حَقِّكُمْ فَقُبْحاً لَكُمْ وَ تَرَحاً حِينَ صِرْتُمْ غَرَضاً يُرْمَى يُغَارُ شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 75عَلَيْكُمْ وَ لَا تُغِيرُونَ وَ تُغْزَوْنَ وَ لَا تَغْزُونَ وَ يُعْصَى اللَّهُ وَ تَرْضَوْنَ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهْ فِي أَيَّامِ الْحَرِّ قُلْتُمْ هَذِهِ حَمَارَّةُ الْقَيْظِ أَمْهِلْنَا يُسَبَّخْ عَنَّا الْحَرُّ وَ إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي الشِّتَاءِ قُلْتُمْ هَذِهِ صَبَارَّةُ الْقُرِّ أَمْهِلْنَا يَنْسَلِخْ عَنَّا الْبَرْدُ كُلُّ هَذَا فِرَاراً مِنَ الْحَرِّ وَ الْقُرِّ فَإِذَا كُنْتُمْ مِنَ الْحَرِّ وَ الْقُرِّ تَفِرُّونَ فَأَنْتُمْ وَ اللَّهِ مِنَ السَّيْفِ أَفَرُّ يَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ وَ لَا رِجَالَ حُلُومُ الْأَطْفَالِ وَ عُقُولُ رَبَّاتِ الْحِجَالِ لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَرَكُمْ وَ لَمْ أَعْرِفْكُمْ مَعْرِفَةً وَ اللَّهِ جَرَّتْ نَدَماً وَ أَعْقَبَتْ سَدَماً قَاتَلَكُمُ اللَّهُ لَقَدْ مَلَاتُمْ قَلْبِي قَيْحاً وَ شَحَنْتُمْ صَدْرِي غَيْظاً وَ جَرَّعْتُمُونِي نُغَبَ التَّهْمَامِ أَنْفَاساً وَ أَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ رَأْيِي بِالْعِصْيَانِ وَ الْخِذْلَانِ حَتَّى لَقَدْ قَالَتْ قُرَيْشٌ إِنَّ ابْنَ أَبِي طَالِبٍ رَجُلٌ شُجَاعٌ وَ لَكِنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِالْحَرْبِ لِلَّهِ أَبُوهُمْ وَ هَلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَشَدُّ لَهَا مِرَاساً وَ أَقْدَمُ فِيهَا مُقَاماً مِنِّي لَقَدْ نَهَضْتُ فِيهَا وَ مَا بَلَغْتُ الْعِشْرِينَ وَ هَا أَنَا ذَا قَدْ ذَرَّفْتُ عَلَى السِّتِّينَ وَ لَكِنْ لَا رَأْيَ لِمَنْ لَا يُطَاعُ(3/66)
هذه الخطبة من مشاهير خطبه ع قد ذكرها كثير من الناس و رواها أبو العباس المبرد في أول الكامل و أسقط من هذه الرواية ألفاظا و زاد فيها ألفاظا و قال في أولها إنه انتهى إلى علي ع أن خيلا وردت الأنبار لمعاوية فقتلوا عاملا له شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 76يقال له ان بن حسان فخرج مغضبا يجر رداءه حتى أتى النخيلة و اتبعه الناس فرقي رباوة من الأرض فحمد الله و أثنى عليه و صلى على نبيه ص
ثم قال أما بعد فإن الجهاد باب من أبواب الجنة فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله الذل و سيما الخسف
و قال في شرح ذلك قوله و سيما الخسف هكذا حدثونا به و أظنه سيم الخسف من قوله تعالى يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ و قال فإن نصرنا ما سمعناه فسيما الخسف تأويله علامة الخسف قال الله تعالى سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ و قال يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ و سيما مقصور و في معناه سيمياء ممدود قال الشاعر
غلام رماه الله بالحسن يافعا له سيمياء لا تشق على البصر(3/67)
و نحن نقول إن السماع الذي حكاه أبو العباس غير مرضي و الصحيح ما تضمنه نهج البلاغة و هو سيم الخسف فعل ما لم يسم فاعله و الخسف منصوب لأنه مفعول و تأويله أولي الخسف و كلف إياه و الخسف الذل و المشقة. و أيضا فإن في نهج البلاغة لا يمكن أن يكون إلا كما اخترناه لأنه بين أفعال متعددة بنيت للمفعول به و هي ديث و ضرب و أديل و منع شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 77و لا يمكن أن يكون ما بين هذه الأفعال معطوفا عليها إلا مثلها و لا يجوز أن يكون اسما. و أما قوله ع و هو لباس التقوى فهو لفظة مأخوذة من الكتاب العزيز قال الله سبحانه دْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَ رِيشاً وَ لِباسُ التَّقْوى. و الجنة ما يجتن به أي يستتر كالدرع و الحجفة. و تركه رغبة عنه أي زهدا فيه رغبت عن كذا ضد رغبت في كذا. و ديث بالصغار أي ذلل بعير مديث أي مذلل و منه الديوث الذي لا غيرة له كأنه قد ذلل حتى صار كذلك. و الصغار الذل و الضيم. و القماء بالمد مصدر قمؤ الرجل قماء و قماءة أي صار قميئا و هو الصغير الذليل فأما قمأ بفتح الميم فمعناه سمن و مصدره القموء و القموءة. و روى الراوندي و ديث بالصغار و القما بالقصر و هو غير معروف. و قوله ع و ضرب على قلبه بالإسهاب فالإسهاب هاهنا هو ذهاب العقل و يمكن أن يكون من الإسهاب الذي هو كثرة الكلام كأنه عوقب بأن يكثر كلامه فيما لا فائدة تحته. قوله و أديل الحق منه بتضييع الجهاد قد يظن ظان أنه يريد ع و أديل الحق منه بأن أضيع جهاده كالباءات المتقدمة و هي قوله و ديث بالصغار و ضرب على قلبه بالإسهاب و ليس كما ظن بل المراد و أديل الحق منه شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 78لأجل تضييعه الجهاد فالباء هاهنا للسببية كقوله تعالى ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ. و النصف الإنصاف و عقر دارهم بالضم أصل دارهم و العقر الأصل و منه العقاللنخل كأنه أصل المال و تواكلتم من وكلت الأمر إليك و وكلته إلي أي لم(3/68)
يتوله أحد منا و لكن أحال به كل واحد على الآخر و منه رجل وكل أي عاجز يكل أمره إلى غيره و كذلك وكله. و تخاذلتم من الخذلان. و شنت عليكم الغارات فرقت و ما كان من ذلك متفرقا نحو إرسال الماء على الوجه دفعة بعد دفعة فهو بالشين المعجمة و ما كان أرسالا غير متفرق فهو بالسين المهملة و يجوز شن الغارة و أشنها. و المسالح جمع مسلحة و هي كالثغر و المرقب
و في الحديث كان أدنى مسالح فارس إلى العرب العذيب
و المعاهدة ذات العهد و هي الذمية و الحجل الخلخال و من هذا قيل للفرس محجل و سمي القيد حجلا لأنه يكون مكان الخلخال و رعثها شنوفها جمع رعاث بكسر الراء و رعاث جمع رعثة فالأول مثل خمار و خمر و الثاني مثل جفنة و جفان و القلب جمع قلب و هو السوار المصمت و الاسترجاع قوله إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ و الاسترحام أن تناشده الرحم و انصرفوا وافرين أي تامين وفر الشي ء نفسه أي تم فهو وافر و وفرت الشي ء متعد أي أتممته. و في رواية المبرد موفورين قال من الوفر أي لم ينل أحد منهم بأن يرزأ في بدن أو مال. شرح البلاغة ج : 2 ص : 79
و في رواية المبرد أيضا فتواكلتم و تخاذلتم و ثقل عليكم قولي وَ اتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا
قال أي رميتم به وراء ظهوركم أي لم تلتفتوا إليه يقال في المثل لا تجعل حاجتي منك بظهر أي لا تطرحها غير ناظر إليها قال الفرزدق
تميم بن مر لا تكونن حاجتي بظهر و لا يعيا عليك جوابها
و الكلم الجراح و في رواية المبرد أيضا مات من دون هذا أسفا
و الأسف التحسر و في رواية المبرد أيضا من تضافر هؤلاء القوم على باطلهم
أي من تعاونهم و تظاهرهم
و في رواية المبرد أيضا و فشلكم عن حقكم(3/69)
الفشل الجبن و النكول عن الشي ء فقبحا لكم و ترحا دعاء بأن ينحيهم الله عن الخير و أن يخزيهم و يسوءهم. و الغرض الهدف و حمارة القيظ بتشديد الراء شدة حره و يسبخ عنا الحر أي يخف و في الحديث أن عائشة أكثرت من الدعاء على سارق سرق منها شيئا فقال لها النبي ص لا تسبخي عنه بدعائك
و صبارة الشتاء بتشديد الراء شدة برده و لم يرو المبرد هذه اللفظة
و روى إذا قلت لكم اغزوهم في الشتاء قلتم هذا أوان قر و صر و إن قلت لكم اغزوهم في الصيف قلتم هذه حمارة القيظ أنظرنا ينصرم عنا الحر
الصر شدة البرد قال تعالى كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ. و لم يرو المبرد حلوم الأطفال و روى عوضها يا طغام الأحلام و قال الطغام من لا معرفة عنده و منه قولهم طغام أهل الشام. و رباب الحجال النساء و الحجال جمع حجلة و هي بيت يزين بالستور و الثياب و الأسرة شرح نهجلبلاغة ج : 2 ص : 80و السدم الحزن و الغيظ و القيح ما يكون في القرحة من صديدها و شحنتم ملأتم. و النغب جمع نغبة و هي الجرعة و التهمام بفتح التاء الهم و كذلك كل تفعال كالترداد و التكرار و التجوال إلا التبيان و التلقاء فإنهما بالكسر. و أنفاسا أي جرعة بعد جرعة يقال أكرع في الإناء نفسين أو ثلاثة. و ذرفت على الستين أي زدت و رواها المبرد نيفت. و روى المبرد في آخرها فقام إليه رجل و معه أخوه فقال يا أمير المؤمنين إني و أخي هذا كما قال الله تعالى رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَ أَخِي فمرنا بأمرك فو الله لننتهين إليه و لو حال بيننا و بينه جمر الغضا و شوك القتاد فدعا لهما بخير و قال و أين تقعان مما أريد ثم نزل
استطراد بذكر كلام لابن نباتة في الجهاد(3/70)