بذي خشب من المصريين فأعلموهم الحال فقدموا المدينة و تكاثر الناس عليه و طلبوا منه عزل عماله و رد مظالمهم فكان جوابه لهم أني إن كنت أستعمل من تريدون لا من أريد فلست إذن في شي ء من الخلافة و الأمر أمركم فقالوا و الله لتفعلن أو لتخلعن أو لنقتلنك فأبى عليهم و قال لا أنزع سربالا سربلني الله فحصروه و ضيقوا الحصار عليه. و روى أبو جعفر لما اشتد على عثمان الحصار أشرف على الناس فقال يا أهل المدينة أستودعكم الله و أسأله أن يحسن عليكم الخلافة من بعدي ثم قال أنشدكم الله هل تعلمون أنكم دعوتم الله عند مصاب عمر أن يختار لكم و يجمعكم على خيركم أ فتقولون إن الله لم يستجب لكم و هنتم عليه و أنتم أهل حقه و أنصار نبيه أم تقولون هان على الله(3/136)


شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 153دينه فلم يبال من ولى و الدين لم يتفرق أهله بعد أم تقولون لم يكن أخذ عن مشورة إنما كان مكابرة فوكل الله الأمة إذ عصته و لم يتشاوروا في الإمامة إلى أنفسها أم تقولون إن الله لم يعلم عاقبة أمري فمهلا مهلا لا تقتلوني و إنه لا يحللا قتل ثلاثة زان بعد إحصان أو كافر بعد إيمان أو قاتل نفس بغير حق أما إنكم إن قتلتموني وضعتم السيف على رقابكم ثم لا يرفعه الله عنكم أبدا فقالوا أما ما ذكرت من استخارة الناس بعد عمر فإن كل ما يصنعه الله الخيرة و لكن الله جعلك بلية ابتلى بها عباده و لقد كانت لك قدم و سابقة و كنت أهلا للولاية و لكن أحدثت ما تعلمه و لا نترك اليوم إقامة الحق عليك مخافة الفتنة عاما قابلا و أما قولك لا يحل دم إلا بإحدى ثلاث فإنا نجد في كتاب الله إباحة دم غير الثلاثة دم من سعى في الأرض بالفساد و دم من بغى ثم قاتل على بغيه و دم من حال دون شي ء من الحق و منعه و قاتل دونه و قد بغيت و منعت الحق و حلت دونه و كابرت عليه و لم تقد من نفسك من ظلمته و لا من عمالك و قد تمسكت بالإمارة علينا و الذين يقومون دونك و يمنعونك إنما يمنعونك و يقاتلوننا لتسميتك بالإمارة فلو خلعت نفسك لانصرفوا عن القتال عك. فسكت عثمان و لزم الدار و أمر أهل المدينة بالرجوع و أقسم عليهم فرجعوا إلا الحسن بن علي و محمد بن طلحة و عبد الله بن الزبير و أشباها لهم و كانت مدة الحصار أربعين يوما. قال أبو جعفر ثم إن محاصري عثمان أشفقوا من وصول أجناد من الشام و البصرة تمنعه فحالوا بين عثمان و بين الناس و منعوه كل شي ء حتى الماء فأرسل عثمان سرا إلى علي ع و إلى أزواج النبي ص أنهم قد منعونا الماء فإن قدرتم أن شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 154ترسلوا إلينا ماء فافعلوا فجاء علي ع في الغلس و أم حبيبة بنت أبي سفيان فوقف علي ع على الناس فوعظهم ال أيها الناس إن الذي تفعلون لا يشبه أمر المؤمنين و لا أمر الكافرين(3/137)


إن فارس و الروم لتأسر فتطعم و تسقي فالله الله لا تقطعوا الماء عن الرجل فأغلظوا له و قالوا لا نعم و لا نعمة عين فلما رأى منهم الجد نزع عمامته عن رأسه و رمى بها إلى دار عثمان يعلمه أنه قد نهض و عاد. و أما أم حبيبة و كانت مشتملة على إداوة فضربوا وجه بغلتها فقالت إن وصايا أيتام بني أمية عند هذا الرجل فأحببت أن أسأله عنها لئلا تهلك أموال اليتامى فشتموها و قالوا أنت كاذبة و قطعوا حبل البغلة بالسيف فنفرت و كادت تسقط عنها فتلقاها الناس فحملوها إلى منزلها. و روى أبو جعفر قال أشرف عثمان عليهم يوما فقال أنشدكم الله هل تعلمون أني اشتريت بئر رومة بمالي أستعذب بها و جعلت رشائي فيها كرجل من المسلمين قالوا نعم قال فلم تمنعونني أن أشرب منها حتى أفطر على ماء البحر ثم قال أنشدكم الله هل تعلمون أني اشتريت أرض كذا فزدتها في المسجد قالوا نعم قال فهل علمتم أن أحدا منع أن يصلي فيه قبلي.(3/138)


شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 155و روى أبو جعفر عن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي قال دخلت على عثمان فأخذ بيدي فأسمعني كلام من على بابه من الناس فمنهم من يقول ما تنتظرون به و منهم من يقول لا تعجلوا فعساه ينزع و يراجع فبينا نحن إذ مر طلحة فقام إليه ا عديس البلوي فناجاه ثم رجع ابن عديس فقال لأصحابه لا تتركوا أحدا يدخل إلى عثمان و لا يخرج من عنده قال لي عثمان هذا ما أمر به طلحة اللهم اكفني طلحة فإنه حمل هؤلاء القوم و ألبهم علي و الله إني لأرجو أن يكون منها صفرا و أن يسفك دمه قال فأردت أن أخرج فمنعوني حتى أمرهم محمد بن أبي بكر فتركوني أخرج. قال أبو جعفر فلما طال الأمر و علم المصريون قد أجرموا إليه جرما كجرم القتل و أنه لا فرق بين قتله و بين ما أتوا إليه و خافوا على نفوسهم من تركه حيا راموا الدخول عليه من باب داره فأغلقوا الباب و مانعهم الحسن بن علي و عبد الله بن الزبير و محمد بن طلحة و مروان و سعيد بن العاص و جماعة معهم من أبناء الأنصار فزجرهم عثمان و قال أنتم في حل من نصرتي فأبوا و لم يرجعوا. و قام رجل من أسلم يقال له نيار بن عياض و كان من الصحابة فنادى عثمان و أمره أن يخلع نفسه فبينا هو يناشده و يسومه خلع نفسه رماه كثير بن الصلت الكندي و كان من أصحاب عثمان من أهل الدار بسهم فقتله فصاح المصريون و غيرهم عند ذلك ادفعوا إلينا قاتل ابن عياض لنقتله به فقال عثمان لم أكن لأدفع إليكم رجلا نصرني و أنتم تريدون قتلي فثاروا إلى الباب فأغلق دونهم فجاءوا بنار فأحرقوه و أحرقوا السقيفة التي عليه فقال لمن عنده من أنصاره إن رسول الله ص عهد شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 156إلي عهدا فأنا صابر عليه فأخرج على رجل يقاتل دوني ثم قال للحسن إن أباك الآن لفي أمر عظيم من أجلك فاخرج إليه أقسمت عليك لما خرجت إليه فلم يفعل و وقف محاميا عنه خرج مروان بسيفه يجالد الناس فضربه رجل من بني ليث على رقبته فأثبته(3/139)


و قطع إحدى علباويه فعاش مروان بعد ذلك أوقص و قام إليه عبيد بن رفاعة الزرقي ليذفف عليه فقامت دونه فاطمة أم إبراهيم بن عدي و كانت أرضعت مروان و أرضعت له فقالت له إن كنت تريد قتله فقد قتل و إن كنت إنما تريد أن تتلعب بلحمه فأقبح بذلك فتركه فخلصته و أدخلته بيتها فعرف لها بنو ذلك بعد و استعملوا ابنها إبراهيم و كان له منهم خاصة. و قتل المغيرة بن الأخنس بن شريق و هو يحامي عن عثمان بالسيف و اقتحم القوم الدار و دخل كثير منهم الدور المجاورة لها و تسوروا من دار عمرو بن حزم إليها حتى ملئوها و غلب الناس على عثمان و ندبوا رجلا لقتله فدخل إليه البيت فقال له اخلعها و ندعك فقال ويحك و الله ما كشفت عن امرأة في جاهلية و لا إسلام و لا تعينت و لا تمنيت و لا وضعت يميني على عورتي مذ بايعت رسول الله و لست بخالع قميصا كسانيه الله حتى يكرم أهل السعادة و يهين أهل الشقاوة. فخرج عنه فقالوا له ما صنعت قال إني لم أستحل قتله فأدخلوا إليه رجلا من الصحابة فقال له لست بصاحبي إن النبي ص دعا لك أن يحفظك يوم كذا و لن تضيع فرجع عنه.(3/140)

87 / 150
ع
En
A+
A-