فإن تسأليني كيف أنت فإنني صبور على ريب الزمان صليب يعز علي أن ترى بي كآبة فيشمت عاد أو يساء حبيب. قال إبراهيم بن هلال الثقفي و ذكر محمد بن مخنف أنه سمع الضحاك بن قيس بعد ذلك بزمان يخطب على منبر الكوفة و قد كان بلغه أن قوما من أهلها يشتمون عثمان شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 121و يبرءون منه قال فسمعته يقول بلغني أن رجالا منكم ضلالا يشتمون أئمة الهدى و يبون أسلافنا الصالحين أما و الذي ليس له ند و لا شريك لئن لم تنتهوا عما يبلغني عنكم لأضعن فيكم سيف زياد ثم لا تجدونني ضعيف السورة و لا كليل الشفرة أما إني لصاحبكم الذي أغرت على بلادكم فكنت أول من غزاها في الإسلام و شرب من ماء الثعلبية و من شاطئ الفرات أعاقب من شئت و أعفو عمن شئت لقد ذعرت المخدرات في خدورهن و إن كانت المرأة ليبكي ابنها فلا ترهبه و لا تسكته إلا بذكر اسمي فاتقوا الله يا أهل العراق أنا الضحاك بن قيس أنا أبو أنيس أنا قاتل عمرو بن عميس فقام إليه عبد الرحمن بن عبيد فقال صدق الأمير و أحسن القول ما أعرفنا و الله بما ذكرت و لقد لقيناك بغربي تدمر فوجدناك شجاعا مجربا صبورا ثم جلس و قال أ يفخر علينا بما صنع ببلادنا أول ما قدم و ايم الله لأذكرنه أبغض مواطنه إليه قال فسكت الضحاك قليلا و كأنه خزي و استحيا ثم قال نعم كان ذلك اليوم فأخذه بكلام ثقيل ثم نزل. قال محمد بن مخنف فقلت لعبد الرحمن بن عبيد أو قيل له لقد اجترأت حين تذكره هذا اليوم و تخبره أنك كنت فيمن لقيه فقال لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا. قال و سأل الضحاك عبد الرحمن بن عبيد حين قدم الكوفة فقال لقد رأيت منكم بغربي تدمر رجلا ما كنت أرى أن في الناس مثله حمل علينا فما كذب حتى ضرب الكتيبة التي أنا فيها فلما ذهب ليولي حملت عليه فطعنته فوقع ثم قام شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 122فلم يضره شيئا ثم لم يلبث أن حمل علينا في الكتيبة التي أنا فيها فصرع رجلا ثم ذهب لينصرف فحملت عليه فضربته(3/106)
على رأسه بالسيف فخيل إلي أن سي قد ثبت في عظم رأسه فضربني فو الله ما صنع سيفه شيئا ثم ذهب فظننت أنه لن يعود فو الله ما راعني إلا و قد عصب رأسه بعمامة ثم أقبل نحونا فقلت ثكلتك أمك أ ما نهتك الأوليان عن الإقدام علينا قال إنهما لم تنهياني إنما أحتسب هذا في سبيل الله ثم حمل ليطعنني فطعنته و حمل أصحابه علينا فانفصلنا و حال الليل بيننا فقال له عبد الرحمن هذا يوم شهده هذا يعني ربيعة بن ماجد و هو فارس الحي و ما أظنه يخفى أمر هذا الرجل فقال له أ تعرفه قال نعم قال من هو قال أنا قال فأرني الضربة التي برأسك فأراه فإذا هي ضربة قد برت العظم منكرة فقال له فما رأيك اليوم أ هو كرأيك يومئذ قال رأيي اليوم رأي الجماعة قال فما عليكم من بأس أنتم آمنون ما لم تظهروا خلافا و لكن العجب كيف نجوت من زياد لم يقتلك فيمن قتل أو يسيرك فيمن سير فقال أما التسيير فقد سيرني و أما القتل فقد عافانا الله منه. قال إبراهيم الثقفي و أصاب الضحاك في هربه من حجر عطش شديد و ذلك لأن الجمل الذي كان عليه ماؤه ضل فعطش و خفق برأسه خفقتين لنعاس أصابه فترك الطريق و انتبه و ليس معه إلا نفر يسير من أصحابه و ليس منهم أحد معه ماء فبعث رجالا منهم في جانب يلتمسون الماء و لا أنيس فكان الضحاك بعد ذلك يحكي قال فرأيت جادة فلزمتها فسمعت قائلا يقول(3/107)
دعاني الهوى فازددت شوقا و ربما دعاني الهوى من ساعة فأجيب و أرقني بعد المنام و ربما أرقت لساري الهم حين يئوب شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 123فإن أك قد أحببتكم و رأيتكم فإني بداري عامر لغريقال و أشرف علي رجل فقلت يا عبد الله اسقني ماء فقال لا و الله حتى تعطيني ثمنه قلت و ما ثمنه قال ديتك قلت أ ما ترى عليك من الحق أن تقري الضيف فتطعمه و تسقيه قال ربما فعلنا و ربما بخلنا قال فقلت و الله ما أراك فعلت خيرا قط اسقني قال ما أطيق قلت فإني أحسن إليك و أكسوك قال لا و الله لا أنقص شربة من مائة دينار فقلت له ويحك اسقني فقال ويحك أعطني قلت لا و الله ما هي معي و لكنك تسقيني ثم تنطلق معي أعطيكها قال لا و الله قلت اسقني و أرهنك فرسي حتى أوفيكها قال نعم ثم خرج بين يدي و اتبعته فأشرفنا على أخبية و ناس على ماء فقال لي مكانك حتى آتيك فقلت بل أجي ء معك قال و ساءه حيث رأيت الناس و الماء فذهب يشتد حتى دخل بيتا ثم جاء بماء في إناء فقال اشرب فقلت لا حاجة لي فيه ثم دنوت من القوم فقلت اسقوني ماء فقال شيخ لابنته اسقيه فقامت ابنته فجاءت بماء و لبن فقال ذلك الرجل نجيتك م العطش و تذهب بحقي و الله لا أفارقك حتى أستوفي منك حقي فقلت اجلس حتى أوفيك فجلس فنزلت فأخذت الماء و اللبن من يد الفتاة فشربت و اجتمع إلي أهل الماء فقلت لهم هذا ألأم الناس فعل بي كذا و كذا و هذا الشيخ خير منه و أسدى استسقيته فلم يكلمني و أمر ابنته فسقتني و هو الآن يلزمني بمائة دينار فشتمه أهل الحي و وقعوا به و لم يكن بأسرع من أن لحقني قوم من أصحابي فسلموا علي بالإمرة فارتاب الرجل و جزع و ذهب يريد أن يقوم فقلت و الله لا تبرح حتى أوفيك المائة فجلس ما يدري ما الذي أريد به فلما كثر جندي عندي سرحت إلى ثقلي فأتيت به ثم أمرت بالرجل فجلد مائة جلدة و دعوت الشيخ و ابنته فأمرت لهما بمائة دينار و كسوتهما و كسوت أهل الماء(3/108)
شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 124ثوبا ثوبا و حرمته فقال أهل الماء كان أيها الأمير أهلا لذلك و كنت لما أتيت من خير أهلا. فلما رجعت إلى معاوية و حدثته عجب و قال لقد رأيت في سفرك هذا عجبا. و يذكر أهل النسب أن قيسا أبا الضحاك بن قيس كان يبيع عسب الفحول في الجاهة
و رووا أن عقيلا رحمه الله تعالى قدم على أمير المؤمنين فوجده جالسا في صحن المسجد بالكوفة فقال السلام عليك يا أمير المؤمنين و رحمة الله و بركاته و كان عقيل قد كف بصره فقال و عليك السلام يا أبا يزيد ثم التفت إلى ابنه الحسن ع فقال قم فأنزل عمك فقام فأنزله ثم عاد فقال اذهب فاشتر لعمك قميصا جديدا و رداء جديدا و إزارا جديدا و نعلا جديدا فذهب فاشترى له فغدا عقيل على علي ع في الثياب فقال السلام عليك يا أمير المؤمنين قال و عليك السلام يا أبا يزيد قال يا أمير المؤمنين ما أراك أصبت من الدنيا شيئا و إني لا ترضى نفسي من خلافتك بما رضيت به لنفسك فقال يا أبا يزيد يخرج عطائي فأدفعه إليك(3/109)
فلما ارتحل عن أمير المؤمنين ع أتى معاوية فنصبت له كراسيه و أجلس جلساءه حوله فلما ورد عليه أمر له بمائة ألف فقبضها ثم غدا عليه يوما بعد ذلك و بعد وفاة أمير المؤمنين ع و بيعة الحسن لمعاوية و جلساء معاوية حوله فقال يا أبا يزيد أخبرني عن عسكري و عسكر أخيك فقد وردت عليهما قال أخبرك مررت و الله شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 125بعسكر أخي فإذا ليل كليل رسول الله ص و نهار كنهار رسول الله ص إلا أن رسول الله ص ليس في القوم ما رأيت إلا مصليا و لا سمعت إلا قارئا و مررت بعسكرك فاستقبلني قوم من المنافقين ممن نفر برسول الله لة العقبة ثم قال من هذا عن يمينك يا معاوية قال هذا عمرو بن العاص قال هذا الذي اختصم فيه ستة نفر فغلب عليه جزار قريش فمن الآخر قال الضحاك بن قيس الفهري قال أما و الله لقد كان أبوه جيد الأخذ لعسب التيوس فمن هذا الآخر قال أبو موسى الأشعري قال هذا ابن السراقة فلما رأى معاوية أنه قد أغضب جلساءه علم أنه إن استخبره عن نفسه قال فيه سوءا فأحب أن يسأله ليقول فيه ما يعلمه من السوء فيذهب بذلك غضب جلسائه قال يا أبا يزيد فما تقول في قال دعني من هذا قال لتقولن قال أ تعرف حمامة قال و من حمامة يا أبا يزيد قال قد أخبرتك ثم قام فمضى فأرسل معاوية إلى النسابة فدعاه فقال من حمامة قال و لي الأمان قال نعم قال حمامة جدتك أم أبي سفيان كانت بغيا في الجاهلية صاحبة راية فقال معاوية لجلسائه قد ساويتكم و زدت عليكم فلا تغضبوا(3/110)