الخطاب حتى ملته قريش و استطالت خلافته و قد كان يعلم فتنتهم فحصرهم في المدينة و قال لهم إن أخوف ما أخاف على هذه الأمة انتشاركم في البلاد و إن كان الرجل ليستأذنه في الغزويقول إن لك في غزوك مع رسول الله ص ما يكفيك و هو خير لك من غزوك اليوم و خير لك من الغزو ألا ترى الدنيا و لا تراك فكان يفعل هذا بالمهاجرين من قريش و لم يكن يفعله بغيرهم من أهل مكة فلما ولي عثمان الخلافة خلى عنهم فانتشروا في البلاد و خالطهم الناس و أفضى الأمر إلى ما أفضى إليه و كان عثمان أحب إلى الرعية من عمر. قال أبو جعفر و كان أول منكر ظهر بالمدينة في خلافة عثمان حين فاضت الدنيا على العرب و المسلمين طيران الحمام و المسابقة بها و الرمي عن الجلاهقات و هي قسي البندق فاستعمل عثمان عليها رجلا من بني ليث في سنة ثمان من خلافته فقص الطيور و كسر الجلاهقات. و روى أبو جعفر قال سأل رجل سعيد بن المسيب عن محمد بن أبي حذيفة ما دعاه إلى الخروج على عثمان فقال كان يتيما في حجر عثمان و كان والى أيتام أهل بيته و محتمل كلهم فسأل عثمان العمل فقال يا بني لو كنت رضا لاستعملتك قال فأذن لي فأخرج فأطلب الرزق قال اذهب حيث شئت و جهزه من عنده و حمله و أعطاه فلما وقع إلى مصر كان فيمن أعان عليه لأنه منعه الإمارة فقيل له فعمار بن ياسر قال شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 160كان بينه و بين العباس بن عتبة بن أبي لهب كلام فضربهما عثمان فأورث ذلك تعاد بين عمار و عثمان و قد كان تقاذفا قبل ذلك. قال أبو جعفر و سئل سالم بن عبد الله عن محمد بن أبي بكر ما دعاه إلى ركوب عثمان فقال لزمه حق فأخذ عثمان من ظهره فغضب و غره أقوام فطمع لأنه كان من الإسلام بمكان و كانت له دالة فصار مذمما بعد أن كان محمدا و كان كعب بن ذي الحبكة النهدي يلعب بالنيرنجات بالكوفة فكتب عثمان إلى الوليد أن(3/143)
يوجعه ضربا فضربه و سيره إلى دنباوند. و كان ممن خرج إليه و سار إليه و حبس ضابئ بن الحارث البرجمي لأنه هجا قوما فنسبهم إلى أن كلبهم يأتي أمهم فقال لهم
فأمكم لا تتركوها و كلبكم فإن عقوق الوالدين كبير
شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 161فاستعدوا عليه عثمان فحبسه فمات في السجن فلذلك حقد ابنه عمير عليه و كسر أضلاعه بعد قتله. قال أبو جعفر و كان لعثمان على طلحة بن عبيد الله خمسون ألفا فقال طلحة له يوما قد تهيأ مالك فاقبضه فقال هو لك معونة على مروءتك فلما حصر عثن قال علي ع لطلحة أنشدك الله إلا كففت عن عثمان فقال لا و الله حتى تعطي بنو أمية الحق من أنفسها فكان علي ع يقول لحا الله ابن الصعبة أعطاه عثمان ما أعطاه و فعل به ما فعل
شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 31162- و من كلام له ع لما أنفذ عبد الله بن عباس إلى الزبير قبل وقوع الحرب يوم الجمل ليستفيئه إلى طاعتهلَا تَلْقَيَنَّ طَلْحَةَ فَإِنَّكَ إِنْ تَلْقَهُ تَجِدْهُ كَالثَّوْرِ عَاقِصاً قَرْنَهُ يَرْكَبُ الصَّعْبَ وَ يَقُولُ هُوَ الذَّلُولُ وَ لَكِنِ الْقَ الزُّبَيْرَ فَإِنَّهُ أَلْيَنُ عَرِيكَةً فَقُلْ لَهُ يَقُولُ لَكَ ابْنُ خَالِكَ عَرَفْتَنِي بِالْحِجَازِ وَ أَنْكَرْتَنِي بِالْعِرَاقِ فَمَا عَدَا مِمَّا بَدَا
قال الرضي رحمه الله و هو ع أول من سمعت منه هذه الكلمة أعني فما عدا مما بدا(3/144)
ليستفيئه إلى طاعته أي يسترجعه فاء أي رجع و منه سمي الفي ء للظل بعد الزوال و جاء في رواية فإنك إن تلقه تلفه أي تجده ألفيته على كذا أي وجدته. و عاقصا قرنه أي قد عطفه تيس أعقص أي قد التوى قرناه على أذنيه و الفعل فيه عقص الثور قرنه بالفتح و قال القطب الراونديعقص بالكسر و ليس بصحيح و إنما يقال عقص الرجل بالكسر إذا شح و ساء خلقه فهو عقص. و قوله يركب الصعب أي يستهين بالمستصعب من الأمور يصفه بشراسة شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 163الخلق و البأو و كذلك كان طلحة و قد وصفه عمر بذلك و يقال إن طلحة أحدث يوم أحد عنده كبراديدا لم يكن و ذاك لأنه أغنى في ذلك اليوم و أبلى بلاء حسنا. و العريكة هاهنا الطبيعة يقال فلان لين العريكة إذا كان سلسا. و قال الراوندي العريكة بقية السنام و لقد صدق و لكن ليس هذا موضع ذاك. و قوله ع لابن عباس قل له يقول لك ابن خالك لطيف جدا و هو من باب الاستمالة و الإذكار بالنسب و الرحم أ لا ترى أن له في القلب من الموقع الداعي إلى الانقياد ما ليس لقوله يقول لك أمير المؤمنين و من هذا الباب قوله تعالى في ذكر موسى و هارون وَ أَلْقَى الْأَلْواحَ وَ أَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَ كادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ لما رأى هارون غضب موسى و احتدامه شرع معه في الاستمالة و الملاطفة فقال له ابْنَ أُمَّ و أذكره حق الأخوة و ذلك أدعى إلى عطفه عليه من أن يقول له يا موسى أو يا أيها النبي. فأما قوله فما عدا مما بدا فعدا بمعنى صرف قال الشاعر
و إني عداني أن أزورك محكم متى ما أحرك فيه ساقي يصخب(3/145)