شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 142و قام بالشام و مصر جماعة من الصحابة و التابعين. و خرج عثمان يوم الجمعة فصلى بالناس و قام على المنبر فقال يا هؤلاء الله الله فو الله إن أهل المدينة يعلمون أنكم ملعونون على لسان محمد ص فامحوا الخطأ بالصواب. فقام محمد بن مسلمة أنصاري فقال نعم أنا أعلم ذلك فأقعده حكيم بن جبلة و قام زيد بن ثابت فأقعده قتيرة بن وهب و ثار القوم فحصبوا الناس حتى أخرجوهم من المسجد و حصبوا عثمان حتى صرع عن المنبر مغشيا عليه فأدخل داره و استقتل نفر من أهل المدينة مع عثمان منهم سعد بن أبي وقاص و الحسن بن علي ع و زيد بن ثابت و أبو هريرة فأرسل إليهم عثمان عزمت عليكم أن تنصرفوا فانصرفوا. و أقبل علي و طلحة و الزبير فدخلوا على عثمان يعودونه من صرعته و يشكون إليه ما يجدون لأجله و عند عثمان نفر من بني أمية منهم مروان بن الحكم فقالوا لعلي ع أهلكتنا و صنعت هذا الذي صنعت و الله إن بلغت هذا الأمر الذي تريده لنمرن عليك الدنيا فقام مغضبا و خرج الجماعة الذين حضروا معه إلى منازلهم. و روى الواقدي قال صلى عثمان بعد ما وثبوا به في المسجد شهرا كاملا ثم منعوه الصلاة و صلى بالناس أميرهم الغافقي. و روى المدائني قال كان عثمان محصورا محاطا به و هو يصلي بالناس في المسجد و أهل مصر و الكوفة و البصرة الحاضرون له يصلون خلفه و هم أدق في عينه من التراب. شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 143قال أبو جعفر في التاريخ ثم إن أهل المدينة تفرقوا عنه و لزموا بيوتهم لا يخرج أحد منهم إلا بسيفه يمتنع به فن حصاره أربعين يوما. و روى الكلبي و الواقدي و المدائني أن محمد بن أبي بكر و محمد بن أبي حذيفة كانا بمصر يحرضان الناس على عثمان فسار محمد بن أبي بكر مع من سار إلى عثمان و أقام محمد بن أبي حذيفة بمصر ثم غلب عليها لما سار عبد الله بن سعد بن أبي سرح عامل عثمان عنها إلى المدينة في أثر المصريين بإذن عثمان له فلما كان بأيلة بلغه(3/126)


أن المصريين قد أحاطوا بعثمان و أنه مقتول و أن محمد بن أبي حذيفة قد غلب على مصر فعاد عبد الله إلى مصر فمنع عنها فأتى فلسطين فأقام بها حتى قتل عثمان. و روى الكلبي قال بعث عبد الله بن سعد بن أبي سرح رسولا من مصر إلى عثمان يخبره بنهوض من نهض من مصر إليه و أنهم قد أظهروا العمرة و قصدهم خلعه أو قتله فخطب عثمان الناس و أعلمهم حالهم و قال إنهم قد أسرعوا إلى الفتنة و استطالوا عمري و الله إن فارقتهم ليتمنين كل منهم أن عمري كان طال عليهم مكان كل يوم سنة مما يرون من الدماء المسفوكة و الإحن و الأثرة الظاهرة و الأحكام المغيرة. و روى أبو جعفر قال كان عمرو بن العاص ممن يحرض على عثمان و يغري به و لقد خطب عثمان يوما في أواخر خلافته فصاح به عمرو بن العاص اتق الله يا عثمان فإنك قد ركبت أمورا و ركبناها معك فتب إلى الله نتب فناداه عثمان و إنك هاهنا يا ابن النابغة قملت و الله جبتك منذ نزعتك عن العمل فنودي من ناحية أخرى تب إلى الله و نودي من أخرى مثل ذلك فرفع يديه إلى السماء و قال اللهم إني أول التائبين ثم نزل.(3/127)


شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 144و روى أبو جعفر قال كان عمرو بن العاص شديد التحريض و التأليب على عثمان و كان يقول و الله إن كنت لألقى الراعي فأحرضه على عثمان فضلا عن الرؤساء و الوجوه فلما سعر الشر بالمدينة خرج إلى منزله بفلسطين فبينا هو بقصره و معه ابناه عبالله و محمد و عندهم سلامة بن روح الجذامي إذ مر بهم راكب من المدينة فسألوه عن عثمان فقال محصور فقال عمرو أنا أبو عبد الله قد يضرط العير و المكواة في النار ثم مر بهم راكب آخر فسألوه فقال قتل عثمان فقال عمرو أنا أبو عبد الله إذا نكأت قرحة أدميتها فقال سلامة بن روح يا معشر قريش إنما كان بينكم و بين العرب باب فكسرتموه فقال نعم أردنا أن يخرج الحق من خاصرة الباطل ليكون الناس في الأمر شرعا سواء. و روى أبو جعفر قال لما نزل القوم ذا خشب يريدون قتل عثمان إن لم ينزع عما يكرهون و علم عثمان ذلك جاء إلى منزل علي ع فدخل و قال يا ابن عم إن قرابتي قريبة و لي عليك حق و قد جاء ما ترى من هؤلاء القوم و هم مصبحي و لك عند الناس قدر و هم يسمعون منك و أحب أن تركب إليهم فتردهم عني فإن في دخولهم علي وهنا لأمري و جرأة علي فقال ع على أي شي ء أردهم قال على أن أصير إلى ما أشرت به و رأيته ي فقال علي ع إني قد كلمتك مرة بعد أخرى فكل ذلك تخرج و تقول و تعد ثم ترجع و هذا من فعل مروان و معاوية و ابن عامر و عبد الله بن سعد فإنك أطعتهم و عصيتني قال عثمان فإني أعصيهم و أطيعك. فأمر علي ع الناس أن يركبوا معه فركب ثلاثون رجلا من المهاجرين شرح نهج البغة ج : 2 ص : 145و الأنصار منهم سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل و أبو جهم العدوي و جبير بن مطعم و حكيم بن حزام و مروان بن الحكم و سعيد بن العاص و عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد. و من الأنصار أبو أسيد الساعدي و زيد بن ثابت و حسان بن ثابت و كعب بن مالك و غيرهم فأتوا المصريين فكلموهم فكان الذي يكلمهم علي و محمد بن مسلمة فسمعوا منهما و(3/128)


رجعوا أصحابهم يطلبون مصر و رجع علي ع حتى دخل على عثمان فأشار عليه أن يتكلم بكلام يسمعه الناس منه ليسكنوا إلى ما يعدهم به من النزوع و قال له إن البلاد قد تمخضت عليك و لا آمن أن يجي ء ركب ن جهة أخرى فتقول لي يا علي اركب إليهم فإن لم أفعل رأيتني قد قطعت رحمك و استخففت بحقك. فخرج عثمان فخطب الخطبة التي نزع فيها و أعطى الناس من نفسه التوبة و قال لهم أنا أول من اتعظ و أستغفر الله عما فعلت و أتوب إليه فمثلي نزع و تاب فإذا نزلت فليأتني أشرافكم فليروا رأيهم و ليذكر كل واحد ظلامته لأكشفها و حاجته لأقضيها فو الله لئن ردني الحق عبدا لأستن بسنة العبيد و لأذلن ذل العبيد و ما عن الله مذهب إلا إليه و الله لأعطينكم الرضا و لأنحين مروان و ذويه و لا أحتجب عنكم. فرق الناس له و بكوا حتى خضلوا لحاهم و بكى هو أيضا فلما نزل وجد مروان و سعيدا و نفرا من بني أمية في منزله قعودا لم يكونوا شهدوا خطبته و لكنها بلغتهم فلما جلس قال مروان يا أمير المؤمنين أ أتكلم أم أسكت فقالت نائلة ابنة الفرافصة امرأة عثمان لا بل تسكت فأنتم و الله قاتلوه و مميتو أطفاله إنه قد قال مقالة لا ينبغي له(3/129)


شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 146أن ينزع عنها فقال لها مروان و ما أنت و ذاك و الله لقد مات أبوك و ما يحسن أن يتوضأ فقالت مهلا يا مروان عن ذكر أبي إلا بخير و الله لو لا أن أباك عم عثمان و أنه يناله غمه و عيبه لأخبرتك من أمره بما لا أكذب فيه عليه. فأعرض عنه عان ثم عاد فقال يا أمير المؤمنين أ أتكلم أم أسكت فقال تكلم فقال بأبي أنت و أمي و الله لوددت أن مقالتك هذه كانت و أنت ممتنع فكنت أول من رضي بها و أعان عليها و لكنك قلت ما قلت و قد بلغ الحزام الطبيين و جاوز السيل الزبى و حين أعطى الخطة الذليلة الذليل و الله لإقامة على خطيئة تستغفر الله منها أجمل من توبة تخوف عليها ما زدت على أن جرأت عليك الناس. فقال عثمان قد كان من قولي ما كان و إن الفائت لا يرد و لم آل خيرا. فقال مروان إن الناس قد اجتمعوا ببابك أمثال الجبال قال ما شأنهم قال أنت دعوتهم إلى نفسك فهذا يذكر مظلمة و هذا يطلب مالا و هذا يسأل نزع عامل من عمالك عنه و هذا ما جنيت على خلافتك و لو استمسكت و صبرت كان خيرا لك قال فاخرج أنت إلى الناس فكلمهم فإني أستحيي أن أكلمهم و أردهم. فخرج مروان إلى الناس و قد ركب بعضهم بعضا فقال ما شأنكم قد اجتمعتم كأنكم جئتم لنهب شاهت الوجوه أ تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا اعزبوا عنا و الله إن رمتمونا لنمرن عليكم ما حلا و لنحلن بكم ما لا يسركم و لا تحمدوا فيه غب رأيكم ارجعوا إلى منازلكم فإنا و الله غير مغلوبين على ما في أيدينا شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 147فرجع الناس خائبين يشتمون عان و مروان و أتى بعضهم عليا ع فأخبره الخبر فأقبل علي ع على عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث الزهري فقال أ حضرت خطبة عثمان قال نعم قال أ حضرت مقالة مروان للناس قال نعم فقال أي عباد الله يا لله للمسلمين إني إن قعدت في بيتي قال لي تركتني و خذلتني و إن تكلمت فبلغت له ما يريد جاء مروان فتلعب به حتى قد صار سيقة له يسوقه حيث(3/130)

85 / 150
ع
En
A+
A-