طول مكاسي لله عمرك من قصير طاهر و لرب عمر طال بالأدنو حدثني فخار بن معد العلوي الموسوي رحمه الله قال رأى المفيد أبو عبد الله محمد بن النعمان الفقيه الإمام في منامه كان فاطمة بنت رسول الله ص دخلت عليه و هو في مسجده بالكرخ و معها ولداها الحسن و الحسين ع صغيرين فسلمتهما إليه و قالت له علمهما الفقه فانتبه متعجبا من ذلك فلما تعالى النهار في صبيحة تلك الليلة التي رأى فيها الرؤيا دخلت إليه المسجد فاطمة بنت الناصر و حولها جواريها و بين يديها ابناها محمد الرضي و علي المرتضى صغيرين فقام إليها و سلم عليها فقالت له أيها الشيخ هذان ولداي قد أحضرتهما لتعلمهما الفقه فبكى أبو عبد الله و قص عليها المنام و تولى تعليمهما الفقه و أنعم الله عليهما و فتح لهما من أبواب العلوم و الفضائل ما اشتهر عنهما في آفاق الدنيا و هو باق ما بقي الدهر
شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 42القول في شرح خطبة نهج البلاغة قال الرضي رحمه الله بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد حمد الله الذي جعل الحمد ثمنا لنعمائه و معاذا من بلائه و وسيلا إلى جنانه و سببا لزيادة إحسانه و الصلاة على رسوله نبي الرحمة و إمام الأئمة و سراج الأمة المنتجب من طينة الكرم و سلالة المجد الأقدم و مغرس الفخار المعرق و فرع العلاء المثمر المورق و على أهل بيته مصابيح الظلم و عصم الأمم و منار الدين الواضحة و مثاقيل الفضل الراجحة فصلى الله عليهم أجمعين صلاة تكون إزاء لفضلهم و مكافأة لعملهم و كفاء لطيب أصلهم و فرعهم ما أنار فجر طالع و خوى نجم ساطع(2/32)


اعلم أني لا أتعرض في هذا الشرح للكلام فيما قد فرغ منه أئمة العربية و لا لتفسير ما هو ظاهر مكشوف كما فعل القطب الراوندي فإنه شرع أولا في تفسير قوله أما بعد ثم قال هذا هو فصل الخطاب ثم ذكر ما معنى الفصل و أطال فيه و قسمه أقساما يشرح ما قد فرع له منه ثم شرح الشرح و كذلك أخذ يفسر قوله من بلائه و قوله إلى جنانه و قوله و سببا و قوله المجد و قوله شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 43الأقدم و هذا كله إطالة و تضييع للزمان من غير فائدة و لو أخذنا بشرح مثل ذلك لوجب أن نشرح لفظة أما المفتوحة و أن نذكر الفصل بينها و بين إما السورة و نذكر هل المكسورة من حروف العطف أو لا ففيه خلاف و نذكر هل المفتوحة مركبة أو مفردة و مهملة أو عاملة و نفسر معنى قول الشاعر
أبا خراشة أما كنت ذا نفر فإن قومي لم تأكلهم الضبع(2/33)


بالفتح و نذكر بعد لم ضمت إذا قطعت عن الإضافة و لم فتحت هاهنا حيث أضيفت و نخرج عن المعنى الذي قصدناه من موضوع الكتاب إلى فنون أخرى قد أحكمها أربابها. و نبتدئ الآن فنقول قال لي إمام من أئمة اللغة في زماننا هو الفخار بكسر الفاء قال و هذا مما يغلط فيه الخاصة فيفتحونها و هو غير جائز لأنه مصدر فاخر و فاعل يجي ء مصدره على فعال بالكسر لا غير نحو قاتلت قتالا و نازلت نزالا و خاصمت خصاما و كافحت كفاحا و صارعت صراعا و عندي أنه لا يبعد أن تكون الكلمة مفتوحة الفاء و تكون مصدر فخر لا مصدر فاخر فقد جاء مصدر الثلاثي إذا كا عينه أو لامه حرف حلق على فعال بالفتح نحو سمح سماحا و ذهب ذهابا اللهم إلا أن ينقل ذلك عن شيخ أو كتاب موثوق به نقلا صريحا فتزول الشبهة و العصم جمع عصمة و هو ما يعتصم به و المنار الأعلام واحدها منارة بفتح الميم و المثاقيل جمع مثقال و هو مقدار وزن الشي ء تقو مثقال حبة و مثقال قيراط و مثقال دينار و ليس كما تظنه العامة أنه اسم للدينار خاصة فقوله مثاقيل الفضل أي زنات الفضل و هذا من باب الاستعارة و قوله تكون إزاء لفضلهم أي مقابلة له و مكافأة بالهمز من كافأته أي جازيته و كفاء بالهمز و المد أي نظيرا شرح نهج البلا ج : 1 ص : 44و خوى النجم أي سقط و طينة الكرم أصله و سلالة المجد فرعه و الوسيل جمع وسيلة و هو ما يتقرب به و لو قال و سبيلا إلى جنانه لكان حسنا و إنما قصد الإغراب على أنا قد قرأناه كذلك في بعض النسخ و قوله و مكافأة لعملهم إن أراد أن يجعله قرينة لفضلهم كان مستقبحا عند من يريد البديع لأن الأولى ساكنة الأوسط و الأخرى متحركة الأوسط و أما من لا يقصد البديع كالكلام القديم فليس بمستقبح و إن لم يرد أن يجعلها قرينة بل جعلها من حشو السجعة الثانية و جعل القرينة و أصلهم فهو جائز إلا أن السجعة الثانية تطول جدا و لو قال عوض لعملهم لفعلهم لكان حسنا(2/34)


قال الرضي رحمه الله فإني كنت في عنفوان السن و غضاضة الغصن ابتدأت تأليف كتاب في خصائص الأئمة ع يشتمل على محاسن أخبارهم و جواهر كلامهم حداني عليه غرض ذكرته في صدر الكتاب و جعلته أمام الكلام و فرغت من الخصائص التي تخص أمير المؤمنين عليا ص و عاقت عن إتمام بقية الكتاب محاجزات الأيام و مماطلات الزمان و كنت قد بوبت ما خرج من ذلك أبوابا و فصلته فصولا فجاء في آخرها فصل يتضمن محاسن ما نقل عنه ع من الكلام القصير في المواعظ و الحكم و الأمثال و الآداب دون الخطب الطويلة و الكتب المبسوطة فاستحسن جماعة من الأصدقاء ما اشتمل عليه الفصل المقدم ذكره معجبين ببدائعه و متعجبين من نواصعه و سألوني عند ذلك أن أبدأ بتأليف كتاب يحتوي على مختار كلام أمير المؤمنين ع في جميع فنونه و متشعبات غصونه من خطب و كتب و مواعظ و أدب علما أن ذلك يتضمن من عجائب البلاغة و غرائب الفصاحة و جواهر العربية و ثواقب الكلم الدينية و الدنياوية ما لا يوجد مجتمعا في كلام و لا مجموع الأطراف شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 45في كتاب إذ كان أمير المؤمنين ع مشرع الفصاحة و موردها و منشأ البلاغة و مولدها و منه ع ظهر مكنونها و عنه أخذت قوانينها و على أمثلته حذا كل قائل خطيو بكلامه استعان كل واعظ بليغ و مع ذلك فقد سبق و قصروا و تقدم و تأخروا لأن كلامه ع الكلام الذي عليه مسحة من العلم الإلهي و فيه عبقة من الكلام النبوي
عنفوان السن أولها و محاجزات الأيام ممانعاتها و مماطلات الزمان مدافعاته و قوله معجبين ثم قال و متعجبين فمعجبين من قولك أعجب فلان برأيه و بنفسه فهو معجب بهما و الاسم العجب بالضم و لا يكون ذلك إلا في المستحسن و متعجبين من قولك تعجبت من كذا و الاسم العجب و قد يكون في الشي ء يستحسن و يستقبح و يتهول منه و يستغرب و مراده هنا التهول و الاستغراب و من ذلك قول أبي تمام أبدت أسى إذ رأتني مخلس القصب و آل ما كان من عجب إلى عجب(2/35)


يريد أنها كانت معجبة به أيام الشبيبة لحسنه فلما شاب انقلب ذلك العجب عجبا إما استقباحا له أو تهولا منه و استغرابا و في بعض الروايات معجبين ببدائعه أي أنهم يعجبون غيرهم و النواصع الخالصة و ثواقب الكلم مضيئاتها و منه الشهاب الثاقب و حذا كل قائل اقتفى و اتبع و قوله مسحة يقولون على فلان مسحة من جمال مثل قولك شي ء و كأنه هاهنا يريد ضوءا و صقالا و قوله عبقة أي رائحة شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 46و لو قال عوض العلم الإلهي الكتاب الإلهي لكان أحس قال الرضي رحمه الله فأجبتهم إلى الابتداء بذلك عالما بما فيه من عظيم النفع و منشور الذكر و مذخور الأجر و اعتمدت به أن أبين من عظيم قدر أمير المؤمنين ع في هذه الفضيلة مضافة إلى المحاسن الدثرة و الفضائل الجمة و أنه انفرد ببلوغ غايتها عن جميع السلف الأولين الذين إنما يؤثر عنهم منها القليل النادر و الشاذ الشارد فأما كلامه ع فهو البحر الذي لا يساجل و الجم الذي لا يحافل و أردت أن يسوغ لي التمثل في الافتخار به ص بقول الفرزدق
أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع
المحاسن الدثرة الكثيرة مال دثر أي كثير و الجمة مثله و يؤثر عنهم أي يحكى و ينقل قلته آثرا أي حاكيا و لا يساجل أي لا يكاثر أصله من النزع بالسجل و هو الدلو الملي ء قال من يساجلني يساجل ماجدا يملأ الدلو إلى عقد الكرب
و يروى و يساحل بالحاء من ساحل البحر و هو طرفه أي لا يشابه في بعد ساحله و لا يحافل أي لا يفاخر بالكثرة أصله من الحفل و هو الامتلاء و المحافلة المفاخرة بالامتلاء ضرع حافل أي ممتلئ. شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 47و الفرزدق همام بن غالب بن صعصعة التميمي و من هذالأبيات(2/36)

8 / 150
ع
En
A+
A-