عليا قد قتل أولئك الخوارج و أنه أراد بعد قتلهم أن يقبل بالناس و أنهم استنظروه و دافعوه فسر بذلك هو و من قبله من الناس. قال و روى ابن أبي سيف عن يزيد بن يزيد بن جابر عن عبد الرحمن بن مسعدة الفزاري قال جاءنا كتاب عمارة بن عقبة بن أبي معيط و كان بالكوفة مقيما و نحن معسكرون مع معاوية نتخوف أن يفرغ علي من الخوارج ثم يقبل إلينا و نحن نقول إن أقبل إلينا كان أفضل المكان الذي نستقبله به المكان الذي لقيناه فيه العام الماضي فكان في كتاب عمارة بن عقبة أما بعد فإن عليا خرج عليه قراء شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 115أصحابه و نساكهم فخرج إليهم فقتلهم و قد فسد عليه جنده و أهل مصره و وقعت بينهم العداوة و تفرقوا أشد الفرقة و أحببت إعلامك لتحمد الله و السلام. قال عبد الرحمن بن مسعدة فقرأه معاوية على وجه أخيه عتبة ولى الوليد بن عقبة و على أبي الأعور السلمي ثم نظر إلى أخيه عتبة و إلى الوليد بن عقبة و قال للوليد لقد رضي أخوك أن يكون لنا عينا فضحك الوليد و قال إن في ذلك أيضا لنفعا. و روى أبو جعفر الطبري قال كان عمارة مقيما بالكوفة بعد قتل عثمان لم يهجه علي ع و لم يذعره و كان يكتب إلى معاوية بالأخبار سرا. و من شعر الوليد لأخيه عمارة يحرضه
إن يك ظني في عمارة صادقا ينم ثم لا يطلب بذحل و لا وتريبيت و أوتار ابن عفان عنده مخيمة بين الخورنق فالقصرتمشي رخي البال مستشزر القوى كأنك لم تسمع بقتل أبي عمروألا إن خير الناس بعد ثلاثة قتيل التجيبي الذي جاء من مصر
قال فأجابه الفضل بن العباس بن عتبة
أ تطلب ثأرا لست منه و لا له و ما لابن ذكوان الصفوري و الوتر(3/101)
شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 116كما افتخرت بنت الحمار بأمها و تنسى أباها إذ تسامى أولو الفخرألا إن خير الناس بعد نبيهم وصي النبي المصطفى عند ذي الذكرو أول من صلى و صنو نبيه و أول من أردى الغواة لدى بدأما معنى قوله و ما لابن ذكوان الصفوري فإن الوليد هو ابن عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو و اسمه ذكوان بن أمية بن عبد شمس و قد ذكر جماعة من النسابين أن ذكوان كان مولى لأمية بن عبد شمس فتبناه و كناه أبا عمرو فبنوه موال و ليسوا من بني أمية لصلبه و الصفوري منسوب إلى صفورية قرية من قرى الروم. قال إبراهيم بن هلال الثقفي فعند ذلك دعا معاوية الضحاك بن قيس الفهري و قال له سر حتى تمر بناحية الكوفة و ترتفع عنها ما استطعت فمن وجدته من الأعراب في طاعة علي فأغر عليه و إن وجدت له مسلحة أو خيلا فأغر عليها و إذا أصبحت في بلدة فأمس في أخرى و لا تقيمن لخيل بلغك أنها قد سرحت إليك لتلقاها فتقاتلها فسرحه فيما بين ثلاثة آلاف إلى أربعة آلاف. فأقبل الضحاك فنهب الأموال و قتل من لقي من الأعراب حتى مر بالثعلبية شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 117فأغار على الحاج فأخذ أمتعتهم ثم أقبل فلقي عمرو بعميس بن مسعود الهذلي و هو ابن أخي عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله ص فقتله في طريق الحاج عند القطقطانة و قتل معه ناسا من أصحابه. قال فروى إبراهيم بن مبارك البجلي عن أبيه عن بكر بن عيسى عن أبي روق قال حدثني أبي قال سمعت عليا ع و قد خرج إلى الناس و هو يقول على المنبر يا أهل الكوفة اخرجوا إلى العبد الصالح عمرو بن عميس و إلى جيوش لكم قد أصيب منهم طرف اخرجوا فقاتلوا عدوكم و امنعوا حريمكم إن كنتم فاعلين. فردوا عليه ردا ضعيفا و رأى منهم عجزا و فشلا فقال و الله لوددت أن لي بكل ثمانية منكم رجلا منهم ويحكم اخرجوا معي ثم فروا عني ما بدا لكم فو الله ما أكره لقاء ربي على نيتي و بصيرتي و في ذلك روح لي عظيم و فرج من مناجاتكم و مقاساتكم ثم(3/102)
نزل. فخرج يمشي حتى بلغ الغريين ثم دعا حجر بن عدي الكندي فعقد له على أربعة آلاف. و روى محمد بن يعقوب الكليني قال استصرخ أمير المؤمنين ع الناس عقيب غارة الضحاك بن قيس الفهري على أطراف أعماله فتقاعدوا عنه فخطبهم فقال
ما عزت دعوة من دعاكم و لا استراح قلب من قاساكم
الفصل إلى آخره. قال إبراهيم الثقفي فخرج حجر بن عدي حتى مر بالسماوة و هي أرض كلب شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 118فلقي بها إمرأ القيس بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم الكلبي و هم أصهار الحسين بن علي بن أبي طالب ع فكانوا أدلاءه في الطريق و على المياه فلم ي مغذا في أثر الضحاك حتى لقيه بناحية تدمر فواقعه فاقتتلوا ساعة فقتل من أصحاب الضحاك تسعة عشر رجلا و قتل من أصحاب حجر رجلان و حجز الليل بينهم فمضى الضحاك فلما أصبحوا لم يجدوا له و لأصحابه أثرا و كان الضحاك يقول بعد أنا ابن قيس أنا أبو أنيس أنا قاتل عمرو بن عميس. قال و كتب في أثر هذه الوقعة عقيل بن أبي طالب إلى أخيه أمير المؤمنين ع حين بلغه خذلان أهل الكوفة و تقاعدهم به. لعبد الله علي أمير المؤمنين ع من عقيل بن أبي طالب سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإن الله حارسك من كل سوء و عاصمك من كل مكروه و على كل حال إني قد خرجت إلى مكة معتمرا فلقيت عبد الله بن سعد بن أبي سرح في نحو من أربعين شابا من أبناء الطلقاء فعرفت المنكر في وجوههم فقلت إلى أين يا أبناء الشانئين أ بمعاوية تلحقون عداوة و الله منكم قديما غير مستنكرة تريدون بها إطفاء نور الله و تبديل أمره فأسمعني القوم و أسمعتهم فلما قدمت مكة سمعت أهلها يتحدثون أن الضحاك بن قيس أغار على الحيرة فاحتمل من أموالها ما شاء ثم انكفأ راجعا سالما فأف لحياة في دهر جرأ عليك الضحاك و ما الضحاك فقع بقرقر و قد توهمت حيث بلغني ذلك أن شيعتك و أنصارك خذلوك فاكتب إلي يا ابن أمي برأيك فإن كنت الموت تريد تحملت إليك ببني(3/103)
أخيك شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 119و ولد أبيك فعشنا معك ما عشت و متنا معك إذا مت فو الله ما أحب أن أبقى في الدنيا بعدك فواقا. و أقسم بالأعز الأجل أن عيشا نعيشه بعدك في الحياة لغير هني ء و لا مري لا نجيع و السلام عليك و رحمة الله و بركاته
فكتب إليه ع من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عقيل بن أبي طالب سلام الله عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد كلأنا الله و إياك كلاءة من يخشاه بالغيب إنه حميد مجيد قد وصل إلي كتابك مع عبد الرحمن بن عبيد الأزدي تذكر فيه أنك لقيت عبد الله بن سعد بن أبي سرح مقبلا من قديد في نحو من أربعين فارسا من أبناء الطلقاء متوجهين إلى جهة الغرب و أن ابن أبي سرح طالما كاد الله و رسوله و كتابه و صد عن سبيله و بغاها عوجا فدع ابن أبي سرح و دع عنك قريشا و خلهم و تركاضهم في الضلال و تجوالهم في الشقاق ألا و إن العرب قد أجمعت على حرب أخيك اليوم إجماعها على حرب رسول الله ص قبل اليوم فأصبحوا قد جهلوا حقه و جحدوا فضله و بادروه العداوة و نصبوا له الحرب و جهدوا عليه كل الجهد و جروا إليه جيش الأحزاب اللهم فاجز قريشا عني الجوازي فقد قطعت رحمي و تظاهرت على و دفعتني عن حقي و سلبتني سلطان ابن أمي و سلمت ذلك إلى من ليس مثلي في قرابتي من الرسول و سابقتي في الإسلام إلا أن يدعي مدع ما لا أعرفه و لا أظن الله يعرفه و الحمد لله على كل حال فأما ما ذكرته من غارة الضحاك على أهل الحيرة فهو أقل و أزل من أن يلم بها شرح نهج البلاغة ج : 2 : 120أو يدنو منها و لكنه قد كان أقبل في جريدة خيل فأخذ على السماوة حتى مر بواقصة و شراف و القطقطانة مما والى ذلك الصقع فوجهت إليه جندا كثيفا من المسلمين فلما بلغه ذلك فر هاربا فاتبعوه فلحقوه ببعض الطريق و قد أمعن و كان ذلك حين طفلت الشمس للإياب فتناوشوا القتال قليلا كلا و لا فلم يصبر لوقع المشرفية و ولى هاربا و قتل من أصحابه بضعة عشر(3/104)
رجلا و نجا جريضا بعد ما أخذ منه بالمخنق فلأيا بلأي ما نجا فأما ما سألتني أن أكتب لك برأيي فيما أنا فيه فإن رأيي جهاد المحلين حتى ألقى الله لا يزيدني كثرة الناس معي عزة و لا تفرقهم عني وحشة لأنني محق و الله مع المحق و و الله ما أكره الموت على الحق و ما الخير كله إلا بعد الموت لمن كان محقا و أما ما عرضت به من مسيرك إلي ببنيك و بني أبيك فلا حاجة لي في ذلك فأقم راشدا محمودا فو الله ما أحب أن تهلكوا معي إن هلكت و لا تحسبن ابن أمك و لو أسلمه الناس متخشعا و لا متضرعا إنه لكما قال أخو بني سليم(3/105)