فأما أخو غامد الذي وردت خيله الأنبار فهو سفيان بن عوف بن المغفل الغامدي و غامد قبيلة من اليمن و هي من الأزد أزد شنوءة و اسم غامد عمر بن عبد الله بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد و سمي غامدا لأنه كان بين قومه شر فأصلحه و تغمدهم بذلك. روى إبراهيم بن محمد بن سعيد بن هلال الثقفي في كتاب الغارات عن أبي الكنود قال حدثني سفيان بن عوف الغامدي قال دعاني معاوية فقال إني باعثك في جيش كثيف ذي أداة و جلادة فالزم لي جانب الفرات حتى تمر بهيت شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 86فتقطعها فإن وجدت بها جندفأغر عليهم و إلا فامض حتى تغير على الأنبار فإن لم تجد بها جندا فامض حتى توغل في المدائن ثم أقبل إلي و اتق أن تقرب الكوفة و اعلم أنك إن أغرت على أهل الأنبار و أهل المدائن فكأنك أغرت على الكوفة إن هذه الغارات يا سفيان على أهل العراق ترعب قلوبهم و تفرح كل من له فينا هوى منهم و تدعو إلينا كل من خاف الدوائر فاقتل من لقيته ممن ليس هو على مثل رأيك و أخرب كل ما مررت به من القرى و احرب الأموال فإن حرب الأموال شبيه بالقتل و هو أوجع للقلب. قال فخرجت من عنده فعسكرت و قام معاوية في الناس فخطبهم فقال أيها الناس انتدبوا مع سفيان بن عوف فإنه وجه عظيم فيه أجر سريعة فيه أوبتكم إن شاء الله ثم نزل. قال فو الذي لا إله غيره ما مرت ثالثة حتى خرجت في ستة آلاف ثم لزمت شاطئ الفرات فأغذذت السير حتى أمر بهيت فبلغهم أني قد غشيتهم فقطعوا الفرات فمررت بها و ما بها عريب كأنها لم تحلل قط فوطئتها حتى أمر بصندوداء ففروا فلم ألق بها أحدا فأمضي حتى افتتح الأنبار و قد نذروا بي فخرج صاحب المسلحة إلي فوقف لي فلم أقدم عليه حتى أخذت غلمانا من أهل القرية فقلت لهم أخبروني كم بالأنبار من أصحاب علي ع قالوا عدة رجال المسلحة خمسمائة و لكنهم قد تبددوا و رجعوا إلى الكوفة و لا ندري الذي يكون فيها قد يكون مائتي رجل فنزلت(3/76)
فكتبت أصحابي كتائب ثم أخذت أبعثهم إليه كتيبة بعد كتيبة فيقاتلهم و الله و يصبر لهم و يطاردهم و يطاردونه في الأزقة فلما رأيت ذلك أنزلت إليهم نحوا من مائتين شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 87و أتبعتهملخيل فلما حملت عليهم الخيل و أمامها الرجال تمشي لم يكن شي ء حتى تفرقوا و قتل صاحبهم في نحو من ثلاثين رجلا و حملنا ما كان في الأنبار من الأموال ثم انصرفت فو الله ما غزوت غزاة كانت أسلم و لا أقر للعيون و لا أسر للنفوس منها و بلغني و الله أنها أرعبت الناس فلا عدت إلى معاوية حدثته الحديث على وجهه فقال كنت عند ظني بك لا تنزل في بلد من بلداني إلا قضيت فيه مثل ما يقضي فيه أميره و إن أحببت توليته وليتك و ليس لأحد من خلق الله عليك أمر دوني. قال فو الله ما لبثنا إلا يسيرا حتى رأيت رجال أهل العراق يأتوننا على الإبل هرابا من عسكر علي ع. قال إبراهيم كان اسم عامل علي ع على مسلحة الأنبار أشرس بن حسان البكري. و روى إبراهيم عن عبد الله بن قيس عن حبيب بن عفيف قال كنت مع أشرس بن حسان البكري بالأنبار على مسلحتها إذ صبحنا سفيان بن عوف في كتائب تلمع الأبصار منها فهالونا و الله و علمنا إذ رأيناهم أنه ليس لنا طاقة بهم و لا يد فخرج إليهم صاحبنا و قد تفرقنا فلم يلقهم نصفنا و ايم الله لقد قاتلناهم فأحسنا قتالهم حتى كرهونا ثم نزل صاحبنا و هو يتلو قوله تعالى فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ثم قال لنا من كان لا يريد لقاء الله و لا يطيب نفسا بالموت فليخرج عن القرية ما دمنا نقاتلهم فإن قتالنا إياهم شاغل لهم عن طلب هارب و من أراد ما عند الله فما عند الله خير للأبرار ثم نزل في ثلاثين رجلا فهممت بالنزول معه ثم أبت نفسي و استقدم هو و أصحابه فقاتلوا حتى قتلوا رحمهم الله و انصرفنا نحن منهزمين.(3/77)
شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 88قال إبراهيم و قدم علج من أهل الأنبار على علي ع فأخبره الخبر فصعد المنبر فخطب الناس و قال إن أخاكم البكري قد أصيب بالأنبار و هو معتز لا يخاف ما كان و اختار ما عند الله على الدنيا فانتدبوا إليهم حتى تلاقوهم فإن أصبتم منهم طرفا كلتموهم عن العراق أبدا ما بقوا. ثم سكت عنهم رجاء أن يجيبوه أو يتكلم منهم متكلم فلم ينبس أحد منهم بكلمة فلما رأى صمتهم نزل و خرج يمشي راجلا حتى أتى النخيلة و الناس يمشون خلفه حتى أحاط به قوم من أشرافهم فقالوا ارجع يا أمير المؤمنين و نحن نكفيك فقال ما تكفونني و لا تكفون أنفسكم فلم يزالوا به حتى صرفوه إلى منزله فرجع و هو واجم كئيب و دعا سعيد بن قيس الهمداني فبعثه من النخيلة في ثمانية آلاف و ذلك أنه خبر أن القوم جاءوا في جمع كثيف. فخرج سعيد بن قيس على شاطئ الفرات في طلب سفيان بن عوف حتى إذا بلغ عانات سرح أمامه هانئ بن الخطاب الهمداني فاتبع آثارهم حتى دخل أداني أرض قنسرين و قد فاتوه فانصرف. قال و لبث علي ع ترى فيه الكآبة و الحزن حتى قدم عليه سعيد بن قيس و كان تلك الأيام عليلا فلم يقو على القيام في الناس بما يريده من القول فجلس بباب السدة التي تصل إلى المسجد و معه ابناه حسن و حسين ع و عبد الله بن جعفر و دعا سعدا مولاه فدفع إليه الكتاب و أمره أن يقرأه على الناس فقام سعد بحيث يستمع علي ع صوته و يسمع ما يرد الناس عليه ثم قرأ هذه الخطبة التي نحن في شرحها. شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 89و ذكر أن القائم إليه العارض نفسه عه جندب بن عفيف الأزدي هو و ابن أخ له يقال له عبد الرحمن بن عبد الله بن عفيف. قال ثم أمر الحارث الأعور الهمداني فنادى في الناس أين من يشتري نفسه لربه و يبيع دنياه بآخرته أصبحوا غدا بالرحبة إن شاء الله و لا يحضر إلا صادق النية في السير معنا و الجهاد لعدونا فأصبح و ليس بالرحبة إلا دون ثلاثمائة فلما عرضهم قال لو كانوا ألفا(3/78)
كان لي فيهم رأي. و أتاه قوم يعتذرون فقال وَ جاءَ الْمُعَذِّرُونَ و تخلف المكذبون و مكث أياما باديا حزنه شديد الكآبة ثم جمع الناس فخطبهم فقال أما بعد أيها الناس فو الله لأهل مصركم في الأمصار أكثر من الأنصار في العرب و ما كانوا يوم أعطوا رسول الله ص أن يمنعوه و من معه من المهاجرين حتى يبلغ رسالات ربه إلا قبيلتين قريبا مولدهما ما هما بأقدم العرب ميلادا و لا بأكثرهم عددا فلما آووا النبي ص و أصحابه و نصروا الله و دينه رمتهم العرب عن قوس واحدة فتحالفت عليهم اليهود و غزتهم القبائل قبيلة بعد قبيلة فتجردوا لنصرة دين الله و قطعوا ما بينهم و بين العرب من الحبائل و ما بينهم و بين اليهود من الحلف و نصبوا لأهل نجد و تهامة و أهل مكة و اليمامة و أهل الحزن و السهل و أقاموا قناة الدين و صبروا تحت حماس الجلاد حتى دانت العرب لرسول الله ص و رأى منهم قرة العين قبل أن يقبضه الله عز و جل إليه و أنتم اليوم في الناس أكثر من أولئك ذلك الزمان في العرب. فقام إليه رجل آدم طوال فقال ما أنت بمحمد و لا نحن بأولئك الذين(3/79)
شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 90ذكرت فقال ع أحسن سمعا تحسن إجابة ثكلتكم الثواكل ما تزيدونني إلا غما هل أخبرتكم أني محمد و أنكم الأنصار إنما ضربت لكم مثلا و إنما أرجو أن تتأسوا بهم. ثم قام رجل آخر فقال ما أحوج أمير المؤمنين اليوم و أصحابه إلى أصحاب النهروان تكلم الناس من كل ناحية و لغطوا و قام رجل منهم فقال بأعلى صوته استبان فقد الأشتر على أهل العراق أشهد لو كان حيا لقل اللغط و لعلم كل امرئ ما يقول. فقال علي ع هبلتكم الهوابل أنا أوجب عليكم حقا من الأشتر و هل للأشتر عليكم من الحق إلا حق المسلم على المسلم. فقام حجر بن عدي الكندي و سعيد بن قيس الهمداني فقالا لا يسوؤك الله يا أمير المؤمنين مرنا بأمرك نتبعه فو الله ما نعظم جزعا على أموالنا إن نفدت و لا على عشائرنا إن قتلت في طاعتك فقال تجهزوا للمسير إلى عدونا. فلما دخل منزله و دخل عليه وجوه أصحابه قال لهم أشيروا علي برجل صليب ناصح يحشر الناس من السواد فقال له سعيد بن قيس يا أمير المؤمنين أشير عليك بالناصح الأريب الشجاع الصليب معقل بن قيس التميمي قال نعم. ثم دعاه فوجهه فسار فلم يقدم حتى أصيب أمير المؤمنين ع(3/80)