شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 32صدرا رحيبا و قلبا واسعا قمنا ألا تخاف متى أودعت إظهارفعلمنا أنه يريد أن نضمن له كتمان حديثه فقلت أنا له يا أمير المؤمنين الزمنا و خصنا و صلنا قال بما ذا يا أخا الأشعرين فقلت بإفشاء سرك و أن تشركنا في همتك فنعم المستشاران نحن لك قال إنكما كذلك فاسألا عما بدا لكما ثم قام إلى الباب ليعلقه فإذا الآذن الذي أذن لنا عليه في الحجرة فقال امض عنا لا أم لك فخرج و أغلق الباب خلفه ثم أقبل علينا فجلس معنا و قال سلا تخبرا قلنا نريد أن يخبرنا أمير المؤمنين بأحسد قريش الذي لم يأمن ثيابنا على ذكره لنا فقال سألتما عن معضلة و سأخبركما فليكن عندكما في ذمة منيعة و حرز ما بقيت فإذا مت فشأنكما و ما شئتما من إظهار أو كتمان قلنا فإن لك عندنا ذلك قال أبو موسى و أنا أقول في نفسي ما يريد إلا الذين كرهوا استخلاف أبي بكر له كطلحة و غيره فإنهم قالوا لأبي بكر أ تستخلف علينا فظا غليظا و إذا هو يذهب إلى غير ما في نفسي فعاد إلى التنفس ثم قال من تريانه قلنا و الله ما ندري إلا ظنا قال و ما تظنان قلنا عساك تريد القوم الذين أرادوا أبا بكر على صرف هذا الأمر عنك قال كلا و الله بل كان أبو بكر أعق و هو الذي سألتما عنه كان و الله أحسد قريش كلها ثم أطرق طويلا فنظر المغيرة إلي و نظرت إليه و أطرقنا مليا لإطراقه و طال السكوت منا و منه حتى ظننا أنه قد ندم على ما بدا منه ثم قال وا لهفاه على ضئيل بني تيم بن مرة لقد تقدمني ظالما و خرج إلي منها آثما فقال المغيرة أما تقدمه عليك يا أمير المؤمنين ظالما فقد عرفناه كيف خرج إليك منها آثما قال ذاك لأنه لم يخرج إلي منها إلا بعد يأس منها أما و الله لو كنت أطعت يزيد بن الخطاب و أصحابه لم يتلمظ من حلاوتها بشي ء أبدا و لكني قدمت و أخرت و صعدت و صوبت و نقضت و أبرمت فلم أجد إلا الإغضاء على ما نشب به منها و التلهف على نفسي و أملت إنابته و رجوعه فو الله ما فعل(3/26)


حتى نغر بها بشما شرنهج البلاغة ج : 2 ص : 33قال المغيرة فما منعك منها يا أمير المؤمنين و قد عرضك لها يوم السقيفة بدعائك إليها ثم أنت الآن تنقم و تتأسف قال ثكلتك أمك يا مغيرة إني كنت لأعدك من دهاة العرب كأنك كنت غائبا عما هناك إن الرجل ماكرني فماكرته و ألفاني أحذر من قطاة إنهلما رأى شغف الناس به و إقبالهم بوجوههم عليه أيقن أنهم لا يريدون به بدلا فأحب لما رأى من حرص الناس عليه و ميلهم إليه أن يعلم ما عندي و هل تنازعني نفسي إليها و أحب أن يبلوني بإطماعي فيها و التعريض لي بها و قد علم و علمت لو قبلت ما عرضه علي لم يجب الناس إلى ذلك فألفاني قائما على أخمصي مستوفزا حذرا و لو أجبته إلى قبولها لم يسلم الناس إلي ذلك و اختبأها ضغنا علي في قلبه و لم آمن غائلته و لو بعد حين مع ما بدا لي من كراهة الناس لي أ ما سمعت نداءهم من كل ناحية عند عرضها علي لا نريد سواك يا أبا بكر أنت لها فرددتها إليه عند ذلك فلقد رأيته التمع وجهه لذلك سرورا و لقد عاتبني مرة على كلام بلغه عني و ذلك لما قدم عليه بالأشعث أسيرا فمن عليه و أطلقه و زوجه أخته أم فروة فقلت للأشعث و هو قاعد بين يديه يا عدو الله أ كفرت بعد إسلامك و ارتددت ناكصا على عقبيك فنظر إلي نظرا علمت أنه يريد أن يكلمني بكلام في نفسه ثم لقيني بعد ذلك في سكك المدينة فقال لي أنت صاحب الكلام يا ابن الخطاب فقلت نعم يا عدو الله و لك عندي شر من ذلك فقال بئس الجزاء هذا لي منك قلت و علام تريد مني حسن الجزاء قال لأنفتي لك من اتباع هذا الرجل و الله ما جرأني على الخلاف عليه إلا تقدمه عليك و تخلفك عنها و لو كنت صاحبها لما رأيت مني خلافا عليك قلت لقد كان ذلك فما تأمر الآن قال إنه ليس بوقت أمر بل وقت صبر و مضى و مضيت و لقي الأشعث الزبرقان بن بدر فذكر له ما جرى بيني و بينه فنقل ذلك إلى أبي بكر فأرسل إلي بعتاب مؤلم فأرسلت إليه أما و الله(3/27)


شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 34لتكفن أو لأقولن كلمة بالغة بي و بك في الناس تحملها الركبان حيث ساروا و إن شئت استدمنا ما نحن فيه عفوا فقال بل نستديمه و إنها لصائرة إليك بعد أيام فظننت أنه لا يأتي عليه جمعة حتى يردها علي فتغافل و الله ما ذاكرني بعد ذلك حرفا ى هلك. و لقد مد في أمدها عاضا على نواجذه حتى حضره الموت و أيس منها فكان منه ما رأيتما فاكتما ما قلت لكما عن الناس كافة و عن بني هاشم خاصة و ليكن منكما بحيث أمرتكما قوما إذا شئتما على بركة الله فقمنا و نحن نعجب من قوله فو الله ما أفشينا سره حتى هلك. قال المرتضى و ليس في طعن عمر على أبي بكر ما يؤدي إلى فساد خلافته إذ له أن يثبت إمامة نفسه بالإجماع لا بنص أبي بكر عليه و أما الفلتة فإنها و إن كانت محتملة للبغتة كما قاله أبو علي رحمه الله تعالى إلا أن قوله وقى الله شرها يخصصها بأن مخرجها مخرج الذم و كذلك قوله فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه و قوله المراد وقى الله شر الاختلاف فيها عدول عن الظاهر لأن الشر في الكلام مضاف إليها دون غيرها و أبعد من هذا التأويل قوله إن المراد من عاد إلى مثلها من غير ضرورة و أكره المسلمين عليها فاقتلوه لأن ما جرى هذا المجرى لا يكون مثلا لبيعة أبي بكر عندهم لأن كل ذلك ما جرى فيها على مذاهبهم و قد كان يجب على هذا أن يقول فمن عاد إلى خلافها فاقتلوه. و ليس له أن يقول إنما أراد بالمثل وجها واحدا و هو وقوعها من غير مشاورة لأن ذلك إنما تم في أبي بكر خاصة بظهور أمره و اشتهار فضله و لأنهم بادروا إلى العقد خوفا من الفتنة و ذلك لأنه غير منكر أن يتفق من ظهور فضل غير أبي بكر و اشتهار أمره و خوف الفتنة ما اتفق لأبي بكر فلا يستحق قتلا و لا ذما على أن قوله مثلها يقتضي وقوعها على الوجه الذي وقعت عليه فكيف يكون ما وقع من غير مشاورة لضرورة داعية و أسباب موجبة مثلا لما وقع بلا مشاورة و من غير ضرورة و لا أسباب و الذي رواه عن أهل(3/28)


اللغة شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 35من أن آخر يوم من شوال يسمى فلتة من حيث إن من لم يدرك فيه الثأر فإنه قول لا نعرفه و الذي نعرفه أنهم يسمون الليلة التي ينقضي بها آخر الأشهر الحرم و يتم فلتة هي آخر ليلة من ليالي الشهر لأنه ربما رأى الهلال قوم لتسع و عشرين و لم يبصره الباقون فيغير هؤلاء على أولئك و هم غارون فلهذا سميت تلك الليلة فلتة على أنا قد بينا أن مجموع الكلام يقتضي ما ذكرناه من المعنى لو سلم له ما رواه عن أهل اللغة في احتمال هذه اللفظة. قال و قد ذكر صاحب كتاب العين أن الفلتة الأمر الذي يقع على غير إحكام فقد صح أنها موضوعة في اللغة لهذا و إن جاز ألا تختص به بل تكون لفظة مشتركة. و بعد فلو كان عمر لم يرد بقوله توهين بيعة أبي بكر بل أراد ما ظنه المخالفون لكان ذلك عائدا عليه بالنقص لأنه وضع كلامه في غير موضعه و أراد شيئا فعبر عن خلافه فليس يخرج هذا الخبر من أن يكون طعنا على أبي بكر إلا بأن يكون طعنا على عمر. و اعلم أنه لا يبعد أن يقال إن الرضا و السخط و الحب و البغض و ما شاكل ذلك من الأخلاق النفسانية و إن كانت أمورا باطنة فإنها قد تعلم و يضطر الحاضرون إلى تحصيلها بقرائن أحوال تفيدهم العلم الضروري كما يعلم خوف الخائف و سرور المبتهج و قد يكون الإنسان عاشقا لآخر فيعلم المخالطون لهما ضرورة أنه يعشقه لما يشاهدونه من قرائن الأحوال و كذلك يعلم من قرائن أحوال العابد المجتهد في العبادة و صوم الهواجر و ملازمة الأوراد و سهر الليل أنه يتدين بذلك فغير منكر أن يقول قاضي القضاة رحمه الله(3/29)


شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 36تعالى إن المعلوم ضرورة من حال عمر تعظيم أبي بكر و رضاه بخلافته و تدينه بذلك فالذي اعترضه رحمه الله تعالى به غير وارد عليه و أما الأخبار التي رواها عن عمر فأخبار غريبة ما رأيناها في الكتب المدونة و ما وقفنا عليها إلا من كتاب ارتضى و كتاب آخر يعرف بكتاب المسترشد لمحمد بن جرير الطبري و ليس هو محمد بن جرير صاحب التاريخ بل هو من رجال الشيعة و أظن أن أمه من بني جرير من مدينة آمل طبرستان و بنو جرير الآمليون شيعة مستهترون بالتشيع فنسب إلى أخواله و يدل على ذلك شعر مروي له و هو(3/30)

65 / 150
ع
En
A+
A-