تطاول ليلي بالهموم الطوارق و خوف التي تجلو وجوه العوائق و إن ابن هند سألني أن أزوره و تلك التي فيها بنات البوائق أتاه جرير من علي بخطة أمرت عليه العيش ذات مضايق فإن نال مني ما يؤمل رده و إن لم ينله ذل ذل المطابق فو الله ما أدري و ما كنت هكذا أكون و مهمدني فهو سابقي أخادعه إن الخداع دنية أم أعطيه من نفسي نصيحة وامق شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 63أم أقعد في بيتي و في ذاك راحة لشيخ يخاف الموت في كل شارق و قد قال عبد الله قولا تعلقت به النفس إن لم تقتطعني عوائقي و خالفه فيه أخوه محمد و إني لصلب العود عند الحقفقال عبد الله رحل الشيخ و دعا عمرو غلامه وردان و كان داهيا ماردا فقال ارحل يا وردان ثم قال احطط يا وردان ثم قال ارحل يا وردان احطط يا وردان فقال له وردان خلطت أبا عبد الله أما إنك إن شئت أنبأتك بما في قلبك قال هات ويحك قال اعتركت الدنيا و الآخرة على قلبك فقلت علي معه الآخرة في غير دنيا و في الآخرة عوض من الدنيا و معاوية معه الدنيا بغير آخرة و ليس في الدنيا عوض من الآخرة و أنت واقف بينهما قال قاتلك الله ما أخطأت ما في قلبي فما ترى يا وردان قال أرى أن تقيم في بيتك فإن ظهر أهل الدين عشت في عفو دينهم و إن ظهر أهل الدنيا لم يستغنوا عنك قال الآن لما أشهرت العرب سيري إلى معاوية فارتحل و هو يقول(3/56)
يا قاتل الله وردانا و قدحته أبدى لعمرك ما في النفس وردان لما تعرضت الدنيا عرضت لها بحرص نفسي و في الأطباع إدهان نفس تعف و أخرى الحرص يغلبها و المرء يأكل تبنا و هو غرثان أما علي فدين ليس يشركه دنيا و ذاك له دنيا و سلط شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 64فاخترت من طمعي دنيا على بصر و ما معي بالذي أختار برهان إني لأعرف ما فيها و أبصره و في أيضا لما أهواه ألوان لكن نفسي تحب العيش في شرف و ليس يرضى بذل العيش إنفسار حتى قدم على معاوية و عرف حاجة معاوية إليه فباعده من نفسه و كايد كل واحد منهما صاحبه. فقال له معاوية يوم دخل عليه أبا عبد الله طرقتنا في ليلتنا ثلاثة أخبار ليس فيها ورد و لا صدر قال و ما ذاك قال منها أن محمد بن أبي حذيفة كسر سجن مصر فخرج هو و أصحابه و هو من آفات هذا الدين و منها أن قيصر زحف بجماعة الروم ليغلب على الشام و منها أن عليا نزل الكوفة و تهيأ للمسير إلينا. فقال عمرو ليس كل ما ذكرت عظيما أما ابن أبي حذيفة فما يتعاظمك من رجل خرج في أشباهه أن تبعث إليه رجلا يقتله أو يأتيك به و إن قاتل لم يضرك و أما قيصر فأهد له الوصائف و آنية الذهب و الفضة و سله الموادعة فإنه إليها سريع و أما علي فلا و الله يا معاوية ما يسوي العرب بينك و بينه في شي ء من الأشياء و إن له في الحرب لحظا ما هو لأحد من قريش و إنه لصاحب ما هو فيه إلا أن تظلمه هكذا في رواية نصر بن مزاحم ع محمد بن عبيد الله. و روى نصر أيضا عن عمر بن سعد قال قال معاوية لعمرو يا أبا عبد الله إني أدعوك إلى جهاد هذا الرجل الذي عصى الله و شق عصا المسلمين و قتل الخليفة و أظهر الفتنة و فرق شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 65الجماعة و قطع الرحم فقال عمرو من هو قال علي ق و الله يا معاوية ما أنت و علي بحملي بعير ليس لك هجرته و لا سابقته و لا صحبته و لا جهاده و لا فقهه و لا علمه و و الله إن له مع ذلك لحظا في الحرب ليس لأحد غيره و لكني قد تعودت من(3/57)
الله تعالى إحسانا و بلاء جميلا فما تجعل لي إن شايعتك على حربه و أنت تعلم ما فيه من الغرر و الخطر قال حكمك فقال مصر طعمة فتلكأ عليه معاوية. قال نصر و في حديث غير عمر بن سعد فقال له معاوية يا أبا عبد الله إني أكره لك أن تتحدث العرب عنك أنك إنما دخلت في هذا الأمر لغرض الدنيا قال عمرو دعني عنك فقال معاوية إني لو شئت أن أمنيك و أخدعك لفعلت قال عمرو لا لعمر الله ما مثلي يخدع لأنا أكيس من ذلك قال معاوية ادن مني أسارك فدنا منه عمرو ليساره فعض معاوية أذنه و قال هذه خدعة هل ترى في البيت أحدا ليس غيري و غيرك. قلت قال شيخنا أبو القاسم البلخي رحمه الله تعالى قول عمرو له دعني عنك كناية عن الإلحاد بل تصريح به أي دع هذا الكلام لا أصل له فإن اعتقاد الآخرة و أنها لا تباع بعرض الدنيا من الخرافات. و قال رحمه الله تعالى و ما زال عمرو بن العاص ملحدا ما تردد قط في الإلحاد و الزندقة و كان معاوية مثله و يكفي من تلاعبهما بالإسلام حديث السرار المروي و أن معاوية عض أذن عمرو أين هذا من سيرة عمر و أين هذا من أخلاق علي ع و شدته في ذات الله و هما مع ذلك يعيبانه بالدعابة. شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 66قال نصر فأنشأ عمرو يقولمعاوي لا أعطيك ديني و لم أنل به منك دنيا فانظرن كيف تصنع فإن تعطني مصرا فأربح بصفقة أخذت بها شيخا يضر و ينفع و ما الدين و الدنيا سواء و إنني لآخذ ما تعطي و رأسي مقنع و لكنني أغضي الجفون و إنني لأخدع نفسي و المخادع يخدع و أعطيك أمرا فيه للملك قوة و ألفيإن زلت النعل أصرع و تمنعني مصرا و ليست برغبة و إني بذا الممنوع قدما لمولعقال شيخنا أبو عثمان الجاحظ كانت مصر في نفس عمرو بن العاص لأنه هو الذي فتحها في سنة تسع عشرة من الهجرة في خلافة عمر فكان لعظمها في نفسه و جلالتها في صدره و ما قد عرفه من أموالها و سعة الدنيا لا يستعظم أن يجعلها ثمنا من دينه و هذا معنى قوله
و إني بذا الممنوع قدما لمولع(3/58)
قال نصر فقال له معاوية يا أبا عبد الله أ ما تعلم أن مصر مثل العراق قال بلى و لكنها إنما تكون لي إذا كانت لك و إنما تكون لك إذا غلبت عليا على العراق. قال و قد كان أهل مصر بعثوا بطاعتهم إلى علي ع. فلما حضر عتبة بن أبي سفيان قال لمعاوية أ ما ترضى أن تشتري عمرا بمصر شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 67إن هي صفت لك ليتك لا تغلب على الشام فقال معاوية يا عتبة بت عندنا الليلة فلما جن الليل على عتبة رفع صوته ليسمع معاوية و قالأيها المانع سيفا لم يهز إنما ملت على خز و قزإنما أنت خروف ماثل بين ضرعين و صوف لم يجزأعط عمرا إن عمرا تارك دينه اليوم لدنيا لم تحزيا لك الخير فخذ من دره شخبه الأول و ابعد ما غرزو اسحب الذيل و بادر فوقها و انتهزها إن عمرا ينتهزأعطه مصرا و زده مثلها إنما مصر لمن عز فبزو اترك الحرص عليها ضلة و اشبب النار لمقرور يكزإن مصرا لعلي أو لنا يغلب اليوم عليها من عجز(3/59)
قال فلما سمع معاوية قول عتبة أرسل إلى عمرو فأعطاه مصر فقال عمرو لي الله عليك بذلك شاهد قال نعم لك الله علي بذلك إن فتح الله علينا الكوفة فقال عمرو و اللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ. فخرج عمرو من عنده فقال له ابناه ما صنعت قال أعطانا مصر طعمة قالا و ما مصر في ملك العرب قال لا أشبع الله بطونكما إن لم تشبعكما مصر. قال و كتب معاوية له بمصر كتابه و كتب على ألا ينقض شرط طاعة فكتب عمرو على ألا تنقض طاعة شرطا فكايد كل واحد منهما صاحبه. قلت قد ذكر هذا اللفظ أبو العباس محمد بن يزيد المبرد في كتابه الكامل شرح نهج الاغة ج : 2 ص : 68و لم يفسره و تفسيره أن معاوية قال للكاتب اكتب على ألا ينقض شرط طاعة يريد أخذ إقرار عمرو له أنه قد بايعه على الطاعة بيعة مطلقة غير مشروطة بشي ء و هذه مكايدة له لأنه لو كتب ذلك لكان لمعاوية أن يرجع في إعطائه مصر و لم يكن لعمرو أن يرجع عن طاعه و يحتج عليه برجوعه عن إعطائه مصر لأن مقتضى المشارطة المذكورة أن طاعة معاوية واجبة عليه مطلقا سواء أ كانت مصر مسلمة إليه أم لا. فلما انتبه عمرو إلى هذه المكيدة منع الكاتب من أن يكتب ذلك و قال بل اكتب على ألا تنقض طاعة شرطا يريد أخذ إقرار معاوية له بأنه إذا كان أطاعه لا تنقض طاعته إياه ما شارطه عليه من تسليم مصر إليه و هذا أيضا مكايدة من عمرو لمعاوية و منع له من أن يغدر بما أعطاه من مصر قال نصر و كان لعمرو بن العاص عم من بني سهم أريب فلما جاء عمرو بالكتاب مسرورا عجب الفتى و قال أ لا تخبرني يا عمرو بأي رأي تعيش في قريش أعطيت دينك و تمنيت دنيا غيرك أ ترى أهل مصر و هم قتلة عثمان يدفعونها إلى معاوية و علي حي و أ تراها إن صارت لمعاوية لا يأخذها بالحرف الذي قدمه في الكتاب فقال عمرو يا ابن أخي إن الأمر لله دون علي و معاوية فقال الفتى(3/60)