الفقيه المالكي قال كان شيخ الشهود المعدلين ببغداد و متقدمهم و سمع الحديث الكثير و كان كريما مفضلا على أهل العلم قال و عليه قرأ الشريف الرضي رحمه الله القرآن و هو شاب حدث السن فقال له يوما أيها الشريف أين مقامك قال في دار أبي بباب محول فقال مثلك لا يقيم بدار أبيه قد نحلتك داري بالكرخ المعروفة بدار البركة فامتنع الرضي من قبولها و قال له لم أقبل من أبي قط شيئا فقال إن حقي عليك أعظم من حق أبيك عليك لأني حفظتك كتاب الله تعالى فقبلها. و كان الرضي لعلو همته تنازعه نفسه إلى أمور عظيمة يجيش بها خاطره و ينظمها في شعره و لا يجد من الدهر عليها مساعدة فيذوب كمدا و يفنى وجدا حتى توفي و لم يبلغ غرضا. فمن ذلك قوله
ما أنا للعلياء إن لم يكن من ولدي ما كان من والدي و لا مشت بي الخيل أن لم أطأ سرير هذا الأصيد الماجد شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 35و منه قولهمتى تراني مشيحا في أوائلهم يطفو بي النقع أحيانا و يخفيني لتنظرني مشيحا في أوائلها يغيب بي النقع أحيانا و يبديني لا تعرفوني إلا بالطعان و قد أضحى لثامي معصوبا بعرنينو منه قوله يعني نفسه
فوا عجبا مما يظن محمد و للظن في بعض المواطن غداريؤمل أن الملك طوع يمينه و من دون ما يرجو المقدر أقدارلئن هو أعفى للخلافة لمة لها طرر فوق الجبين و أطرارو رام العلا بالشعر و الشعر دائبا ففي الناس شعر خاملون و شعارو إني أرى زندا تواتر قدحه و يوشك يوما أن تكون له نار
و منه قوله
لا هم قلبي بركوب العلا يوما و لا بلت يدي بالسماح
شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 36إن لم أنلها باشتراط كما شئت على بيض الظبى و اقتراح أفوز منها باللباب الذي يعيي الأماني نيله و الصراح فما الذي يقعدني عن مدى ما هو بالبسل و لا باللقاح يطمح من لا مجد يسمو به إني إذا أعذر عند الطماح أما فتى نال المنى فاشتفىل ذاق الردى فاستراح(2/27)


و في هذه القصيدة ما هو أخشن مسا و أعظم نكاية و لكنا عدلنا عنه و تخطيناه كراهية لذكره و في شعره الكثير الواسع من هذا النمط. و كان أبو إسحاق إبراهيم بن هلال الصابي الكاتب له صديقا و بينهما لحمة الأدب و وشائجه و مراسلات و مكاتبات بالشعر فكتب الصابي إلى الرضي في هذا النمط
أبا حسن لي في الرجال فراسة تعودت منها أن تقول فتصدقاو قد خبرتني عنك أنك ماجد سترقى إلى العلياء أبعد مرتقى فوفيتك التعظيم قبل أوانه و قلت أطال الله للسيد البقا شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 37و أضمرت منه لفظة لم أبح بها إلى أن أرى إظهارها لي مطلقافإن مت أو إن عشت فاذكر بشارتي و أوجب بها حقا عليك محققاو كن لي في الأولاد و الأهل حافظا إذا ما اطمأن الجنب في مضجع البقفكتب إليه الرضي جوابا عن ذلك قصيدة أولها
سننت لهذا الرمح غربا مذلقا و أجريت في ذا الهندواني رونقاو سومت ذا الطرف الجواد و إنما شرعت له نهجا فخب و أعنقا
و هي قصيدة طويلة ثابتة في ديوانه يعد فيها نفسه و يعد الصابي أيضا ببلوغ آماله إن ساعد الدهر و تم المرام و هذه الأبيات أنكرها الصابي لما شاعت و قال إني عملتها في أبي الحسن علي بن عبد العزيز بن حاجب النعمان كاتب الطائع و ما كان الأمر كما ادعاه و لكنه خاف على نفسه. و ذكر أبو الحسن الصابي و ابنه غرس النعمة محمد في تاريخهما أن القادر بالله عقد مجلسا أحضر فيه الطاهر أبا أحمد الموسوي و ابنه أبا القاسم المرتضى و جماعة من القضاة و الشهود و الفقهاء و أبرز إليهم أبيات الرضي أبي الحسن التي أولها(2/28)


ما مقامي على الهوان و عندي مقول صارم و أنف حمي و إباء محلق بي عن الضيم كما زاغ طائر وحشي أي عذر له إلى المجد إن ذل غلام في غمدة المشرف شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 38أحمل الضيم في بلاد الأعادي و بمصر الخليفة العلوي من أبوه أبي و مولاه مولاي إذا ضامني البعيد القصي لف عرقي بعرقه سيدا الناس جميعا محمد و و قال القادر للنقيب أبي أحمد قل لولدك محمد أي هوان قد أقام عليه عندنا و أي ضيم لقي من جهتنا و أي ذل أصابه في مملكتنا و ما الذي يعمل معه صاحب مصر لو مضى إليه أ كان يصنع إليه أكثر من صنيعنا أ لم نوله النقابة أ لم نوله المظالم أ لم نستخلفه على الحرمين و الحجاز و جعلناه أمير الحجيج فهل كان يحصل له من صاحب مصر أكثر من هذا ما نظنه كان يكون لو حصل عنده إلا واحدا من أبناء الطالبيين بمصر فقال النقيب أبو أحمد أما هذا الشعر فمما لم نسمعه منه و لا رأيناه بخطه و لا يبعد أن يكون بعض أعدائه نحلة إياه و عزاه إليه فقال القادر إن كان كذلك فلتكتب الآن محضرا يتضمن القدح في أنساب ولاة مصر و يكتب محمد خطه فيه فكتب محضرا بذلك شهد فيه جميع من حضر المجلس منهم النقيب أبو أحمد و ابنه المرتضى و حمل المحضر إلى الرضي ليكتب خطه فيه حمله أبوه و أخوه فامتنع من سطر خطه و قال لا أكتب و أخاف دعاة صاحب مصر و أنكر الشعر و كتب خطه و أقسم فيه أنه ليس بشعره و أنه لا يعرفه فأجبره أبوه على أن يكتب خطه في المحضر فلم يفعل و قال أخاف دعاة المصريين و غيلتهم لي فإنهم معروفون بذلك فقال أبوه يا عجباه أ تخاف من بينك و بينه ستمائة فرسخ و لا تخاف من بينك و بينه مائة ذراع و حلف ألا يكلمه و كذلك المرتضى فعلا ذلك تقية و خوفا من القادر شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 39و تسكينا له و لما انتهى الأمر إلى القادر سكت على سوء أضمره و بعد ذلك بأيام صرفه عن النقابة و ولاها محمد بن عمر النهر سابسي. و قرأت بخط محمد بن إدريس الحلالفقيه الإمامي قال حكى(2/29)


أبو حامد أحمد بن محمد الإسفرائيني الفقيه الشافعي قال كنت يوما عند فخر الملك أبي غالب محمد بن خلف وزير بهاء الدولة و ابنه سلطان الدولة فدخل عليه الرضي أبو الحسن فأعظمه و أجله و رفع من منزلته و خلى ما كان بيده من الرقاع و القصص و أقبل عليه يحادثه إلى أن انصرف ثم دخل بعد ذلك المرتضى أبو القاسم رحمه الله فلم يعظمه ذلك التعظيم و لا أكرمه ذلك الإكرام و تشاغل عنه برقاع يقرؤها و توقيعات يوقع بها فجلس قليلا و سأله أمرا فقضاه ثم انصرف. قال أبو حامد فتقدمت إليه و قلت له أصلح الله الوزير هذا المرتضى هو الفقيه المتكلم صاحب الفنون و هو الأمثل و الأفضل منهما و إنما أبو الحسن شاعر قال فقال لي إذا انصرف الناس و خلا المجلس أجبتك عن هذه المسألة. قال و كنت مجمعا على الانصراف فجاءني أمر لم يكن في الحساب فدعت الضرورة إلى ملازمة المجلس إلى أن تقوض الناس واحدا فواحدا فلما لم يبق إلا غلمانه و حجابه دعا بالطعام فلما أكلنا و غسل يديه و انصرف عنه أكثر غلمانه و لم يبق عنده غيري قال لخادم هات الكتابين اللذين دفعتهما إليك منذ أيام و أمرتك أن تجعلهما في السفط الفلاني فأحضرهما فقال هذا كتاب الرضي اتصل بي أنه قد ولد له ولد فأنفذت إليه ألف دينار و قلت له هذه للقابلة فقد جرت العادة أن يحمل الأصدقاء(2/30)


شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 40إلى أخلائهم و ذوي مودتهم مثل هذا في مثل هذه الحال فردها و كتب إلى هذا الكتاب فاقرأه قال فقرأته و هو اعتذار عن الرد و في جملته إننا أهل بيت لا نطلع على أحوالنا قابلة غريبة و إنما عجائزنا يتولين هذا الأمر من نسائنا و لسن ممن يأن أجرة و لا يقبلن صلة قال فهذا هذا. و أما المرتضى فإننا كنا قد وزعنا و قسطنا على الأملاك ببادوريا تقسيطا نصرفه في حفر فوهة النهر المعروف بنهر عيسى فأصاب ملكا للشريف المرتضى بالناحية المعروفة بالداهرية من التقسيط عشرون درهما ثمنها دينار واحد قد كتب إلى منذ أيام في هذا المعنى هذا الكتاب فاقرأه فقرأته و هو أكثر من مائة سطر يتضمن من الخضوع و الخشوع و الاستمالة و الهز و الطلب و السؤال في إسقاط هذه الدراهم المذكورة عن أملاكه المشار إليها ما يطول شرحه. قال فخر الملك فأيهما ترى أولى بالتعظيم و التبجيل هذا العالم المتكلم الفقيه الأوحد و نفسه هذه النفس أم ذلك الذي لم يشهر إلا بالشعر خاصة و نفسه تلك النفس فقلت وفق الله تعالى سيدنا الوزير فما زال موفقا و الله ما وضع سيدنا الوزير الأمر إلا في موضعه و لا أحله إلا في محله و قمت فانصرفت. و توفي الرضي رحمه الله في المحرم من سنة أربع و أربعمائة و حضر الوزير فخر الملك و جميع الأعيان و الأشراف و القضاة جنازته و الصلاة عليه و دفن في داره بمسجد الأنباريين بالكرخ و مضى أخوه المرتضى من جزعه عليه إلى مشهد موسى بن جعفر ع لأنه لم يستطع أن ينظر إلى تابوته و دفنه و صلى عليه فخر الملك أبو غالب و مضى بنفسه آخر النهار إلى أخيه المرتضى بالمشهد الشريف الكاظمي فألزمه بالعود إلى داره. شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 41و مما رثاه به أخوه المرتضى الأبيات المشهورة التي من جملتهايا للرجال لفجعة جذمت يدي و وددت لو ذهبت على برأسي ما زلت آبى وردها حتى أتت فحسوتها في بعض ما أنا حاسي و مطلتها زمنا فلما صممت لم يثنها مطلي و(2/31)

7 / 150
ع
En
A+
A-