منكم إني لخائف أن تكونوا مصدوقا عليكم و ما يعصب هذا الأمر إلا بي فقالوا له و الله ما صدق من رفع إليك و لا بر و لا نعلم لهذا الأمر أصلا فقال عثمان فأشيروا علي فقال سعيد بن العاص هذه أمور مصنوعة تلقى في السر فيتحدث بها الناس و دواء ذلك السيف. و قال عبد الله بن سعد خذ من الناس الذي عليهم إذا أعطيتهم الذي لهم. و قال معاوية الرأي حسن الأدب. و قال عمرو بن العاص أرى لك أن تلزم طريق صاحبيك فتلين في موضع اللين و تشتد في موضع الشدة. فقال عثمان قد سمعت ما قلتم إن الأمر الذي يخاف على هذه الأمة كائن لا بد منه و إن بابه الذي يغلق عليه ليفتحن فكفكفوهم باللين و المداراة إلا في حدود الله فقد علم الله أني لم آل الناس خيرا و إن رحى الفتنة لدائرة فطوبى لعثمان إن مات و لم يحركها سكنوا الناس و هبوا لهم حقوقهم فإذا تعوطيت حقوق الله فلا تدهنوا فيها.(3/121)


شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 138ثم نفر فقدم المدينة فدعا عليا و طلحة و الزبير فحضروا و عنده معاوية فسكت عثمان و لم يتكلم و تكلم معاوية فحمد الله و قال أنتم أصحاب رسول الله ص و خيرته من خلقه و ولاة أمر هذه الأمة لا يطمع فيه أحد غيركم اخترتم صاحبكم عن غير غل و لا طمع و قد كبر و ولى عمره فلو انتظرتم به الهرم كان قريبا مع أني أرجو أن يكون أكرم على الله أن يبلغه ذلك و قد فشت مقالة خفتها عليكم فما عبتم فيه من شي ء فهذه يدي لكم به رهنا فلا تطمعوا الناس في أمركم فو الله إن أطعتموهم لا رأيتم أبدا منها إلا إدبارا. فال علي ع و ما لك و ذاك لا أم لك فقال دع أمي فإنها ليست بشر أمهاتكم قد أسلمت و بايعت النبي ص و أجبني عما أقول لك. فقال عثمان صدق ابن أخي أنا أخبركم عني و عما وليت إن صاحبي اللذين كانا قبلي ظلما أنفسهما و من كان منهما بسبيل احتسابا و إن رسول الله ص كان يعطي قرابته و أنا في رهط أهل عيلة و قلة معاش فبسطت يدي في شي ء من ذلك لما أقوم به فيه فإن رأيتم ذلك خطأ فردوه فأمري لأمركم تبع. قالوا أصبت و أحسنت إنك أعطيت عبد الله بن خالد بن أسيد خمسين ألفا و أعطيت مروان خمسة عشر ألفا فاستعدها منهما فاستعادها فخرجوا راضين. ال أبو جعفر و قال معاوية لعثمان اخرج معي إلى الشام فإنهم على الطاعة شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 139قبل أن يهجم عليك ما لا قبل لك به فقال لا أبيع جوار رسول الله ص بشي ء و إن كان فيه قطع خيط عنقي قال فأبعث إليك جندا من الشام يقيم معك لنائبة إن نابت المدينة إياك فقال لا أضيق على جيران رسول الله ص فقال و الله لتغتالن فقال حسبي الله و نعم الوكيل. قال أبو جعفر و خرج معاوية من عند عثمان فمر على نفر من المهاجرين فيهم علي ع و طلحة و الزبير و على معاوية ثياب سفره و هو خارج إلى الشام فقام عليهم فقال إنكم تعلمون أن هذا الأمر كان الناس يتغالبون عليه حتى بعث الله نبيه فتفاضلوا بالسابقة و(3/122)


القدمة و الجهاد فإن أخذوا بذلك فالأمر أمرهم و الناس لهم تبع و إن طلبوا الدنيا بالتغالب سلبوا ذلك و رده الله إلى غيرهم و إن الله على البدل لقادر و إني قد خلفت فيكم شيخنا فاستوصوا به خيرا و كانفوه تكونوا أسعد منه بذلك ثم ودعهم و مضى فقال علي ع كنت أرى في هذا خيرا فقال الزبير و الله ما كان أعظم قط في صدرك و صدورنا منه اليوم. قلت من هذا اليوم أنشب معاوية أظفاره في الخلافة لأنه غلب على ظنه قتل عثمان و رأى أن الشام بيده و أن أهلها يطيعونه و أن له حجة يحتج بها عليهم و يجعلها ذريعة إلى غرضه و هي قتل عثمان إذا قتل و أنه ليس في أمراء عثمان أقوى منه و لا أقدر على تدبير الجيوش و استمالة العرب فبنى أمره من هذا اليوم على الطمع في الخلافة أ لا ترى إلى قوله لصعصعة من قبل إنه ليس أحد أقوى مني على الإمارة و إن عمر(3/123)


شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 140استعملني و رضي سيرتي أ و لا ترى إلى قوله للمهاجرين الأولين إن شرعتم في أخذها بالتغالب و ملتم على هذا الشيخ أخرجها الله منكم إلى غيركم و هو على الاستبدال قادر و إنما كان يعني نفسه و هو يكني عنها و لهذا تربض بنصرة عثمان لما اسصره و لم يبعث إليه أحدا. و روى محمد بن عمر الواقدي رحمه الله تعالى قال لما أجلب الناس على عثمان و كثرت القالة فيه خرج ناس من مصر منهم عبد الرحمن بن عديس البلوي و كنانة بن بشر الليثي و سودان بن حمران السكوني و قتيرة بن وهب السكسكي و عليهم جميعا أبو حرب الغافقي و كانوا في ألفين و خرج ناس من الكوفة منهم زيد بن صوحان العبدي و مالك الأشتر النخعي و زياد بن النضر الحارثي و عبد الله بن الأصم الغامدي في ألفين و خرج ناس من أهل البصرة منهم حكيم بن جبلة العبدي و جماعة من أمرائهم و عليهم حرقوص بن زهير السعدي و ذلك في شوال من سنة خمس و ثلاثين و أظهروا أنهم يريدون الحج فلما كانوا من المدينة على ثلاث تقدم أهل البصرة فنزلوا ذا خشب و كان هواهم في طلحة و تقدم أهل الكوفة فنزلوا الأعوص و كان هواهم في الزبير و جاء أهل مصر فنزلوا المروة و كان هواهم في علي ع و دخل ناس منهم إلى المدينة يخبرون ما في قلوب الناس لعثمان فلقوا جماعة من المهاجرين و الأنصار و لقوا أزواج النبي ص و قالوا إنما نريد الحج و نستعفي من عمالنا. ثم لقي جماعة من المصريين عليا ع و هو متقلد سيفه عند أحجار الزيت شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 141فسلموا عليه و عرضوا عليه أمم فصاح بهم و طردهم و قال لقد علم الصالحون أن جيش المروة و ذي خشب و الأعوص ملعونون على لسان محمد ص. فانصرفوا عنه. و أتى البصريون طلحة فقال لهم مثل ذلك و أتى الكوفيون الزبير فقال لهم مثل ذلك فتفرقوا و خرجوا عن المدينة إلى أصحابهم. فلما أمن أهل المدينة منهم و اطمأنوا إلى رجوعهم لم يشعروا إلا و التكبير في نواحي المدينة و قد(3/124)


نزلوها و أحاطوا بعثمان و نادى مناديهم يا أهل المدينة من كف يده عن الحرب فهو آمن فحصروه في منزله إلا أنهم لم يمنعوا الناس من كلامه و لقائه فجاءهم جماعة من رؤساء المهاجرين و سألوهم ما شأنهم فقالوا لا حاجة لنا في هذا الرجل ليعتزلنا لنولي غيره لم يزيدوهم على ذلك. فكتب عثمان إلى أهل الأمصار يستنجدهم و يأمرهم بتعجيل الشخوص إليه للمنع عنه و يعرفهم ما الناس فيه فخرج أهل الأمصار على الصعب و الذلول فبعث معاوية حبيب بن مسلمة الفهري و بعث عبد الله بن سعد بن أبي سرح معاوية بن حديج و خرج من الكوفة القعقاع بن عمرو بعثه أبو موسى. و قام بالكوفة نفر يحرضون الناس على نصر عثمان و إعانة أهل المدينة منهم عقبة بن عمر و عبد الله بن أبي أوفى و حنظلة الكاتب و كل هؤلاء من الصحابة و من التابعين مسروق و الأسود و شريح و غيرهم. و قام بالبصرة عمران بن الحصين و أنس بن مالك و غيرهما من الصحابة و من التابعين كعب بن سور و هرم بن حيان و غيرهما.(3/125)

84 / 150
ع
En
A+
A-