يشاء بعد كبر السن و صحبته الرسول ص و قام مغضبا من فوره حتى دخل على عثمان فقال له أ ما يرضى مروان منك إلا أن يحرفك عن دينك و عقلك فأنت معه كجمل الظعينة يقاد حيث يسار به و الله ما مروان بذي رأي في دينه و لا عقله و إني لأراه يوردك ثم لا يصدرك و ما أنا عائد بعد مقامي هذا لمعاتبتك أفسدت شرفك و غلبت على رأيك ثم نهض. فدخلت نائلة بنت الفرافصة فقالت قد سمعت قول علي لك و إنه ليس براجع إليك و لا معاود لك و قد أطعت مروان يقودك حيث يشاء قال فما أصنع قالت تتقي الله و تتبع سنة صاحبيك فإنك متى أطعت مروان قتلك و ليس لمروان عند الناس قدر و لا هيبة و لا محبة و إنما تركك الناس لمكانه و إنما رجع عنك أهل مصر لقول علي فأرسل إليه فاستصلحه فإن له عند الناس قدما و إنه لا يعصى. فأرسل إلى علي فلم يأته و قال قد أعلمته أني غير عائد. قال أبو جعفر فجاء عثمان إلى علي بمنزله ليلا فاعتذر إليه و وعد من نفسه الجميل و قال إني فاعل و إني غير فاعل فقال له علي ع أ بعد ما تكلمت على منبر رسول الله ص و أعطيت من نفسك ثم دخلت بيتك و خرج مروان(3/131)


شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 148إلى الناس يشتمهم على بابك فخرج عثمان من عنده و هو يقول خذلتني يا أبا الحسن و جرأت الناس علي فقال علي ع و الله إني لأكثر الناس ذبا عنك و لكني كلما جئت بشي ء أظنه لك رضا جاء مروان بغيره فسمعت قوله و تركت قولي. و لم يغد علي إلصر عثمان إلى أن منع الماء لما اشتد الحصار عليه فغضب علي من ذلك غضبا شديدا و قال لطلحة أدخلوا عليه الروايا فكره طلحة ذلك و ساءه فلم يزل علي ع حتى أدخل الماء إليه. و روى أبو جعفر أيضا أن عليا ع كان في ماله بخيبر لما حصر عثمان فقدم المدينة و الناس مجتمعون على طلحة و كان لطلحة في حصار عثمان أثر فلما قدم علي ع أتاه عثمان و قال له أما بعد فإن لي حق الإسلام و حق الإخاء و القرابة و الصهر و لو لم يكن من ذلك شي ء و كنا في جاهلية لكان عارا على بني عبد مناف أن يبتز بنو تيم أمرهم يعني طلحة فقال له علي أنا أكفيك فاذهب أت. ثم خرج إلى المسجد فرأى أسامة بن زيد فتوكأ على يده حتى دخل دار طلحة و هي مملوءة من الناس فقال له يا طلحة ما هذا الأمر الذي صنعت بعثمان فقال يا أبا حسن أ بعد أن مس الحزام الطبيين فانصرف علي ع حتى أتى بيت المال فقال افتحوه فلم يجدوا المفاتيح فكسر الباب و فرق ما فيه على الناس فانصرف الناس من عند طلحة حتى بقي وحده و سر عثمان بذلك و جاء طلحة فدخل على عثمان فقال يا أمير المؤمنين إني أردت أمرا فحال الله بيني و بينه و قد جئتك تائبا فقال و الله ما جئت و لكن جئت مغلوبا الله حسيبك يا طلحة. شرح نهج البلاغة ج : 2 ص 149قال أبو جعفر كان عثمان مستضعفا طمع فيه الناس و أعان على نفسه بأفعاله و باستيلاء بني أمية عليه و كان ابتداء الجرأة عليه أن إبلا من إبل الصدقة قدم بها عليه فوهبها لبعض ولد الحكم بن أبي العاص فبلغ ذلك عبد الرحمن بن عوف فأخذها و قسمها بين الناس و عثمان في داره فكان ذلك أول وهن دخل على خلافة عثمان. و قيل بل كان أول وهن دخل(3/132)


عليه أن عثمان مر بجبلة بن عمرو الساعدي و هو في نادي قومه و في يده جامعة فسلم فرد القوم عليه فقال جبلة لم تردون على رجل فعل كذا و فعل كذا ثم قال لعثمان و الله لأطرحن هذا الجامعة في عنقك أو لتتركن بطانتك هذه الخبيثة مروان و ابن عامر و ابن أبي سرح فمنهم من نزل القرآن بذمه و منهم من أباح رسول الله ص دمه. و قيل إنه خطب يوما و بيده عصا كان رسول الله ص و أبو بكر و عمر يخطبون عليها فأخذها جهجاه الغفاري من يده و كسرها على ركبته فلما تكاثرت أحداثه و تكاثر طمع الناس فيه كتب جمع من أهل المدينة من الصحابة و غيرهم إلى من بالآفاق إن كنتم تريدون الجهاد فهلموا إلينا فإن دين محمد قد أفسده خليفتكم فاخلعوه فاختلفت عليه القلوب و جاء المصريون و غيرهم إلى المدينة حتى حدث ما حدث. و روى الواقدي و المدائني و ابن الكلبي و غيرهم و ذكره أبو جعفر في التاريخ و ذكره غيره من جميع المورخين أن عليا ع لما رد المصريين رجعوا بعد ثلاثة أيام فأخرجوا صحيفة في أنبوبة رصاص و قالوا وجدنا غلام عثمان بالموضع المعروف(3/133)


شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 150بالبويب على بعير من إبل الصدقة ففتشنا متاعه لأنا استربنا أمره فوجدنا فيه هذه الصحيفة مضمونها أمر عبد الله بن سعد بن أبي سرح بجلد عبد الرحمن بن عديس و عمرو بن الحمق و حلق رءوسهما و لحاهما و حبسهما و صلب قوم آخرين من أهل مصر. قيل إن الذي أخذت منه الصحيفة أبو الأعور السلمي و إنهم لما رأوه و سألوه عن مسيره و هل معه كتاب فقال لا فسألوه في أي شي ء هو فتغير كلامه فأخذوه و فتشوه و أخذوا الكتاب منه و عادوا إلى المدينة و جاء الناس إلى علي ع و سألوه أن يدخل إلى عثمان فيسأله عن هذه الحا فقام فجاء إليه فسأله فأقسم بالله ما كتبته و لا علمته و لا أمرت به فقال محمد بن مسلمة صدق هذا من عمل مروان فقال لا أدري و كان أهل مصر حضورا فقالوا أ فيجترأ عليك و يبعث غلامك على جمل من إبل الصدقة و ينقش على خاتمك و يبعث إلى عاملك بهذه الأمور العظيمة و أنت لا تدري قال نعم قالوا إنك إما صادق أو كاذب فإن كنت كاذبا فقد استحققت الخلع لما أمرت به من قتلنا و عقوبتنا بغير حق و إن كنت صادقا فقد استحققت الخلع لضعفك عن هذا الأمر و غفلتك و خبث بطانتك و لا ينبغي لنا أن نترك هذا الأمر بيد من تقطع الأمور دونه لضعفه و غفلته فاخلع نفسك منه فقال لا أنزع قميصا ألبسنيه الله و لكني أتوب و أنزع قالوا لو كان هذا أول ذنب تبت منه لقبلنا و لكنا رأيناك تتوب ثم تعود و لسنا بمنصرفين حتى نخلعك أو نقتلك أو تلحق أرواحنا بالله و إن منعك أصحابك و أهلك قاتلناهم حتى نخلص إليك فقال أما أن أبرأ من خلافة الله فالقتل أحب إلي من ذلك و أما قتالكم من يمنع عني فإني لا آمر أحدا بقتالكم فمن قاتلكم فبغير أمري قاتل و لو أردت قتالكم لكتبت إلى الأجناد فقدموا شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 151علي أو لحقت ببعض الأطراف و كثرت الأصوات و اللغط فقام علي فأخرج أهل مصر معه و خرج إلى منزله قال أبو جعفر و كتب عثمان إلى معاوية و ابن(3/134)


عامر و أمراء الأجناد يستنجدهم و يأمر بالعجل و البدار و إرسال الجنود إليه فتربص به معاوية فق في أهل الشام يزيد بن أسد القسري جد خالد بن عبد الله بن يزيد أمير العراق فتبعه خلق كثير فسار بهم إلى عثمان فلما كانوا بوادي القرى بلغهم قتل عثمان فرجعوا. و قيل بل أشخص معاوية من الشام حبيب بن مسلمة الفهري و سار من البصرة مجاشع بن مسعود السلمي فلما وصلوا الربذة و نزلت مقدمتهم الموضع المسمى صرارا بناحية المدينة أتاهم قتل عثمان فرجعوا و كان عثمان قد استشار نصحاءه في أمره فأشاروا أن يرسل إلى علي ع يطلب إليه أن يرد الناس و يعطيهم ما يرضيهم ليطاولهم حتى تأتيه الأمداد فقال إنهم لا يقبلون التعليل و قد كان مني في المرة الأولى ما كان فقال مروان أعطهم ما سألوك و طاولهم ما طاولوك فإنهم قوم قد بغوا عليك و لا عهد لهم. فدعا عليا ع و قال له قد ترى ما كان من الناس و لست آمنهم على دمي فارددهم عني فإني أعطيهم ما يريدون من الحق من نفسي و من غيري. فقال علي إن الناس إلى عدلك أحوج منهم إلى قتلك و إنهم لا يرضون إلا شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 152بالرضا و قد كنت أعطيتهم من قبل عهدا فلم تف به فلا تغرر في هذه المرة فإني معطيهم عنك الحق قال أعطهم فو الله لأفين لهم. فخرج علي ع إلى الناس فقال إنكم إنما تطلبون الحق و قد أعطيتموه و إنه منصف من نفسه فسأله الناس أن يستوثق لهم و قالوا إنا لا نرضى بقول دون فعل فدخل عليه فأعلمه فقال اضرب بيني و بين الناس أجلا فإني لا أقدر على تبديل ما كرهوا في يوم واحد فقال علي ع أما ما كان بالمدينة فلا أجل فيه و أما ما غاب فأجله وصول أمرك قال نعم فأجلني فيما بالمدينة ثلاثة أيام فأجابه إلى ذلك و كتب بينه و بين الناس كتابا على رد كل مظلمة و عزل كل عامل كرهوه فكف الناس عنه و جعل يتأهب سرا للقتال و يستعد بالسلاح و اتخذ جندا فلما مضت الأيام الثلاثة و لم يغير شيئا ثار به الناس و خرج قوم إلى من(3/135)

86 / 150
ع
En
A+
A-